بسم الله وله الحمد والمجد عصمة المعتصمين، وأزكى صلواته وتحياته على صفوته المنتجبين محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم أعزائنا المستمعين، على بركة الله نلتقيكم في لقاء اليوم من برنامجكم هذا ووقفة أخرى نستلهم فيها دروس الحياة الطيبة من أدعية أهل بيت النبوة والرحمة (عليهم السلام)، ومنها دعاء عصر الغيبة المُسمّى بدعاء المعرفة والذي أكد علماؤنا الأتقياءُ كالسيد ابن طاووس (رحمه الله) على اهتمام الْمُؤْمِنِينَ وبصورة مؤكدةٍ على تلاوته خاصة بعد صلاة العصر من يوم الجمعة، وقد انتهينا إلى مقطع يقول فيه الداعي بعد أن طلب من الله عزوجل تعجيل فرج وظهور المهدي الموعود (أرواحنا فداه). (اللهم فصل عليه وعلى آبائه الطاهرين، وعلى شيعته المنتجبين وبلغهم من آمالهم أفضل ما يأملون، واجعل ذلك منا خالصاً من كل شكٍ وشبهةٍ ورياءٍ وسمعةٍ، حتى لا نريد به غيرك، ولا نطلب به إلا وجهك يا أرحم الراحمين).
طلب الصلاة على محمد وآله الطاهرين (صلوات الله علهم أجمعين) هي في حقيقتها دعاءٌ زكيٌّ نطلب فيه من الله عزوجل أن يزيد في نشر أنوارهم وبركاتهم في العالمين وفي تعريف الخلق بهم وبقربهم منه جلَّ جلاله وبكونهم الوسيلة إليه وأنهم مظاهر صفاته وأسماءه الحسنى التي يدعى بها؛ وهذا يعني أننا نحن بحاجةٍ للصلاة على محمد وآله وليس هم (عليهم السلام) الذين بحاجة إلى أن نصلي عليهم، فقد أغناهم الله عزوجل من فضله عن كل شيء حتى عن الإنتفاع من الصلاة عليهم (صلوات الله عليهم). فالحال مع طلب الصلاة عليهم هو كحال مودَّتهم التي أمر الله عزوجل رسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن يطلبها من الناس كأجرٍ على ما تحمَّله في تبليغ رسالات ربِّه، ثم صَرَّحَ بأنّ هذا الأجر الذي طلبه إنما يعود نفعه للناس أنفسهم، فهو أجرٌ للناس في واقعه، لنتدبر معاً أيها الإخوة والأخوات في آيات أجر المودة التالية، الأولى هي الثالثة والعشرون من سورة الشورى حيث قال عزوجل: «ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ».
والآية الثانية هي الأربعون من سورة الطور وكذلك السادسة والأربعون من سورة القلم، حيث يقول عزَّ من قائل: «أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ»، والمضمون نفسه ورد في آيات أخرى. ولاحظوا أيضاً قوله عزوجل (الآية ٥۷ من سورة الفرقان): «قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا»، وأخيراً قوله تبارك وتعالى في (الآية ٤۷ من سورة سبأ): «قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ».
واضحٌ مستمعينا الأفاضل أنّ هذه الآيات الكريمة تبين حقيقة أنّ أجر رسول الله هو على الله عزوجل، فرَبُّهُ هو الأكرم من أن يجعل أجر رسوله (صلى الله عليه وآله) على الناس، ولذلك فإنّ أجر مودَّةِ أهل بيته (عليهم السلام) إنما طلبه من الناس لأنّ فيه صالحهم وخيرهم فهو أجرٌ يعطيه الناس في الواقع لأنفسهم، وهكذا حال طلب الصلاة على محمدٍ وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، فهو دعاءٌ فيه خير الناس عموماً ولذلك كان من أفضل الذكر والدعاء.
نعم، إنّ نصيب محمد وآله (صلوات الله عليهم) من المودَّة لهم والصلاة عليهم هو السرور والفرح لأنهم يُفرحُهُم نزول الخير والرحمة على الناس صلوات الله وتحياته عليهم أجمعين؛ وهذا السرور هدية قيّمة يهديها لهم المُحبُّ لهم وهو يصلي عليهم؛ وهم يحبونها من شيعتهم (عليهم السلام) لما فيها من روح الوفاء والمودّة.
وعلى ضوء التوضيحات المتقدمة يتبين لنا أيها الأعزاء معنى قول الداعي في الفقرة الأولى من المقطع المتقدم من دعاء عصر الغيبة، فنحن نطلب فيها أن يصلي على إمام زماننا خليفته المهدي (عجل الله فرجه) وعلى آبائه الطاهرين (عليهم السلام)، أي أن يزيد في تشعشع أنوارهم في العالمين ويزيد في معرفة الْمُؤْمِنِينَ بهم (عليهم السلام)، ويُعرِّفهم إلى الخلائق أجمعين لكي يهتدوا بهداهم إلى صراطه الْمُسْتَقِيمَ وبذلك ينالون السعادة والفوز بالحياة الطيبة. ومما لا شك فيه أنّ ازدياد معرفة خليفة الله المهدي ونهج آبائه الطاهرين (صلوات الله عليهم) على الصعيد العالمي وليس الشيعي والإسلامي وحسب هو مقدمة ضرورية لظهوره (عليه السلام) المبارك لكونه أحد العوامل التي تعزِّز أرضية الإستجابة لدعوته الإصلاحية الكبرى.
مستمعينا الأفاضل ونختم هذا اللقاء بحكايةٍ وروايةٍ بشأن ما أشرنا إليه من أنّ نصيب أهل البيت النبوي (صلوات الله عليهم) من الصلاة عليهم هو السرور بها، والحكاية هي أنّ أحد الْمُؤْمِنِينَ (حفظه الله) دعا الله عزوجل أن يهديه لعملٍ يدخل السرور به على محمد وآله (عليهم السلام) وكان في يده كتاب مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي (رحمه الله) ففتحه من دون تعين فوقع بصره على الرواية التالية ضمن أعمال يوم عرفة (روي عن الصادق (عليه السلام): أنّ من أراد أن يَسُرَّ محمداً وآل محمد (عليهم السلام) فليقل في صلاته عليهم: (اللهم يا أجود من أعطى، ويا خير من سئل، ويا أرحم من استرحم، اللهم صل على محمد وآله في الأولين، وصل على محمد وآله في الآخرين، وصل على محمد وآله في الْمَلإِ الأَعْلَى، وصل على محمد وآله في الْمُرْسَلِينَ، اللهم اعط محمداً الوسيلة والفضيلة والشرف والرفعة والدرجة الكبيرة، اللهم إني آمنت بمحمد صلى الله عليه وآله، ولم أره فلا تحرمني في القيامة رؤيته، وارزقني صحبته، وتوفني على ملته، واسقني من حوضه مشرباً روياً سائغاً هنيئاً، لا أظمأ بعده أبداً إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللهم إني آمنت بمحمد (صلى الله عليه وآله) ولم أره فعرفني في الجنان وجهه، اللهم بلغ محمداً صلى الله عليه وآله مني تحية كثيرة وسلاماً).