البث المباشر

شرح فقرة: "اللهم ثبتني على دينك،..."

الإثنين 29 يوليو 2019 - 15:12 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " اللهم ثبتني على دينك " من أدعية الإمام المهدي عليه السلام.

 

السلام عليكم أيها الأعزاء، طابت أوقاتكم بكل خير، معكم في لقاءٍ آخر من هذا البرنامج ووقفةٍ تأمليةٍ مع فقرةٍ أخرى من الدعاء الجليل الذي أمر مولانا إمام الزمان الحجة المهدي المؤمنين بتلاوته والمواظبة عليه في عصر غيبته (عجل الله فرجه) وخاصة في عصر يوم الجمعة والمعروف بدعاء المعرفة، وقد انتهينا إلى الفقرة التي يناجي فيها المؤمن ربَّه الأعلى تبارك وتعالى قائلاً: (اللهم ثبِّتني على دينك واستعملني بطاعتك وليِّن قلبي لوليِّ أمرك وعافني ممّا امتحـنت به خلقك؛ وثبِّتني على طاعة وليِّ أمرك الذي سترته عن خلقك، فبإذنك غاب عن بريَّتك وأمرك ينتظر وأنت العالم غير معلم بالوقت الذي فيه صلاح أمر وليِّك في الإذن له بإظهار أمره وكشف سرِّه، ...).
تأتي هذه الفقرة من الدعاء كجوابٍ على الفقرة السابقة لها حيث يقول الداعي: (اللهم فكما هديتني لولاية من فرضت طاعته عليَّ من وُلاةِ أمرِكَ بعد رسولك، ...)، أي أن الداعي يطلب الثبات على دين الله إتماماً لنعمة الهداية إلى أولي أمره (سلام الله عليهم).
وعليه يتـَّضِحُ أنّ هذا الطلب هو تفصيلٌ للطلب الإجمالي الوارد في بداية الفقرة أي قول الداعي: (ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني). فيكون المعنى: (إلهي ثبِّتني على دينك لكي لا يزيغ قلبي عن الإيمان بعد إذ هديتني لموالاة من فرضت علي طاعته من ولاة أمرك بعد رسولك المصطفى (صلى الله عليه وآله)).
إذن فما يطلبه الداعي هو الثبات على دين الله الذي ارتضاه لعباده، ولكن كيف يتحقق هذا الثبات على الدين الإلهي الحق؟ 
هذا السؤال هو الذي تجيب عنه الفقرة الدعائية التي نستنير بها في هذا اللقاء حيث تـُحدِّدُ أربعة أركانٍ أساسيةٍ لتحقـُّق الثبات على الدين الإلهي الحق، تفصيل هذه الأركان يأتيكم بعد قليل فكونوا معنا مشكورين. 
الركن الأول: للثبات على الدين الحق هو الذي يطلبه المؤمن من الله عزوجل بقوله: (واستعملني بطاعتك): فما معنى أن يستعمل الله المؤمن بطاعته عزوجل؟ 
المعنى الأول هو التوفيق للطاعة الذي ورد للتأكيد عليه وعلى طلبه من الله جل جلاله في كثيرٍ من أدعية أهل البيت (عليهم السلام)، ويتحققُ التوفيقُ للطاعة بأن يوجد الله في قلب المؤمن الرغبة في فعل الخيرات وصالحات الأعمال ويصرف عنه ما يشغله عنها؛ وكذلك أن يهديه الله إلى ما فيه رضاه عزوجل أي أن يُعرِّفه بالمصاديق العملية للطاعات في شؤونه الحياتية وما حوله.
وثمة معنىً آخر لأن يستعمل الله عزوجل عبده بطاعته عزوجل؛ وهو معنى أشملُ وأعمقُ وأكملُ من المعنى الأول، وهو المعنى الذي يُمثـِّلُ الوجه العملي لحقيقة تفويض العبد أمره لله عزوجل وتوكيل أمره إليه، فيكون مظهر ذلك أن تصير جميع حركات العبد وسكناته في خدمة الله عزوجل وابتغاء مرضاته جل جلاله وهذه هي أسمي صفات أولياء الله وجنده المخلصين تبارك وتعالى.
