نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها أدعية الامام المهدي (عليه السلام) حيث حدثناك عن أحدها في لقاءات سابقة، متمثلاً في المقطع الاول، وانتهينا من ذلك الى خاتمة المقطع حيث ختم بهاتين الفقرتين: (وأغضض ابصارنا عن الفجور والخيانة، واسدد اسماعنا عن اللغو والغيبة) . ان هاتين الفقرتين تنطويان على حقائق في غاية الاهمية من حيث السلوك المترتب عليهما، انهما يتصلان بأهم الرغبات أو الميول الانحرافية من حيث اشاعتها في مجتمعاتنا. انهما يتصلان بالرغبة الجنسية والعدوانية على نحو ما نبدأ بتوضيح ذلك، ونتناول اولاً عبارة: (اغضض ابصارنا عن الفجور والخيانة) . فماذا نستلهم منهما؟ مع ان مفهومي (الفجور) و(الخيانة) ينطويان على مصاديق كثيرة، ولكننا نستخلص منهما دلالة خاصة، فمثلاً قوله تعالى: «فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا» ، نستخلص من كلمة الفجور مطلق السلوك السلبي أو الشرير المنحرف، ولكن السياق الذي ترد هذه العبارة فيه هو الجنس، وكذلك مصطلح (الخيانة) حيث ينسحب على مطلق السلوك الذي يتضمن الخيانة ، سواء أكانت في ميدان التعامل الاقتصادي او السياسي أو الاخلاقي، ولكننا نستخلص معنى خاصاً في مقطع الدعاء هو: خيانة الغمز ونحو ذلك بالعين. والسؤال: كيف ندلل على ما استخلصناه؟ بالنسبة الى عبارة (الفجور) قلنا انها تعني في هذا السياق: النظرة الجنسية، حيث جاء عبارة: (أغضض ابصارنا)قرينة على ذلك والعبارة القرآنية الكريمة المعروفة القائلة: «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ» خير قرينة على المعنى الذي استخلصناه والامر كذلك بالنسبة الى الخيانة ، ف الخيانة مع انها تنسحب - كما قلنا- على مطلق الانحراف الا ان ارتباطها بالبصر في عبارة الامام المهدي (عليه السلام) واغضض ابصارنا عن الخيانة تعني: خيانة العين ولكن ليس في نطاق النظرة الجنسية لان كلمة (الفجور) هي المعبرة عن النظرة الجنسية ولذلك لابد من اسخلاص اخر هذه العبارة ألا وهي (خيانة) العين من خلال الغمز اي: حركة العين سراً بالنسبة الى شخص اخر نريد لفت النظر الى السخرية منه أو خيانته من خلال عدم علمه بنا، وهذا ما حدث في احد مصاديق السلوك امام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث كان (صلى الله عليه وآله وسلم) في مجلس يضم جماعة، فغمز احدهم امام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدون ان يعلم الطرف الاخر بذلك. وهنا وبخ النبي هذا الشخص أو استنكر هذا السلوك وعده (خيانة) لان الطرف الاخر لا علم له بذلك، اي: خيانة للشخص المذكور، دون علمه بأن المقابل هو: يستبطن سلوكاً خلاف الظاهر. اذن المقصود من (خيانة) البصر هو الغمز، والمقصود من فجور البصر هو النظرة الجنسية المحرمة. اخيراً نتجه الى الفقرة الاخيرة من المقطع وهي: (اسدد أسماعنا عن اللغو والغيبة) . فماذا نستلهم؟ لا أحسب ان احدنا يجهل هاتين الظاهرتين: اللغو والغيبة اما الغيبة فلا تحتاج الى توضيح، انها تعبير عن النزعة العدوانية عند صاحبها، كما ان الاستماع اليها يحمل الدلالة ذاتها، بصفة ان المستمع يتلذذ ايضا بهذه الممارسة العدوانية ولكن حتى مع فرضية عدم تلذذه بها فان مجرد السكوت عنها يعد تشجيعا لها، ولذلك ورد النهي عن الاستماع الى الغيبة وورد الامر بالرد على صاحب الغيبة انتصاراً للشخص الغائب، وتأديباً لمن يمارس الغيبة. واما بالنسبة الى عبارة (اللغو) والتوسل بالله تعالى بان يسد اسماعنا عنه، فتنسحب على جملة دلالات اي: كل كلام لا فائدة فيه، او كل كلام يتضمن سمة انحرافية. وقد ورد في تفسير قوله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ» . ان اللغو ينسحب على جملة دلالات منها: الباطل، الكلام الذي لا فائدة فيه، الشتم، الغناء والملاهي. ومن الواضح ان هذه المظاهر من السلوك تنتسب الى الانحراف وحتى الكلام الذي لا فائدة فيه تشير النصوص الشرعية الى ان الشخصية تندم على صدور امثلة الكلام الذي لا فائدة فيه من حيث انعكاساته على مصير الشخصية في اليوم الاخر حيث يتحسر على تلف وقته في سلوك حجزه عن حصول الاثابة فيه. اذن اتضح لنا معنى او دلالة ما ورد في المقطع من فقرتين تتوسل احداهما بالله تعالى بان يجعلنا نغض ابصارنا عن الفجور والخيانة ، ونسد اسماعنا عن اللغو والغيبة سائلين الله تعالى ان يجعلنا كذلك وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******