بسم الله الرحمن الرحيم أحبتنا الأفاضل في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً ومرحباً بكم ونحن نجدد اللقاء بكم عند محطة جديدة من محطات برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا، ندعوكم لمرافقتنا.
أعزائي حكايتنا لهذا الأسبوع من بلاد الروس وهي تعرف بإسم إسفياتاغور والعمالقة وهي من الحكايا الأسطورية التي تروي من خلالها الأمم والشعوب تاريخها ممتزجاً بمعالي البطولة والملاحم وقيم الفروسية والتضحية. تعالوا معنا اعزتنا المستمعين لنتعرف على هذه الأسطورة.
مستمعينا الأفاضل كانت الجبال في روسيا شاهقة الى أبعد الحدود، تخترق الغيوم بقممها حيث كانت طيور النسور تقوم بطيرانها الهادئ فوق القمم وتحط بصمت في أعماق المضائق. وفي مرج الأعشاب الشاسعة كانت الصخور الهائلة تطلق بخاراً يرتسم في السماء مثل أشباح رمادية. كان الساكن الوحيد لتلك الجبال هو المارد إسفياتاغور العملاق ولضخامته فقد كان يشبه احدى تلك الصخور العالية وعندما كان يمشي كانت الأرض ترتجف تحت أقدامه. كان ممتطياً حصانه يتسلق اعلى القمم يعبر الوهاد ويجتاز الأنهار بقفزات شاسعة كأنه يطير.
كان إسفياتاغور يعيش وحيداً في تلك المنطقة النائية وقد دفعته قوته الى أن ينازل جميع أبطال روسيا، وعندما كان يخرج للحقول والسهول كانت الأشجار تتسمر من مشيته والأرض نفسها كانت تهتز والصخور المقدسة وحدها كانت تحتمل المشية الثقيلة للعملاق فقد كانت قوته خارقة للطبيعة وكان ذلك سبباً لبؤسه اذ كان بمقدوره أن يستغل قوته في أشياء اخرى فلو أن خصصها للعمل او لخدمة الناس لكانت السعادة تغمره. فعمره على الأرض قليلاً لكن اسفياتاغور كان جاهلاً بل كان يحول كل شيء يلمسه الى ذرات غبار وكل شيء كان ينسحق بين يديه الجبارتين. ذات يوم اعزائي خرج من جباله ووسط مرج الأعشاب الشاسعة نصب خيمته الرمادية اللون وفيها إضطجع ونام حتى اليوم الثاني حيث قرر اسفياتاغور أن يتابع المسير وأخذ يمر بقرى صغيرة ومدن وبدأ يتعرف ويعشق الناس، أثاره الفلاحون بطيبتهم وعطفهم وعندما مر بإحدى القرى رأى شابة جميلة وعندها فكر في نفسه قائلاً: هذه شابة تصلح أن تكون خطيبة لي وتستحقني بجدارة! ولم يتأخر البطل بالفوز بقلب الشابة القروية وبعد قليل فاز بالزواج منها وأخذها الى مملكته في الجبال المقدسة.
أحبتنا المستمعين في يوم كان فيه إيليا موروميتس المحارب الشجاع في تلك المنطقة يبحث عن أماكن فسيحة، كان عليه أن يمر بالجبال المقدسة وفي خلال ثلاثة أيام قفز فيها من صخرة الى صخرة وصعد القمم وإجتاز الوهاد حتى خارت قواه فنصب خيمته وربط حصانه ونام غاطاً في احلام عميقة، نام لساعات طويلة وقبل أن تخرج الشمس حلم بأشياء غريبة، رأى وكأن جواده القوي يحفر الأرض بحوافره ويصهل جافلاً. وفيما بعد سمعه يقول بصوت انسان: ايليا ايليا! إنهض!!
إنجو من الخطر فالبطل اسفياتاغور يقترب، هيا! اتركني في هذه الحقول وإختبأ أنت سريعاً في جذع الشجرة.
نهض ايليا وعمل بنصيحة حصانه فتسلق الى اعلى شجرة بلوط وبعد قليل ظهر اسفياتاغور المريع الضخم القوي مثل الصخر يحمل زوجته على أكتافه وهي تجلس في هودج من الزجاج وفي حزامه سيف كبير، ترجل العملاق من الحصان وبمفتاح من ذهب فتح القفص الزجاجي الذي خرجت منه زوجته الجميلة. وبينما كان اسفياتاغور يجهز خيمته بثت الشابة من الخرج حصيرة واخرجت من الخرج كمية كبيرة من الطعام اللذيذ ومشروبات حلوة مثل العسل.
خلال الأكل كان ايليا لايتحرك بين أغصان الشجرة مختفياً عن عيون العملاق لكن المرأة كانت قد رأته وخشيت من غضب زوجها فجعلت ايليا وحصانه يختبئان في أحد جيوب اسفياتاغور الضخمة والذي من غير أن يدري مضى بالحمولة ليومين. وفي اليوم الثالث بدأ حصان اسفياتاغور يصدر اشارات تعب فزرأ البطل: آه أيها الحصان هل أصبحت شيخاً وغير مفيد؟ ألا تستطيع المسير بعد؟
أجاب الحيوان الذكي: كنت أحملك انت وزوجتك لكن منذ ثلاثة أيام أحمل على ظهري حمولة زائدة.
فتش اسفياتاغور جيوبه الواسعة فعثر فيها على ايليا وحصانه فقال له: من انت؟ أجابه: اسمي ايليا وكانت عندي رغبة بإبداء إعجابي للبطل اسفياتاغور!
أجاب العملاق بغرور: ها انا أمامك وهذه فرصة لنكون اصدقاء وستكون شاهداً على أفعالي العظيمة.