أيها الاخوة والاخوات، أما الركن الثاني: للثبات والإستقامة على دين الله فهو الذي يطلبه الداعي منه تبارك وتعالى بقوله: (وليِّن قلبي لوليِّ أمرك)، فما المراد من هذا الطلب؟ 
ولا يخفى عليك مستمعي الكريم أنّ لين الجانب إستعارة يستفاد منها معنى المطاوعة ولين القلب يعني أن تكون هذه المطاوعة بدافع المحبة والمودة وبالتالي تكون حقيقية وليست ظاهرية وحسب، وعليه يكون المعنى هو أنّ الداعي يطلب من ربه الجليل تبارك وتعالى في هذه الفقرة أن يقوِّي محبة وليِّ أمره في قلب الداعي إلى درجةٍ يصيرُ القلب فيها طيِّعاً له مُستجيباً لأوامره لا يعصي له أمراً ولا يبغي عنه حِوَلاً.
وهذه الحالة هي القاعدة الرصينة التي يستند إليها محورياً الثبات على الدين الحق فإذا وُجِدَتِ المَوّدة لِوُلاةِ الأمر الإلهي في قلب المؤمن اندفع طواعية لاتـِّباعهم والتمسك بصراطهم المستقيم ونهجهم القويم.
وهذا هو سِرُّ ما ورد في القرآن الكريم من التصريح بأنّ الله عزوجل أمر نبيه الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن لا يطلب من أمته أجراً على تبليغ الرسالة سوى المودّة في قرباه الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين). 
أعزائنا إخوة الإيمان، الركن الثالث: من أركان الثبات على الدين الإلهي، هو الذي يطلب الداعي بقوله: (وعافني ممّا امتحنت به خلقك)؛ فما المقصود بهذا الطلب؟ وما هي الأمور التي امتحن الله بها خلقه؟ 
الإجابة عن هذا السؤال نجدها في كثيرٍ من الآيات القرآنية التي تتحدث عن نزول أنواع الإبتلاءات الخير منها والشر الفكرية منها كالشبهات العقائدية ونظائرها أو العملية والمادية كالمحن والضراء ونظائرها، فبها يختبر الله عزوجل عباده ليتميز الصادقين في إيمانهم عن الذين يعبدون الله على حرف أي الذين يتـَّخذون العبادة وسيلة للحصول على مطامعهم المادية وتحقيق أهوائهم الدنيوية، فينقلبون على أعقابهم إذا أصابهم البلاء.
وعلى ضوء ذلك يتـَّضِحُ أنّ معنى المعافاة ممّا امتحن الله به خلقه هو التطهُّرُ ممّا يُسقِطُ الإنسان في مهاوي الضلالة والرِدّةِ عند البلاء، أي التحرر من حاكمية الأهواء والشهوات على سلوكياته وعقائده.
ويبقى أعزائنا المستمعين الركن الرابع: للثبات على الدين الإلهي الحق وهو الذي يطلبه الداعي في العبارة الأخيرة من فقرة دعاء المعرفة أو دعاء عصر الغيبة حيث يقول: (وثبِّتني على طاعة ولي أمرك الذي سترته عن خلقك)، فالثبات على طاعة ولي أمر الله إمام العصر وفي ظلِّ صعوبات عصر غيبته (عجل الله فرجه) يُعبِّرُ عن صدق التمسك بالسير على الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ والأخذ بالعروة الإلهية الوثقى واستمرار ارتباط المؤمن بالله عزوجل.
وسيأتي المزيد من التوضيح لهذا المطلب المحوري بإذن الله في الحلقة المقبلة من برنامج (ينابيع الرحمة)، تقبل الله منكم أعزائنا مستمعي إذاعة طهران حسن الإصغاء والمتابعة ودمتم في رعاية الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة