بسم الله والحمد لله غياث المستغيثين وأتمُّ صلواته على كهفه الحصين المصطفى الأمين وآله الطاهرين. السلام عليكم إخوتنا المستمعين، معكم في وقفةٍ تأمليةٍ عند الفقرة التي انتهينا إليها من دعاء المعرفة المبارك وهو من أهم الأدعية التي أمرنا بها مولانا إمام العصر (أرواحنا فداه) بالإلتزام بتلاوتها في عصر الغيبة لا سيما في عصر الجمعات للنجاة من الفتن العقائدية والسلوكية والثبات على دِينَ الْحَقِّ والفقرة التي وصلنا إليها مستمعينا الأكارم هي التي يدعو فيها المؤمن ربه الجليل بحفظ بقيته ووليه إمام الزمان (عجل الله فرجه) قائلاً: (اللهم أعذه من شر جميع ما خلقت وبرأت وذرأت وأنشأت وصوَّرت واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك ووصيَّ رسولك (عليه السلام)، ...).
كانت لنا في الحلقة السابقة من هذا البرنامج وقفة إجمالية عند هذه الفقرة من دعاء المعرفة المهدوي، ونستكملها هنا مستمعينا الأكارم بسؤال عن علة استخدام النص الشريف لخمسة أوصاف للذين يطلب الداعي أن يعصم الله بقيته المهدي من شرِّهم؟
للإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نعرف الفروق بين هذه الأوصاف الخمسة وهي: ما خلق الله وما برأ وما ذرأ وما أنشأ وماصور.
المستفاد من أقوال علماء اللغة والتفسير هو أنّ استخدام فعل خلق يأتي في القرآن الكريم في ما يرتبط بإيجاد ما يشمل الحيوان وغيره مما يصطلح عليه بالنباتات والجمادات والأفلاك وغيرها. أما استخدام فعل (برأ) فهو يشمل الحيوان وبضمنه الجنس البشري، فيما يشمل فعل (ذرأ) ما يشمل الخلق في عالم الشَّهَادَةِ وعَالِمِ الْغَيْبِ، ويختصُّ فعل (أنشأ) بالخلق الإبتدائيِّ وفعل(صوَّر) يعني المخلوقات التي لها صُوَرٌ مشهودة. وعلى ضوء هذه التوضيحات يتبين لنا أنّ الأخطار التي يمكن أن تهدد حجّة الله وخليفته المهدي لا تنحصر بالأعداء الظاهرين من البشر بل تشمل الجنَّ والإنس والأصدقاء والأعداء ومخلوقاتٍ من عالمِ الْغَيْبِومخلوقاتٍ لها صُوَرٌ وأخرى ليس لها صُوَرٌ وهذا الأمر يستند إلى شمولية خلافة حجة الله المعصوم في كل زمان لجميع مخلوقات الله عزوجل كما هو ثابتٌ في كثير من الأحاديث الشريفة. ولذلك يطلب المؤمن الحريص على سلامة إمام زمانه أن يعصمه الله عزوجل من شرور جميع هذه المخلوقات سواءٌ كانت شُرُوراً مقصودة أو غير مقصودةٍ مادية أو معنوية وما نعلمه وما لا نعلمه من تلك الشرور.
ثم يطلب الداعي من الله عزوجل أن يحفظ المهدي الموعود (أرواحنا فداه) من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، فما هي الحكمة من استخدام هذا التعبير المُفصَّلِ؟ ثم ما هو الفرق بين الحفظ وبين الإعاذة؟
في الإجابة عن السؤال الأول: نقول إنّ من الواضح هو أنّ المطلوب حفظ الإمام المهدي (عجل الله فرجه) من جميع الجهات، وتفصيل هذه الجهات تفصيلياً يشتملُ - فيما يشتملُ - على أثرٍ تربويٍ مهمٍ وهو إثارة نوازع المودَّةِ والمحبةِ له (عليه السلام) باتجاه تقوية الإرتباط به والحرص على حفظه (أرواحنا فداه)!
أما بالنسبة للسؤال الثاني: فنقول إنّ الإعاذة تعني دفع الأذى والشرِّ على المعاذ، أما الحفظ فهو يشتمل إضافة لذلك على أمرين إضافيين هما استمرار الإعاذة أي استمرار دفع الأذى والشر عنه (أرواحنا فداه).
هذا أولاً وثانياً فإنّ الحفظ يشتمل أيضا على التوجُّه الخاصِّ برعايةٍ إضافيةٍ للمحفوظ وتوفير ما يحتاجه أي فيما يرتبط بإمام العصر توفير الإعانة الإلهية له (عجل الله فرجه) للقيام بمهامِّهِ الإلهيةِ ومسؤولياتهِ الجسيمةِ في هداية الخلق ودفع الأذى والتمهيد للظهور وغير ذلك. وهذا المعنى تشير إليه العبارة اللاحقة حيث يقول الداعي: (بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به)إذ أنّ الضياع يشملُ الإصابة بالأذى والشرور كما يشمل فقدان القدرة على إنجاز ما هو مكلـِّفٌ به.
مستمعينا الأكارم، وتبقى أمامنا من فقرة هذا اللقاء العبارة الأخيرة التي يقول فيها الداعي: (واحفظ فيه رسولك ووصيَّ رسولك عليه السلام).
وهنا يطلب المؤمن من الله عزوجل أن يحفظ في إمام العصر الحجّة المهدي (عجل الله فرجه) رسوله المصطفى ووصيه المرتضى - عليهما وآلهما أفضل التحية والسلام - ومعنى حفظهما في سليلهما المهدي هو إعانته على حفظ منهجهما المعبِّر عن دينه الحق الذي ارتضاه عزوجل لعباده. ولا يخفى عليكم مستمعينا الأفاضل أن في هذا الطلب تنبيهاً للمؤمن إلى ضرورة أن يرى استمرار النهج المحمدي العلوي، وحفظه يَكمُنُ في حفظ إمام العصر، هذا أولاً وثانياً ينبه المؤمن إلى تقوية ارتباطه بهذا النهج الأصيل والدفاع عنه والعمل به مُؤازرة لإمام زمانه (عجل الله فرجه).
مستمعينا الأفاضل تقبلوا منا جزيل الشكر على جميل إصغائكم لهذه الحلقة من برنامج (ينابيع الرحمة) التي استمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران. دمتم بكل خير وفي أمان الله.