بسم الله الرحمن الرحيم احبتنا المستمعين أينما كنتم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأهلاً بكم يسرنا أن نجدد اللقاء بكم في هذه الدورة الجديدة من برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا حيث سنواصل حكاياتنا بين جنبات الشعوب والحضارات وقصصها واساطيرها وحاولين إستخراج الخفايا الكامنة وراءها.
والأمل اعزاءنا الكرام أن نكون قد أمتعناكم وأفدناكم بما قدمناه لحضراتكم وأن تتواصل هذه المتعة والفائدة بما سنستعرضه لكم من حكايا وخفايا في حلقات دورتنا الجديدة.
مستمعينا الكارم نبدأ الحلقات الأولى من البرنامج بإستعراض بعض الأساطير التي تفتقت عنها الحضارات السامية في بين النهرين والشام حيث نبدأها بصورة من فينيقية وإنتشرت فيما بعد في بلاد اخرى كاليونان وايران ومصر القديمة ألا وهي أسطورة أدونيس والتي يعبر عنها احياناً بصورة الموت والحياة حيث حاول انسان تلك الحضارات من خلالها تفسير ظاهرة الموت والحياة مع ظواهر اخرى تأتي في ثنايا القصة من مثل مشاعر الكراهية والحب والغيرة والحقد والأنانية والإستبداد وروح الإستئثار المترسخة في الذات البشرية منذ بدأ الخليقة فلنستمع اخوتنا الأعزة بعد الفاصل الى تفاصيل هذه الأسطورة المثيرة الحافلة بالأحداث والدلالات.
أعزائي الكرام تعود أسطورة الإله الذي يلقى مصرعه وهو في ريعان الشباب ثم يعود الى الحياة بجذورها الى البابليين في أسطورة تموز وعشتار ومنهم إنتقلت الى كثير من المجتمعات الزراعية في الشرق القديم والى الحضارات الأخرى فأدونيس الإله الإغريقي هو نفسه الإله الفينيقي أدوني الذي إنتقلت عبادته من الفينيقيين الى الإغريق ثم الى الرومان كما توجد هذه الأسطورة عند الايرانيين والهنود بأشكال اخرى وبمسميات مختلفة وسنستعرض اخوتنا المستمعين هذه الأسطورة كما ذكرها المؤرخون والشعراء الإغريق والرومان ونحن نلاحظ أن ماهي إلا تكرار لقصة تموز البابلي واوسير المصري وبعل الأوغاريتي نسبة الى مملكة أوغاريت وقد ألهمت هذه الأسطورة الشعراء والأدباء والمبدعين في مختلف الفنون والكثير من الأعمال الرائعة منذ آلاف السنين وحتى هذا اليوم. وفي الحقيقة أن أول من تناول هذه الأسطورة في المصادر المكتوبة هو الشاعر الأغريقي باونياسس الذي سنستمع لسرده لهذه الأسطورة ولكن بعد الفاصل، تابعونا مشكورين.
مستمعينا الأفاضل أدونيس هو إبن اميرة فينيقية اسمها ميرا وكانت فتاة ساحرة الجمال، شعرها كأنه شلال من الذهب حتى دفعها الغرور الى مفاخرة أفروديت ربة الحب والخصب بجمال شعرها الذي كان يفوق شعر أفروديت جمالاً لكن الأخيرة إستشاطت غضباً وقررت الإنتقام بقسوة وإستعانة بإبنها كيوبيد الذي يرشق البشر بسهامه فتوقد في قلوبهم جذوة حب لاسبيل للخلاص منه ثم ان كيوبيد سدد الى قلب ميرا سهم حب محرم أشعل فيها شهوة مجنونة أثمرت حملاً آثماً جاء من سفاح وما لبثت ميرا أن إستفاقت من سكرة الحب اصيبها الذعر والهلع خوفاً من الفضيحة فهربت وإلتجأت الى الآله متوسلة الى أن تنقذها من تلك الفضيحة وإستجابت الآله لميرا بأن حولتها الى شجر المر وهي شجرة تفرز مادة صمغية ذات خصائص علاجية وتمضي الأيام وينشق لحاء تلك الشجرة بعد مضي تسعة اشهر ليخرج منها طفل رائع الجمال هو أدونيس، موضوع أسطورتنا لهذا الأسبوع.
