بسم الله والحمد لله الرؤوف الرحيم والصلاة والسلام على كنوز رحمته للعالمين محمد وآله الطيبين.السلام عليكم أعزائنا المستمعين، معكم في لقاءٍ آخر مع أدعية أهل بيت الرحمة (عليهم السلام) ومنها الدعاء الجليل الذي أمرنا بالإهتمام بتلاوته بعصر غيبة بقية الله المهدي المنتظر عجل الله فرجه وخاصة بعد صلاة العصر من أيام الجمعة وهو المعروف بدعاء عصر الغيبة أو دعاء المعرفة، وقد انتهينا إلى فقرةٍ يطلب فيها الداعي لنفسه ولسائر المؤمنين تقوية الإيمان بإمام العصر وطاعته والثبات على متابعته (عليه السلام) والإنضمام لحزبه وأعوانه وأنصاره الراضين بفعله ثم يقول الداعي: (اللهم ولا تسلبنا ذلك في حياتنا ولا عند وفاتنا حتى تتوفانا ونحن على ذلك لا شاكين ولا ناكثين ولامرتابين ولا مكذبين ... برحمتك يا أرحم الراحمين).
يطلب الداعي في العبارة المتقدمة من الله عزوجل أن لا يسلبه قوة الإيمان بإمام العصر والثبات على ولايته والقوة في طاعته ونصرته ومعونته (أرواحنا فداه). ولا يخفى عليكم أن الله عزوجل لا يسلب أحداً من خلقه نعمة أنعم بها عليه إلا أن يفقد العبد القدرة على الإستفادة منها ويجحدها.
فالله جلَّت نعمته هو الكريم المطلق الغني عن عباده والذي لا ينقص خزائنه ما يَهَبُهُ لخلقه من منحٍ ومواهب وعطايا، كما أنه ليس بحاجة لهذه العطايا لكي يسلبها منهم. وعليه فإن السبب الذي يُؤّدي إلى فقدان العبد للنعمة ناشيءٌ من العبد نفسه وليس من الله عزوجل، فما هو هذا السبب الذي يجعل العبد يفقد نعمة الإيمان بإمام زمانه والتمسُّك بولايته وطاعته؟
في الإجابة عن هذا السؤال نقول: إن المستفاد من مجموع النصوص الشريفة هو أن عدم العمل بما تقتضيه وتستلزمه أيُّ نعمة - وخصوصاً المعنوية والإيمانية منها - هو العامل الأساس لفقدانها، وهذا الحكم يصدق على قضية الإيمان بإمام العصر وطاعته وولايته (عجل الله فرجه)، فعدم العمل بمقتضيات هذا الإيمان هو العامل الأساس لفقدان هذه النعمة.
من هنا يَتـَّضِحُ أن ما يطلبه المؤمن في العبارة المتقدمة هو في الواقع أن يعينه الله عزوجل على العمل بمستلزمات الإيمان بإمام العصر واجتناب كلِّ فعلٍ يتعارض مع الإيمان به (عليه السلام) لكي يبقى محافظاً عليه متنعماً بنعمة الولاء وبركاته طوال حياته.
أيها الإخوة والأخوات، كان هذا المطلب الأول الذي يطلبه المؤمن من الله عزوجل في عبارة هذا اللقاء من برنامج ينابيع الرحمة أما المطلب الثاني فهو أن لا يسلبه الله عزوجل هذا الإيمان بإمام زمانه (عليه السلام) عند الوفاة أيضاً، فما المقصود بذلك؟
لا يخفى عليكم أيها الأعزاء أن في هذا المطلب إشارة إلى خطر العديلة أو العُدول عن العقائد الحقة عند الإحتضار، فقد أخبرتنا الأحاديث الشريفة أن الشيطانَ الرجيمَ يُنـَفـِّذ آخر محاولاته لحرف المؤمن عن الدين الحق عند الإحتضار وفي هذه المحاولة الأخيرة يبثُّ الشيطان وساوسه بإتجاه قلب المؤمن مستغـِّلاً صُعُوبات حالة الإحتضار والإنتقال من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ، فيسعى إلى بعث سوء الظنِّ لدى الإنسان تجاه ربِّهِ الكريم ويُوسوس له بما مُؤَدَّاه أن هذا الإله الذي عبدته وأطعته وأطعت رسوله وخلفاءه بالحقِّ طوالَ عُمرك، هو ذا يحرمُكَ من الحياة ويُبعِدُكَ عن أهلِكَ وأحبائِكَ ودارِكَ لكي ينقلك إلى دارٍ موحشةٍ لم تعرفها ولا تأنس بها ومَصيرُكَ فيها مجهول.
وبأمثال هذه الوساوس يسعى الشيطان إلى سلب الإيمان بالله ورسوله وأوليائه (عليهم السلام) من قلب الإنسان، فيرحَلُ عن هذه الدنيا وهو ساخطٌ على ربِّهِ مُعترضٌ على أمره جاحدٌ بعظيم نعمه وآلائه عليه.
أعزائنا المستمعين، ورحمة بالعباد بينت لنا الأحاديث الشريفة عِدَّة من السُّبُلِ التي ينبغي للمؤمنين العمل بها لدفع أخطار الوساوس الشيطانية عند الإحتضار والرَّحيل عن هذه الدنيا بقلوبٍ مطمئنةٍ بالإيمان مفعمةٍ بالثقةِ وحسن الظنِّ بالله عزوجل، ومن أهم هذه السُّبُلِ الإستعانة بأولياء الله المعصومين (عليهم السلام) وهذا هو المشار إليه في نصوص زيارتهم المأثورة حيث يطلب المؤمن فيها منهم (عليهم السلام) أن يجعلوا إيمانه وخواتيم عمله ودائع وأمانات عندهم يحفظونها له عند حلول الأجل والوفاة. كما أن من هذه السُّبُلِ الطلب من الله عزوجل أن لا يسلبهم هذا الإيمان عند الوفاة، أي أن يعينهم عند الوفاة على أن يكون توجُّهُهُم إليه عزوجل وتعلقهم القلبي برحمته ولطفه، لكي لا يبقى لوساوس الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ تلك سبيلاً للنفوذ إلى نفوسهم؛ فينجوا بلطف الله وعونه منها ويرحلوا عن هذه الدنيا بإيمان راسخ يكون لهم نوراً يمشون فيه بطمأنينةٍ وسكينةٍ في عوالم البرزخ والقيامة؛ رزقنا الله وإياكم حسن العاقبة ببركة الصلاة على محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
وبهذا نكون أعزائنا مستمعي صوت الجمهورية الإسلامية في إيران قد وصلنا إلى نهاية حلقة اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) تقبل الله منكم حسن الإصغاء والمتابعة ودمتم في رعايته سالمين.