نتابع احاديثنا عن الامام المهدي (عليه السلام) ومنها الدعاء المتضمن لامور الدنيا والاخرة حيث حدثناك عن فقرات متسلسلة منه وانتهينا الى فقرة جديدة تبدأ على النحو الاتي حيث تتوسل بالله تعالى ان يتفضل: (على المستمعين بالاتباع والموعظة) . ان هذه الفقرة التي تتحدث عن المستمعين جاءت في سياق التوسل بالله تعالى ان يتفضل على (علمائنا بالزهد والنصيحة، وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة) ، اي: ان الدعاء يتوسل في احد مقاطعه بالله تعالى - بالنسبة الى العلم- بان يرعاه العالم والمتعلم والسامع، حيث نعرف ان الاستاذ يمارس العلم، والطالب يتعلم، وهناك طرف ثالث هو المستمع لهما. هذا المستمع رسم له الامام المهدي (عليه السلام) وظيفة هي ان (يتبع) ما سمعه من العلم بمبادئ الشريعة، وان (يتعظ) بما فيها من التعليمات. اذن نحن الآن امام فضاء علمي يتناول العالم والمتعلم والمستمع اليهما. ثم يتابع النص مختلف توسلاته بالله تعالى بان يتفضل الله تعالى على طبقات اخرى من المجتمعات ومنهم: الشيوخ والنساء والاغنياء والمرضى والموتى، ... الخ. يقول النص: (وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة، وعلى موتاهم بالرأفة والمرحمة، وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة، ... الخ) . هذا المقطع يتضمن التوسل بالله تعالى بان يتفضل (على مرضى المسلمين بالشفاء والراحة) هنا، نعتزم ان نعقب على هذا التوسل، طبيعياً: التوسلات جميعا -كما المحنا سابقاً- تتضمن مفردتين من السلوك، مثل (توفيق الطاعة وبعد المعصية) ومثل (الصواب والحكمة) ، (الفجور والخيانة) ، ... الخ. هنا في فقرة الدعاء القائلة: (وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة) ، نجد نكتة لها اهميتها وطرافتها الا وهي ان شفاء الشخصية من المرض فحسب ليس كافياً، بل لا مناص للشخصية من توفر الراحة لها وعدم معاودة المرض ثانية، وعدم تعرض الشخصية لشدائد اخرى، وهذا يعني ان الشريعة الاسلامية - من خلال الدعاء- تحرص على توفير ما يتطلع اليه قارئ الدعاء من الاشباعات لمختلف حاجاته، ومنها: الشفاء من المرض، ثم تحقق الراحة بنحو مطلق. بعد ذلك تواجهنا فقرة جديدة: (وعلى موتاهم بالرأفة والرحمة) ، هنا نتساءل: ما هو الفارق بين الرأفة والرحمة ؟ ثم لماذا خص الموتى بهاتين المفردتين دون سواهما؟ هذا ما نحاول الاجابة عنه الآن. اما بالنسبة الى الفارق بين الرأفة والرحمة ، ففي تصورنا ان الرحمة، هي المصطلح الاوسع دلالة ولعل صفة «الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» التي تعني خاصة المسلمين وعامتهم حينما نجدها تحتل الصدارة بالنسبة الى سائر صفات الله تعالى مثل الرؤوف، الشفيق، الغفور، اللطيف، ... الخ. ان هذه الصفات جميعاً تنتسب الى صفة اوسع منها وهي الرحمة. والان اذا عرفنا ان الرحمة هي الاوسع دلالة، عندئذ نتجه الى معرفة مصطلح (الرأفة) التي هي احدى مفردات الرحمة ثم علاقتها بالموت. فماذا نستخلص منها؟ بالنسبة الى صفة (الرأفة) فانها تعني الرحمة الشديدة او العطف الشديد، لذلك عندما تطلق هذه الصفة، ويتوسل بها لمراعاة موتى المسلمين، فلأن الموتى يحتاجون الى اشدّ الرحمة في برزخهم، واما كون الرحمة وهي الاوسع دلالة جاءت في سياق التوسل بالله تعالى في تحقق الرأفة ، انما تعني سائر ما يحتاجه الميت من انماط الرحمة وليس شدائد البرزخ الخاصة، بل كل ما يتصل بهذا العالم من الشدائد الصغيرة والكبيرة. اذن امكننا ان نتبين جانباً من الاسرار الكامنة من الفقرات المتقدمة ونكاتها المختلفة سائلين الله تعالى ان يشمل الجميع برحمته وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******