بسم الله وله خالص الحمد والثناء العدل الحكيم، وأزكى صلواته وتحياته وبركاته على ينابيع رحمته العظمى للعالمين المصطفى الأمين وإله الطاهرين.
السلام عليكم إخوتنا المستمعين، طابت أوقاتكم بكل ما يحبه الله لكم ويرضاه، معكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج نسعى فيها للإستنارة بفقرة أخرى من أهم الأدعية التي ورد التأكيد على التوجه بها إلى الله عزوجل في عصر غيبة خاتم أوصياء النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) مولانا إمام العصر الحجة بن الحسن المهدي (أرواحنا فداه)، وهو الدعاء المعروف بدعاء المعرفة أو دعاء عصر الغيبة. والفقرة التي نستنير فيها في هذا اللقاء هي التي يطلب فيها تعجيل ظهور خليفته المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)، ثم يقول: (حتى تطفئ بعدله نيران الْكَافِرِينَ، فإنه عبدك الذي استخلصته لنفسك وأرتضيته لنصرة دينك، وأصطفيته بعلمك وعصمته من الذنوب وبرأته من العيوب، وأطلعته على الغيوب، وأنعمت عليه وطهرته من الرجس ونقيته من الدنس، اللهم فصل عليه وعلى آبائه الأئمة الطاهرين وعلى شيعته المنتجبين، يا أرحم الراحمين).
ما هي (نيران الْكَافِرِينَ) التي نطلب من الله عزوجل أن يطفأها بعدل خليفته وبقيته المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)؟ وهل يمكن إطفاء هذه النيران بغير العدل المهدوي؟
في الإجابة عن السؤال الأول نقول: إنّ تعبير (إطفاء نيران الْكَافِرِينَ) ، مقتبس من القرآن الكريم وبالتحديد من الاية الرابعة والستين من سورة المائدة، وفيها يشير الله عزوجل إلى بعض الإنحرافات العقائدية لليهود ودورهم الإفسادي، قال عز من قائل: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».
مستمعينا الأفاضل، وقد روي في تفسير العياشي عن إمامنا باقر علوم النبيين (عليه السلام) في قوله تعالى: «كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ»، أنه قال: (كلما أراد جبار من الجبابرة هلكة آل محمد (صلى الله عليه وآله) قصمه الله).
وقال العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان: (والآية على ما يدل السياق تسجِّل عليهم خيبة المسعى في إيقاد النيران التي يوقدونها على دين الله سبحانه وعلى الْمُسْلِمِينَ بما أنهم مؤمنون بالله وبآياته، وأما الحروب التي رُبَّما أمكن أن يوقدوا نارها لا لأمر الدين، بل لسياسة أو تغلب جنسي [عنصري] أو ملي فهي خارجة عن سياق الآية).
أيها الإخوة والأخوات من خلال التدبر في الآية الكريمة وقول مولانا الإمام الباقر (عليه السلام) عنها وكذلك ما تقدم في تفسيرها يمكننا التوصل إلى النتيجة التالية وهي: أنّ المقصود بتعبير (نيران الْكَافِرِينَ) في المصطلح القرآني الذي اقتبسه الدعاء المتقدم، هو: ما يثيره الْكَافِرُونَ بدافع كفرهم من فتن وفساد هدفه الأصلي إطفاء نور الله المتمثل في محمد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) وبالتالي إبعاد الناس عن الدين الإلهي الذي يحقق لهم الحياة الإيمانية الكريمة والسعادة المادية والمعنوية في الدنيا والآخرة. ونتيجة ذلك هي - اعزائنا المستمعين - إغراق البشرية في ظلمات الأزمات العقائدية والفكرية والأخلاقية، والتناحر الناتج من النزعات العنصرية والقومية والإستعلائية، وانتشار الظلم والجور الذي تؤجِّجُه الشهوات والأهواء والإختلافات ونوازع الإستئثار بالثروات والسلطة وسائر اللذائذ المادية.
كانت هذه مستمعي الكريم إجابة السؤال الأول الذي عرضناه في بداية اللقاء انطلاقاً من الأصل القرآني الذي اقتبس منه الدعاء تعبير اطفاء نيران الْكَافِرِينَ، ونضيف إليها توضيحاً آخر لمعنى هذه النيران مستفاداً من قول الدعاء نفسه حيث يقول: (حتى تطفئ بعدله نيران الكفر)، فمن هذا التعبير نستفيد أنّ المقصود هو (النيران) التي يطفئها العدل، وفي ذلك إشارة إلى أنّ منشأ هذه النيران الأساس هو الظلم والجور، فإذا أزيل هذا المنشأ بحلول نقيضه أي (العدل) انطفئت هذه النيران. ولكن هل يمكن لأيِّ حكم عادل أن يطفئ هذه النيران التي أوقدها حكم الكافرين؟ هذا هو مضمون السؤال الثاني الذي عرضناه في بداية اللقاء، والإجابة تتـَّضِحُ من التمعُّنِ في مضمون الإجابة عن السؤال الأول ومعرفة حقيقة نيران الْكَافِرِينَ التي سبَّبت كل هذه الأزمات للمجتمع البشري، فهي لا تنحصر بالجانب الإقتصادي بل تشمل جميع نواحي حياة الإنسان الفكرية والسلوكية، الفردية والإجتماعية، ولذلك فإنّ القادر على إطفائها هو العدل الإلهيُّ الذي ينهي جميع مناشئ الظلم والجور داخل الإنسان وخارجه وسواء كان هذا الظلم عقائدياً فكرياً أو عملياً سلوكياً، أخلاقياً أو اجتماعياً أو سياسياً أو مادياً أو معنوياً، من هنا فإن إطفاء نيرانالْكَافِرِينَ لا يمكن أن يتحقق إلا على يد الخليفة المعصوم الذي استخلصه الله عزوجل لنفسه وارتضاه لنصرة دينه كما ورد في تتمّة الفقرة المتقدمة من الدعاء.
وبهذا نكون مستمعينا الأكارم قد وصلنا إلى ختام حلقة أخرى من برنامجكم (ينابيع الرحمة) الذي إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، نشكر لكم جميل المتابعة ونترككم في أمان الله.