نتابع حديثنا عن أدعية الإمام المهدي (عليه السلام)، ومنها الدعاء الذي بدأ علي هذا النحو:
(اللهم ارزقنا توفيق الطاعة، وبعد المعصية، وصدق النية، وعرفان الحرمة، … الخ)، وقد حدثناك في لقاء سابق عن العبارتين الأوليين (توفيق الطاعة) و (بعد المعصية) واوضحنا النكات الدلالية فيها، اما الآن فنحدثك عن العبارتين الأخرويين وهما (صدق النية) و(عرفان الحرمة)، فماذا نستلهم منها؟ اما عبارة (صدق النية) فهي من الأهمية بمكان أيضاً، كيف ذلك؟، لقد تواتر حديث (الأعمال بالنيات) مما يعني: أن (النية) هي جوهر السلوك العبادي، واذا كنا قد لاحظنا بأن استهلال الدعاء بتوفيق الطاعة وبعد المعصية أنما تعنيان ان نمارس ما أمرنا الله تعالي به وان نبتعد عمّا نهانا عنه، فان الأمر والنهي انما يكتسبان فاعليتهما من خلال (النية) الصادقة دون ان نشرك احدا غير الله تعالي في الممارسة المذكورة، والاّ اذا انتفي هذا الاخلاص او الصدق، حينئذ تفسد الممارسة، كما هو واضح، وهذا ما نستخلصه بوضوح من عبارة (ارزقني: صدق النية) في مقطع الدعاء، واما عبارة (عرفان الحرمة) فتحتاج الي القاء الاضاءة حيالها، وهذا نبدأ بتوضيحه الآن.
لعلك تتساءل ما المقصود بـ (الحرمة) ، وهل هي (الحرمة) مقابل الحلية مثلاً؟ كلا، بطبيعة الحال، فما هي اذن؟ الحرمة هي: ما وجب القيام به من حقوق الله تعالي، أي معرفة هذه الحقوق المتمثلة من مبادئ الله تعالى، طبيعياً قد نقول: انّ توفيق الطاعة، وبعد المعصية، وصدق النية هي: (عرفان الحرمة) ، وهذا يصحّ ولكن مع ملاحظة اخرى هي ما يواكب ممارسة الطاعةوبعد المعصية وصدق النية بان معرفة بعظمة الله تعالي، بمبادئه العقائدية والاخلاقية والأحكامية الخ، وما يواكب ذلك من المراعاة التي تتناسب مع المبادئ المذكورة، ولعلّ ممارسة الصلاة التي هي (توفيق الطاعة) و (صدق النية) فيها، تظل غير مكتملة (من حيث الافضلية) الاّ من خلال (عرفان الحرمة) اي مراعاة ما يبنغي ان يواكبها من خشوع المصليّ، ومعرفة ان قبلت قبل ما سواها، خير مصداق لعبارة (عرفان الحرمة) ، وهكذا بالنسبة الي سائر المبادئ.
بعد ذلك نتجه الي جزء آخر من الدعاء، اي مايلي العبارات المتقدمة التي تتآثر فيما بينها او تتجانس فيما تقترن ممارساتها بالمبادئ المطلوبة وفق ما اوضحناه، حيث يتجه الدعاء الي مفردات اخري ترتبط بأهمية خاصة، ذكرها مقطع الدعاء، متمثلة في عبارات من نحو:
(واكرمنا بالهدي والاستقامة، وسّدد السنتنا بالصواب والحكمة، واملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة، وطهّر بطوننا من الحرام والشبهة، واكفف أيدينا عن الظلم والسرقة، واغضض ابصارنا عن الفجور والخيانة، واسدد اسماعنا عن اللغو والغيبة)، ان هذه المفردات التي سردها الدعاء تظل كما هو واضح، تعبيراً عن (توفيق الطاعة، وبعد المعصية، وصدق النية، وعرفان الحرمة)، ولكن مقطع الدعاء قدّم لنا سرداً بمفردات خاصة هي جملة من المصاديق للطاعة، الخ، حيث نعرف جميعاً بان الأدعية والاحاديث، والقرآن الكريم قبل ذلك، تطرح مبادئ السلوك العبادي موزعة في نصوص متنوعة، وهنا في الدعاء الذي نتحدث عنه، جملة من المفردات المتنوعة، نحدثك عنها في لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالي.
ختاماً نسأله تعالي ان يوفقنا الي ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الي النحو المطلوب.