بسم الله وله الحمد والمجد أرحم الراحمين والصلاة والسلام على رحمته العظمى للعالمين المصطفى الأمين وآله الطاهرين.
السلام عليكم أعزاءنا المستمعين، أهلاً بكم في لقاء اليوم مع شرح دعاء المعرفة المهدوي المبارك الذي دعتنا الأحاديث الشريفة للمواظبة على تلاوته في عصر غيبة خاتم الأوصياء المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
وقد إستنرنا في الحلقتين السابقتين بشطرٍ من الفقرة التالية من الدعاء ونستكمل اليوم الحديث عنها وفيها يطلب المؤمن لنفسه والمؤمنين الإيمان الصادق والعملي بأمام العصر (أرواحنا فداه) قائلاً: (اللهمّ وقوّ قلوبنا على الإيمان به، حتى تسلك بنا على يديه منهاج الهدى، والمحجة العظمى والطريقة الوسطى، وقوّنا على طاعته، وثبتنا على متابعته، وإجعلنا في حزبه وأعوانه، وأنصاره والراضين بفعله، ولا تسلبنا ذلك في حياتنا، ولاعند وفاتنا، حتى تتوفانا ونحن على ذلك، لا شاكين ولا ناكثين، ولا مرتابين ولا مكذبين، برحمتك يا أرحم الراحمين).
مستمعينا الأكارم، نبدأ بالعبارة التي يطلب فيه المؤمن أن يجعله من حزب الإمام المهدي وأعوانه (عليه السلام) وأنصاره وكذلكالراضين بفعله، ونسأل أولاً ما معنى أن نكون من الحزب المهدوي وكيف يتحقق؟
لا يخفى عليكم أن التعبير بالحزب هنا مستلهم من التعبير القرآني الذي ينسب أهل الإيمان بأنهم حِزْبَ اللَّهِ وأنهم هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
من هنا يتضح أن المراد ليس المعنى السياسي المألوف للحزب بل المعنى اللغوي وعلى وفق المصطلح القرآني، والمراد في الدعاء هو جماعة المؤمنين المتعبدين لله عزوجل بالتمسك بولاية وليه وخاتم أوصياء نبيه (صلى الله عليه وآله) إمام العصر (عجل الله فرجه) وعليه تتضح الإجابة عن الشطر الثاني من السؤال المتقدم، وهي أن الإنضمام الى حزب الإمام المهدي (أرواحنا فداه) تتحقق بالتعبد الى الله عزوجل بالعمل بما يصل للمؤمن من وصايا وأوامر ونواهي إمام زمانه (عليه السلام) وبذلك تتحقق له النجاة من ميتة الجاهلية ويكون من المفلحين والفائزين برضا الله عزوجل رزقنا الله وإياكم ذلك.
أيها الأخوة والأخوات، نلاحظ أن الداعي يطلب من ربه عزوجل أن يكون من أعوان الإمام المهدي ومن أنصاره (عليه السلام) أيضاً، فما الفرق بين المعين والنصير؟
في الإجابة عن هذا السؤال نقول: أن المستفاد مما ذكرته كتب اللغة والبلاغة أن المطلوب من المؤمن في واجب الإعانة بالدرجة الأولى هو تقديم العون في تحقيق ما يريده إمام زمانه في زمان غيبته وظهوره (عجل الله فرجه)، سواءٌ إرتبط ذلك بالمؤمن نفسه من الإجتهاد في التحلي بما يرضاه الإمام له كالتحلي بالتقوى نظير ما ورد في قول سيد البلغاء أمير المؤمنين (عليه السلام) فبعد أن ذكر تقشفه الشديد بحكم كونه خليفة للمسلمين وعليه مواساة أضعفهم وأفقرهم، قال: (الا إنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوننا بورعٍ وإجتهادٍ وعفة وسداد).
أو إرتبط الأمر بالأخرين مثل إعانة إمام العصر (أرواحنا فداه) في تحقيق سائر أهدافه المقدسة كهداية الخلق الى الحق والصِّرَاطَ المُستَقِيمَ والتواصي بالحق والصبر و قضاء حوائج الناس و نظائر ذلك.
كان ما تقدم هو فيما يرتبط بأن نكون من أعوان إمام زماننا (أرواحنا فداه) أن المراد من أن نكون أنصاره، فالمطلوب فيه بالدرجة الأولى أن نؤازره في مواجهة أعدائه وتحقيق أهدافه الجهادية الإلهية سواءٌ في عصر غيبته أو بعد ظهوره (عجل الله فرجه)، وبالطبع بما يتناسب مع اوضاع وخصوصيات كلا العصرين.
اعزاءنا المستمعين، أما بالنسبة لطلب المؤمن لنفسه وللمؤمنين بأن نكون من الراضين بفعل إمام زماننا المعصوم (عليه السلام)، ففيه إشارة الى طلب التحلي بالمرتبة السامية من درجات الأئتمام بالإمام المعصوم، أي التسليم لأمره والرضا بفعله.
وهذا الأمر هو المظهر العملي للإعتقاد العقلي بكون الإمام المعصوم لا يفعل شيئاً إلا بأمر الله وبأذنه وبرضاه - عزوجل-، وعليه يكون الرضا بفعله (عليه السلام) علامة صدق الإيمان بكونه خليفة لله عزوجل، وإلا فالايمان لم يكتمل بعد في قلب المؤمن، كما يشير لذلك قوله عزوجل في الآية (٦٥) من سورة النساء: «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا».
وقوله عزوجل في الآية ۸۳ من السورة نفسها: «... وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً».
وكما تلاحظون، اعزاء المستمعين، ففي الآية الثانية إشارة الى شمولية حكم التسليم المذكور في الآية الأولى لأوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنهم سليله المهدي (أرواحنا فداه).
وبهذا ينتهي أعزاءنا مستمعي صوت الجمهورية الاسلامية في ايران لقاءٌ آخر من برنامج (ينابيع الرحمة) شكراً لكم ودمتم في رعاية الله.