وافق ايليا وإستعد للمشي الى جانب صديقه العملاق وبدأ اسفياتاغور يعامله كأخ له، يتقاسم معه الأكل والشراب. وفي يوم من الأيام كان البطلان يعدوان في المرج الشاسع فعثرا على تابوت كبير مغطى بكومة من الحبوب. توقف اسفياتاغور يفكر وقال: فلنفحص لمن اعد هذا التابوت.
دخل ايليا اولاً لكن القبر الصخري كان كبيراً جداً بالنسبة لمقاسه فدخل اسفياتاغور في التابوت الغريب وكأنه كان معداً لمقاسه العملاق، يبدو أنه معد لي! قال اسفياتاغور وأضاف: يا ايليا، ياصديقي وأخي هل بإمكانك وأنا هنا في جوف التابوت أن تغلق الغطاء؟
قال: لا يااخي إني اخاف ذلك! أجاب ايليا
وهنا تدخل اسفياتاغور وأخذ الغطاء الحجري الضخم بإحدى يديه وعندما اطبقها أحكمت الجوانب وأقفل التابوت بشكل كامل. وعبثاً أخذ اسفياتاغور يتحرك ويتلوى في الداخل، وهنا صرخ مستغيثاً: ايليا يا أخي العزيز خذ سيفي وحطم جدران هذا القبر اللعين!
فأخذ ايليا السلاح الفتاك وأفرغ ضرباته الجبارة على الحجر وهو يسمع زئير اسفياتاغور يختنق في الجوف.
اعزائي الأفاضل نحييكم من جديد عبر برنامج حكايا وخفايا الذي تستمعون اليه من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. بعد الفاصل نواصل ما تبقى من حكاية اسفياتاغور العملاق.
مستمعينا مستمعاتنا أحس ايليا بأن قوته تتضاعف فعاد وأخذ السيف وبدأ يضرب من جديد، ومع الضربات القوية كانت تتطاير شظايا الصخرة والشرر من السيف.
إني أختنق!! زئر اسفياتاغور: تعال ياايليا ياأخي، إقترب اريد قبل أن اموت أن أهمس لك بالسر الكامن وراء قوتي!
وأخذ صوت العملاق يضعف وكأنه يختنق وهو يقول بيأس: وداعاً يارفيقي بقد لصقت بك قوتي وسيفي الجبار.
نعم اعزائي الأفاضل كانت تلك الكلمات الأخيرة وكانت آخر أنفاس العملاق الذي مات وهو يصارع الموت.
وقف ايليا مستنداً الى سيف اسفياتاغور وسط صمت المرج الشاسع لكنه احس بقوة جبارة تسري فيه. وراح الى جانب قبر صديقه وأخذ يدور حوله مرات ثلاث ثم ودعه وعاد في الطريق الى روسيا قاصداً قصر عمه فلادميري امير مدينة كييف، وقد إكتسب ايليا القوة والشجاعة اللتين حملتاه الى أن يحقق المآثر المدهشة مع مردة آخرين في قصص مثيرة. وإنضم ايليا الى ستة من المرة وراحوا يمتطون خيولهم يعبرون الصحراء الى أن وصلوا الى سفح فيه أشجار بلوط قديمة ولأنهم كانوا متعبين فقد نزلوا الى الأرض ونصبوا خيامهم وإضطجعوا ليرتاحوا بينما راحت الخبول ترعى في الجانب الآخر وعندما اعلنت الشمس عن النهار بشفقها الأحمر نهض ايليا ونظر الى البعيد، كانت مجموعة من التاتار تحجب الأفق تتقدم وتلفها غيمة من الغبار تغزو السهل كأنها إعصار عنيف. صرخ ايليا: إنهضوا أيها المردة فالتاتار قادمون نحونا فنهضوا وحملوا سلاحهم وإنطلقوا لمواجهة التاتار وسرعان ما إنتصروا عليهم. كان العداء المهزومون يملئون السهل بينما المردة يطلقون صرخات المنتصرين: أية قوة يمكن مقارنتها بقوتنا؟ وصرخ البطل الآخر ايليا: لايوجد جيش يقدر على هزيمتنا! وقال ايليا: السيف الذي منحني إياه اسفياتاغور لايهزم!! ولكن في تلك اللحظة بدت الأرض وكأنها إنشقت وإنبثق منها محاربان مسبلان بمعادن تلمع وإتجها نحو المردة قائلين: جئنا لنمتحن قوتنا نحن إثنان وانتم سبعة، لكن لايهم فلنتحارب!
نعم أعزائي إمتلأ قلب ايليا بالغضب وأشهر سيفه وهجم على خصميه الغريبي الشكل لكن آه منك أيتها المعجزة فعندما ضربهما تحولا الى أربع وجرد البطل الآخر سيفه وتقدم نحو الأربعة ووقف وسطهم لكن تحول الأربعة الى ثمانية، واخذوا يتقدمون. قضى ايليا بسيفه الجبار على الثمانية لكنهم تضاعفوا ايضاً أمام دهشة المردة وإستغرابهم. وبعزم وبأس وغضب هجم السبعة سوية على أعداءهم لكن كلما قاتلوهم كانوا يتضاعفون وطيلة أيام ثلاثة وثلاث دقائق وثلاث ثوان استمرت المعركة حتى خارت قوى المردة الأبطال وإستبد بهم الذعر فهربوا الى الجبل لينجو بأنفسهم ليتحولوا هناك الى حجارة وليبقوا الى الأبد هكذا يروون عن نهاية الأبطال العمالقة في بلاد روسيا.
من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران قدمنا لحضراتكم حلقة اخرى من برنامج حكايا وخفايا نشكركم على طيب المتابعة والاصغاء والى اللقاء.