نعم مستمعينا الأفاضل وما إن سمعت الآلهات بمولد هذا الطفل الجميل حتى تسابقن للفوز به فكان من نصيب أفروديت ولكن ظروف هذه الربة العابثة لم تسمح لها بالعناية بوليد صغير فعهدت بالعناية به بأختها برسفونا ربة الموت التي أحسنت تربيته حتى كبر وإستوى شاباً جميلاً فاتن الجسد فاتك النظرات فأغرمت برسفونا به وقررت الإستئثار به لنفسها فجن جنون أفروديت وتملكتها الغيرة وتنازعت الأختان على ادونيس وإستدعى الأمر تدخل زيوس كبير الآله الذي قضى بأن يبقى أدونيس مع أفروديت اربعة اشهر ومع برسفونا اربعة أشهر اخرى وما بقي من العام يكون لأدونيس حق الإختيار في البقاء مع من يشاء منهما فإختار ادونيس افروديت وهكذا اصبحت افروديت او عشتار او فينوس هي العشيقة الأسطورية لأدونيس في المتوبولوجيا القديمة.
مستمعينا الأكارم مازلتم تستمعون لبرنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
أيها الأحبة نتابع في الأسطورة أن أدونيس خرج للصيد في احدى الغابات الفينيقية اسمها لبنان فهاجمه خنزير بري وجرحه جرحاً بليغاً فهرعت أفروديت الى حبيبها الجريح لتضمد جراحه وأخذت تسكب العطور على جرحه وسال الدم الممتزج بالعطر على الأرض فإنبثقت منه زهرة لونها كلون الدم هي شقائق النعمان. ولم تفلح جهودها بوقف الدم النازف من جرح أدونيس واستمر الدم بالتدفق حتى قضى ادونيس نحبه ووصل الدم الى النهر وصبغ مياهه بلونه واستمر النهر يجري بلون الدم اسبوعاً كانت مدة الحداد على ادونيس وقد روى لنا احد المؤرخين من القرن الأول الميلادي طقوس الحداد على ادونيس من مدينة جبيل قائلاً: في كل عام ومع بدأ الربيع تتلون مياه نهر ادونيس بلون الدم معلناً للجبيليين الحداد لأدونيس بذكرى مصرع هذا الإله الشاب فيعم البلاد حزن عظيم ويبكي الناس ويضربون انفسهم ويتألمون وينوحون وتستمر هذه الطقوس لأيام ثم يعلنون قيامة أدونيس وصعوده الى السماء لتبدأ الإحتفالات.
نعم مستمعينا الأفاضل ورى المؤرخ نفسه تعليلاً منطقياً لتلون مياه النهر باللون الأحمر نقلاً عن أحد الجبيليين الذي أخبره أن الرياح القوية التي تهب في تلك المنطقة في تلك الفترة من السنة تحمل معها تراباً من النهر فتكسبه اللون الأحمر. والمعروف أن الحداد على أدونيس والإحتفالات على قيامته تقام اول الربيع مع ذوبان الثلوج على الجبال المحيطة بمجرى النهر وتجرف التراب معها من الأرض المحيطة بالنهر التي تتميز بلونها المائل الى الحمرة فتلون المياه بذلك اللون.
وكان من طقوس الحداد أن يزرع الناس بذور القمح والشمرة وشقائق النعمان في اواني فخارية ويضعوها في بيوتهم لتنمو وتذبل في أيام قليلة كناية عن قصر حياة ادونيس والحياة بشكل عام. من الجدير ذكره أن عبادة أدونيس انتشرت في مناطق كثيرة من الهلال الخصيب ولاتزال بعض طقوس هذه الأسطورة او ما يشار اليها في التراث الشعبي لأهالي هذه المناطق قائمة حتى اليوم.
بهذا نصل أيها الأحبة الى ختام هذه الأسطورة المثيرة المفعمة بالمعاني والدلالات، الأسطورة التي تفسر لنا ظاهرة الموت والحياة حسب تفكير مجتمعات العصور القديمة، حتى نلتقيكم عند أسطورة جديدة وحكاية اخرى نستودعكم الرعاية الإهية وكلنا أمل أن تكونوا قد قضيتم معنا أحلى الأوقات وأطيبها، الى اللقاء.