بسم الله وله الحمد العظيم والثناء الجميل والشكر الجزيل إذ جعلنا من أمَّة سيد النبيين المصطفى الأمين صلوات الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أعزائنا المستمعين، أهلاً بكم في لقاء اليوم من برنامجكم هذا نسعى فيه بعون الله لاستلهام معارف الرحمة الإلهية من أدعية أهل بيت الرحمة المحمدية العظمى (عليهم السلام). نتابع أحبائنا في هذا اللقاء الاستنارة بدعاء المعرفة الجليل المندوب إلى تلاوته في عصر غيبة خاتم الأوصياء المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)، وقد إنتهينا إلى فقرة نطلب فيها من الله عزوجل أن يعجل في ظهور الإمام المهدي لكي يطفئ بعدله نيران الكفر، ثم يقول: (فإنه عبدك الذي استخلصته لنفسك وارتضيته لنصرة دينك واصطفيته بعلمك وعصمته من الذنوب وبرأته من العيوب، وأطلعته على الغيوب وأنعمت عليه وطهرته من الرجس ونقيته من الدنس، اللهم فصل عليه وعلى آبائه الأئمة الطاهرين وعلى شيعته المنتجبين).
هذه الفقرة من الدعاء تذكر عشر خصوصيات للإمام المهدي (أرواحنا فداه) جعلته وحده القادر على تجسيد العدل الإلهي الذي يكون به وحده أيضاً إطفاء نيران الْكَافِرِينَ وحلُّ الأزمات التي تعتصر البشرية حلاً جذرياً. كما تحدثنا عن ذلك مفصَّلاً في الحلقة السابقة، وعلمنا معنى الخصوصيتين الأولى والثانية وهما كونه العبد الكامل لله عزوجل وكونه الذي استخلصه الله لنفسه وجعله مكيناً بالكامل عنده عزوجل. أما الخصوصية الثالثة فهي كونه (سلام الله عليه) هو الذي اختاره الله عزوجل للقيام بهذه المهمة التأريخية، كما تشير لذلك عبارة: (وارتضيته لنصرة دينك). أما كيف؟ فهو ما يَتـَّضِحُ من خلال التدبر في هذه العبارة من دعاء المعصوم (عليه السلام).
معنى (إرتضيته) - مستمعينا الأفاضل – هو اخترته عن رضاً به كما نصَّت على ذلك كتب فقه اللغة؛ وحيث أن الله عزوجل قد اختار المهدي الموعود (عجل الله فرجه) لمهمة محدودة هي نصرة دينه جلَّ جلاله، لذلك يكون معنى الرضا به (عليه السلام) هو الرضا بقدرته على إنجاز هذه المهمة وفي ذلك مزيد التأكيد على هذا الإختيار.
أما معنى (لنصرة دينك)، فاللام هي للغاية كما هو الواضح، ولكن ما هو معنى (نصرة دينك)؟
في الإجابة نلاحظ أولاً - أيها الإخوة والأخوات - أنَّ الدين هنا منسوبٌ إلى الله عزوجل وفي هذه النسبة إشارة إلى أنّ المطلوب نصرته هو الدين الإلهي الْحَقِّ الخالي من جميع أشكال التحريفات التي ابتدعها أئمة الضلال وأدخلوا في الإسلام ما ليس فيه مما اقتضته أهواؤهم ومصالحهم السلطوية.
كما أن المقصود هو الدين الإلهي الكامل الذي يشمل بقيمه النورانية وأحكامه العادلة جميع شؤون الإنسان والمجتمع البشري وينظمها جميعاً بما فيه صلاح الفرد والمجتمع ورُقيِّهما المادِّي والمعنوي.
مستمعينا الأفاضل، وتتحقق نصرة الدين الإلهي الْحَقِّ، بأمور عدَّةٍ منها: بيان أحقيته وقدرته الفريدة على تحقيق السعادة الشاملة للإنسان وأنه الوحيد القادرعلى ذلك، وهذا معنى إظهاره على الدين كله حسب التعبير القرآني.
ومن مصاديق نصرة دين الله عزوجل دفع الشبهات عنه وتعريفه بصورته النقية الخالصة للعالمين لكي تتفجَّرَ في قلوبهم ينابيع المحبة الفطرية له، ولكي يندفعوا بذلك للعمل به والتقرُّبِ إلى الله عزوجلَّ بذلك وطيِّ معارج الكمال بجميع مراتبه.
كما أن من مصاديق نصرة الدين الْحَقِّ تطبيقه بالصورة الصحيحة والكاملة وليس كما فعل الذين حكموا الْمُسْلِمِينَ باسم الدين حيث طبَّقوا منه ما لا يَضُرُّ بمصالحهم وطمسوا ولم يسمحوا بتطبيق ما يتعارض مع أهوائهم السلطوية، وكذلك تطبيق كلِّ جزءٍ منه برعاية شروطهِ كاملة، فمثلاً لا يمكن تطبيق بعض الحدود الإلهية مثل حدّ السرقة أو حدّ الزنا دون إزالة الأوضاع غير العادلة التي تدفع للسرقة أو الزنا والعياذ بالله كانتشار الفقر أو رواج المظاهر غير الأخلاقية علنياً.
مستمعينا الأفاضل، ومثل هذا التطبيق للدين الإلهي الْحَقِّ لا يمكن أن يقوم بأعبائه إلا من تتوفر فيه شروط عدَّة لا تتوفر في غير الإمام المهدي (عجل الله فرجه) كما سنرى في الحلقات المقبلة عند ما نتدبَّرُ في باقي خصائصه (عليه السلام) المذكورة في هذه الفقرة من دعاء عصر الغيبة.
ونختم هذا اللقاء بأنَّ اهتمام المؤمنين ببيان ما يتقنوا منه من حقائق الدين الْحَقِّ وتعريف الناس بها ودفع الشبهات عنه هو من مصاديق نصرة الإمام المهدي الذي ارتضاه الله لنصرة دينه الْحَقِّ.
نشكر لكم أعزائنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران طيب متابعتكم لحلقة اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) تقبل الله أعمالكم والسلام عليكم.