نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها ادعية الامام المهدي (عليه السلام)، حيث حدثناك عن أحد ادعيته وهو دعاء يتضمن مواضيع دنيوية واخروية حيث ورد في احد مقاطعه المتسلسلة التوسل بالله تعالى بان يتفضل على: (الغزاة بالنصر والغلبة، وعلى الاسراء بالخلاص والراحة، ...الخ) . ان هذه الفقرة من الدعاء تقتادنا الى تكرار حقيقة في غاية الاهمية الا وهي: ان الادعية ليست منحصرة في المناجاة الفردية بين العبد والله تعالى، كما ليست منحصرة في الامور المرتبطة بالتعامل الوجداني الصرف، بل ان الادعية - كسائر نصوص الشرع- تتناول مختلف شؤون الحياة في ميدان السياسة والاقتصاد والادارة الخ... فما هو طابع الفقرة التي لاحظناها؟
فالفقرة التي لاحظناها الآن من دعاء الامام المهدي (عليه السلام) تتناول جانباً سياسياً وعسكرياً: كما هو واضح، حيث تتحدث عن الغزاة اي المعارك التي يخوضها المسلمون ضد اعدائهم، والاسرى الذين يقعون في أيدي اعدائهم حيث يتوسل بالله تعالى بالنسبة الى الاسرى المسلمين بالخلاص والراحة.
والسؤال المهم هو: مادام - كما لاحظنا وطابع هذا الدعاء متمثلاً في التوسل الزوجي اي: طرح طابعين في كل فقرة، حيث تضمن الحديث عن المجاهدين بالنصر والغلبة، وعن الاسرى: بالخلاص والراحة، لذلك نتساءل ما هي النكات الكامنة وراء كل من الطابعين المذكورين.
بالنسبة الى توسل الامام المهدي (عليه السلام) بالله تعالى بان يتفضل على الغزاة بالنصر والغلبة. يمكننا الذهاب الى ان طابعيالنصر والغلبة يعنيان الطموح الذي ينتظره المجاهدون وهو: غلبة الاسلام على الكفر.
هنا لابد من ملاحظة موضوعين احدهما هو (النصر) حيث توسل الدعاء بالله تعالى بان يتفضل على المجاهدين بالنصر. فالنصرمن الممكن ان يكون عقائدياً (كالنصر الذي احرزه الامام الحسين (عليه السلام) في معركته) وحينا يكون الطموح متمثلاً في النصر وفي الغلبة اي: النصر العسكري ايضاً مثل معركة بدر على سبيل المثال، ومن البين ان لكل من هذين الطموحين مسوغه، فالنصرالعقائدي هو: امتحان للمجاهدين لملاحظة مدى التزامهم أو عدمه بممارسة الجهاد: فهل ينصاع الجند جميعاً الى التطوع، او يتخلف البعض، أو يهدف الى الغنيمة بعض ثالث، وهكذا ورد في النص القرآني الكريم، ان الله قادر على نصر المسلمين ولكن ليبلوهم في هذه التجربة، سواء كانت النتيجة هي الغلبة العسكرية أو النصر العقائدي وهذا بالنسبة الى الغزاة وماذا بالنسبة الى الاسرى؟
لاحظنا ان فقرة الدعاء تتوسل بالله تعالى بأن يتفضل على الاسرى بالخلاص والراحة.
والسؤال: لماذا ذكر الدعاء هذين الموضوعين دون احدهما (كما لو اقتصر على الخلاص من الاسر، ولكنه (عليه السلام) أضاف اليهالراحة ايضاً؟
الجواب: انه من الممكن ان يتخلص المأسور من العدو، ولكن تظل الأثار النفسية والبدنية وسواهما مقترنة مع حياة الاسير مما تسلبه الراحة المطلوبة. فاذا عرفنا ان الادعية (كما كررنا) تطمح الى تحقيق اعلى الاشباعات حينئذ نتوسل بالله تعالى بان يحقق لقارئ الدعاء اعلى الطموحات من حيث الاشباع: كما قلنا.
اذن امكننا ان نتبين النكات الكامنة وراء الفقرة من الدعاء المذكور سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى مجاهدة اعدائه، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******