البث المباشر

شرح فقرة: "وأرنا نوره سرمدا لا ظلمة فيه، ..."

السبت 3 أغسطس 2019 - 09:45 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " وأرنا نوره سرمدا لا ظلمة فيه " من أدعية الإمام المهدي عليه السلام.

 

بسم الله والْحَمْدُ لِلَّهِ إذ جعلنا من أهل التمسك بعرى الثقلين كتابه المبين وصفوته من الخلائق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم إخوتنا المستمعين، وأهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج، نتابع فيه إستلهام دروس الحياة الطيبة من أدعية أهل بيت الرحمة المحمدية (عليهم السلام) ومنها دعاء المعرفة الجليل الذي أمرنا بتلاوته في عصر غيبة خاتم الأوصياء خليفة الله المهدي (عجل الله فرجه). وقد إنتهينا أيها الأعزاء الى مقطع منه يعلمنا أن نتوجه الى الله عزوجل قائلين: (اللهم وأحي بوليك القرآن، وأرنا نوره سَرْمَداً لا ظلمة فيه، وأحي به القلوب الميتة، وإشف به الصدور الوغرة، واجمع به الأهواء المختلفة على الحق، وأقم به الحدود المعطلة والأحكام المهملة، حتى لا يبقى حق إلا ظهر، ولا عدلٌ إلا زهر، ...).
عرفنا في حلقةٍ سابقةٍ - مستمعينا الأفاضل- معنى إحياء القرآن ومصاديقه على يدي المهدي الموعود (عجل الله فرجه)، ونصل الآن الى العبارة الثانية التي نطلب من الله عزوجل أن يرينا (نوره سَرْمَداً لا ظلمة فيه). فما معنى هذه العبارة؟
يبدو أن ضمير الهاء في (نوره) يعود الى القرآن الكريم، وبذلك يكون المعنى أننا نطلب من الله جل جلالة أن يرينا نور القرآنسَرْمَداً - أي نوراً دائماً نستنير فيه باستمرار- لا ظلمة فيه، أي لا تعتريه ظلمة أبداً، أي لا نقع ونحن نستنير بالقرآن في ظلمات الشبهات وسوء الفهم لآياته وبعد معرفة هذه الحقيقة ننتقل للإجابة عن السؤال التالي وهو: كيف تتحقق لنا هذه الإستنارة؟
في الإجابة تقول: إن معنى مشاهدة نور القرآن هو الإدراك العقلي والقلبي معاً لحقائقه أي أن الإدراك والفهم العقلي المجرد لحقائق كِتَابِ اللَّهِ المجيد لا يكفي لمشاهدة نورانيته، بل يحتاج الأمر الى أن تنتقل هذه الحقائق الى القلب فينعقد عليها وتترسخ فيه فتطهره وتمنحه نور البصيرة الذي يجعله يرى الأشياء والأمور على حقيقتها فتنكشف عنه ظلمات الشبهات ولا يقع في سوء الفهم ولا ينخدع بتلبيسات الأهواء النفسانية والوساوس الشيطانية.
مستمعينا الأفاضل، عندما نرجع الى القرآن الكريم نفسه نجده يصرح بأن الأهواء النفسانية والوساوس الشيطانية لا تدعو الإنسان الى الضلالة والإنحرافات بصورة صريحة بل بالمخادعة والتلبيس وتشبيه الباطل بالحق أو تزيينه حسب التعبير القرآني، قال الله عزوجل في الآية ٤۳ من سورة الأنعام: «فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ».
ونقرأ في الآية ۱۳۷ من سورة الانعام: «وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ».
ونقرأ في الآيه ۲٤ من سورة النمل: «وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ».
ويستفاد من هذه الآيات وغيرها أن تزيين الباطل وتشبيهه بصورة الحق يعد أهم مكائد الشيطان فهي توقع الإنسان في أخطر الإنحرافات العقائدية والسلوكية وهو يظن أنه يقوم بأعمالٍ صالحة، قال الله جل جلاله في الآيتين ۱۰۳ و۱۰٤ من سورة الكهف:«قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً».
والذي ينقذ الإنسان من هذا الخسران المبين ويجعله يرى الحق حقاً فيتبعه والباطل باطلاً فيجتنبه هو نور القرآن الكريم ولذلك يعلمنا دعاء المعرفة أن نطلب من الله عزوجل أن يرينا نور كتابه المجيد دائماً فنتبعه في كل شؤوننا فننجو من ذلك الخسران المبين.
أيها الأخوة والأخوات، نعود مرة أخرى الى القرآن الكريم نفسه لنعرف كيف ندرك قلبياً وليس عقلياً فقط نور كِتَابِ اللَّهِ، فنجده يصرح بأن نورانية القرآن الكريم مكنونة، أي محفوظة لا يستطيع مسها أي مشاهدتها قلبياً إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ، قال عزوجل في الآيات ۷۷ الى ۷۹ من سورة الواقعة بعد إن قسم بأعظم الأقسام: «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ، لّا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ».
والْمُطَهَّرُونَ هم - كما تصرح آية التطهير- محمد وآله الطيبون صلوات الله عليهم أجمعين.
وعليه يتضح أن الإستنارة القلبية بكِتَابِ اللَّهِ المجيد لا تتحقق إلا بواسطة التمسك بولاية أهل بيت النبوة (عليهم السلام).
وبهذه التوضيحات القرآنية نصل الى النتيجة التالية وهي: أن ما نطلبه في العبارة المتقدمة من دعاء المعرفة الجليل هو أن يقوّي الله تبارك وتعالى تمسكنا بولاية محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم فيعيننا بذلك على الإستنارة بنور كتابه المجيد وآياته الكريمة فنرى حقائق الأمور كما هي، وبذلك ننجو من تلبيسات الأهواء النفسانية والوساوس الشيطانية التي تسعى لأن ترينا الباطل حقاً والحق باطلاً، لكي توقعنا في الخسران المبين ونحن نحسب أننا نحسن صنعاً، أجارنا الله وإياكم من ذلك إنه سميع مجيب.
وبهذا نصل أعزاءنا الى ختام حلقةٍ أخرى من برنامج (ينابيع الرحمة) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران تقبل الله منكم حسن الإستماع ودمتم في رعايته سالمين وآخر دعوانا على الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة