بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وله الحمد والمجد العزيز الحكيم، وأزكى صلواته على أعلام صراطه المستقيم وكنوز فضله العميم المصطفى الأمين وآله الطاهرين.
السلام عليكم إخوتنا المستمعين واهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج نتابع فيه استلهام ما يحبه الله لنا ويرضاه من خلال التدبر في أدعية أهل بيت الرحمة (عليهم السلام) ومنها الدعاء المبارك المروي عن إمام زماننا المهدي والمستحب تلاوته في عصر غيبته (عجل الله فرجه) خاصة بعد صلاة العصر من أيام الجمعة.
وقد إنتهينا أيها الأعزاء إلى مقطع من هذا الدعاء يعلمنا أن نطلب من الله جل جلاله أن لا يدع لجور الجائرين دعامة إلا قصمها إلى أن يقول: (ولا رآية إلا نكستها، ولا شجاعاً إلا قتلته، ولا جيشاً إلا خذلته، وارمهم يا رب بحجرك الدامغ، واضربهم بسيفك القاطع، وبأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين، وعذب أعدائك وأعداء دينك وأعداء رسولك، صلواتك عليه وآله، بيد وليك، وأيدي عبادك الْمُؤْمِنِينَ).
أول مطلب في هذا المقطع هو أن يكسر الله جلت قدرته شوكة الظَّالِمِينَ والجبابرة العسكرية، وهي المشار إليها:
أولاً: بالرآية التي ترمز للإقتدار القتالي مادامت مرفوعة، فالمطلوب هو تنكيس كل رآية للطواغيت، ويتحقق ذلك بردع حملة رآيات الظلم ودعاته لحكم الطواغيت، سواء من فقهاء السلاطين - أي أئمة الضلال- وسائر أعوانهم وأركان حكوماتهم.
وثانياً: قتل شجعانهم، ولا يخفى أن المقصود هنا ليس الشجاعة الروحية الحقيقية، فهذه الفضيلة لا تتوفر في الظَّالِمِينَ والجائرين وأعوانهم، وإنما المقصود هم أصحاب القدرات القتالية الفائقة الذين يبسط الطواغيت والظلمة سيطرتهم على الناس بهم.
وثالثاً: خذلان جيوشهم، ومعنى أن يخذل الإنسان إنساناً هو أن يحجب الأول قوته وإمكاناته عن الثاني، أما بالنسبة لله عزوجل فمعنى أن يخذل الظالم هو أن يوهن قدرة أو قوة وإمكانات الظالم ويجعلها عاجزة عن تحقيق ما يريد، لأنها جميعاً منه وبيده عزوجل، وهذا المعنى مستفاد من القرآن الكريم الذي يصرح بأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ.
مستمعينا الأفاضل، وفي الفقرة اللاحقة من الدعاء نطلب من الله جلت قدرته أن يرمي جنود الجائرين بحجره الدامغ وفيه إشارة إلى قصة مقلاع نبي الله داوود (على نبينا وآله وعليه السلام) الذي قتل بحجره جَالُوتَ في معركة الفئة القليلة من بني اسرائيل التي قادها طَالُوتُ (عليه السلام) ضد الفئة الكثيرة من أعداء الله بزعامة جَالُوتَ، كما أشار الى ذلك القرآن الكريم في سورة البقرة في الآيات ۲٤٦ الى ۲٥۱.
المراد في هذه الفقرة من الدعاء يتضح لنا من خلال التدبر في هذه الآيات وخاصة قوله عزوجل: «فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ، وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ، وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ، وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء، وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ».
فكما تلاحظون مستمعينا الأفاضل فأن هذه الآية تصرح بأن سنة الله تبارك وتعالى اقتضت أن يدفع الله شر بعض الناس (أي الظَّالِمِينَ) ببعض أي الْمُؤْمِنِينَ، كداوود النبي (عليه السلام)، وبذلك يهزم الله الْكَافِرِينَ بعباده الْمُؤْمِنِينَ لأنه عزوجل ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ، ومن فضله أن يهيأ للمؤمنين فرصة الفوز بالثواب والملك والحكمة وذلك من خلال مجاهدة الظَّالِمِينَ.
وعلى ضوء ذلك يتضح أن ما نطلب من الله عزوجل في هذه الفقرة هو أن يوفق الْمُؤْمِنِينَ لرمي رؤوس الظَّالِمِينَ بالحجر الدامغ المسدد بالتأييد والنصرة الإلهية.
أيها الأخوة والأخوات، وفي الفقرة التالية من الدعاء ندعو الله جلت قدرته قائلين: (واضربهم بسيفك القاطع، وبأسك الذي لا تردهعَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).
الرمي بالحجر هو القتال من بعيد، والضرب بالسيف القاطع هو القتال من قرب، والأول يضعف عساكر الجائرين والطواغيت، والثاني يقطع دابرهم بالكامل، فالهدف من الرمي بالحجر الدافع هو إضعافهم وإلحاق الهزيمة بهم، أما الهدف من الضرب بالسيف الإلهي القاطع فهو إستئصالهم.
أما البأس الإلهي الذي لا يرد عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ فهو العقاب الصارم والقصاص الذي ينزله الله عزوجل بالْمُجْرِمِينَ جزاءً لما ارتكبوه من جرائم بحق عِبَادِ اللَّهِ والمستضعفين.
وذكر هذا البأس والعقاب الصارم في نهاية هذه الفقرة إشارة إلى كون هؤلاء الطواغيت والجائرين قد ارتكبوا من المظالم ما استحقوا بها هذا القصاص وأصروا عليها إلى درجةٍ جعلت إستمرار وجودهم يعني إستمرار ظلمهم وجورهم أعاذنا الله وإياكم من كل ظلمٍ وجور إنه سميع مجيب.
وبهذا مستمعينا الأفاضل، ننهي لقاء اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، لكم منا خالص الدعوات ودمتم في رعاية الله.