بسم الله الرحمن الرحيم اعزائي الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم اجمل تحية ونحن نلتقيكم عند محطة اخرى من محطات هذا البرنامج وندعوكم لمرافقتنا وما اعددناه لكم في هذا الأسبوع.
أعزاءنا في المكسيك الى الجنوب من العاصمة مكسيكو سيتي تنتشر مجموعة من البحيرات التي لعبت عبر التاريخ دوراً حيوياً وكبيراً في نشوء بعض أعظم الحضارات التي قامت على ارض وادي المكسيك كحضارة التولتيك والآستك، احدى هذه البحيرات تدعى سوتي ملكو وتمتاز بعذوبة مياهها وبمئات الجزر الصناعية الصغيرة التي تغطي صفحتها. قبل عقد من الزمان شرعت الحكومة المكسيكية بحملة كبيرة للقضاء على نبات زنبق الماء الذي أصبح وجوده يشكل عائقاً كبيراً للملاحة في انهار البحيرة وقنواتها. وخلال تلك الحملة اكتشف العمال الحكوميون عن طريق الصدفة جزيرة صغيرة معزولة وسط البحيرة وقد أثارت هذه الجزيرة رعباً لايوصف في نفوسهم بسبب المنظر الرهيب لمئات الدمى والعرائس المصلوبة على جذوع وأغصان الأشجار التي تغطي ارض تلك الجزيرة الرهيبة. كان منظراً مروعاً بحق، منظراً قد لايتخيل المرء رؤيته إلا في الكوابيس وأفلام الرعب السينمائية وخلال أسابيع قليلة انتشرت اخبار تلك الجزيرة في عموم المكسيك فتسابق الصحفيون ومراسلو التلفزيون للوصول اليها، وفي خضم هذا الهوس راح الجميع يسأل بفضول عن القصص التي تقف وراء دمى الجزيرة. وبسؤال السكان والمزارعين المجاورين للجزيرة بدأت تتكشف رويداً رويداً وقائع قصة لاتصدق.
أعزاءنا في عشرينيات القرن الماضي وتحديداً في صباح يوم ربيعي مشمس وجميل كان هناك زورق صغير ينساب على صفحة المياه الراكدة بالقرب من ضفاف جزيرة الدمى، كان الزورق يقل عائلة صغيرة، رجلاً وزوجته مع ابنتهم الصغيرة. كانوا في نزهة وقد بدت السعادة على وجوههم خاصة البنت الصغيرة التي كانت ترتدي ثوباً ابيضاً جميلاً مزيناً بشرائط مزركشة طويلة وكانت تجلس بهدوء بالقرب من مؤخرة الزورق وهي تلعب وتضحك مع دميتها الشقراء الجميلة التي كان والدها اهداها لها في عيد ميلادها الأخير. وفيما كان والدي الفتاة مشغولين بالحديث والتمتع بالمناظر الطبيعية الجميلة والخلابة المنتشرة على طول القناة كانت إبنتهما قد تركت دميتها جانباً وإنحنت فوق طرف القارب في محاولة منها للإمساك بزنبقة جميلة كانت تطفو فوق سطح الماء. وفجأة إختل توازن البنت فسقطت في المياه ولم يشعر والداها بسقوطها إلا بعد أن سمعا صوت إرتطام جسدها بالماء فقفز والدها سريعاً الى المياه في محاولة لإنقاذها فيما راحت الأم تصرخ، غاص الأب في المياه مراراً وتكراراً حتى تقطعت انفاسه وكاد هو نفسه أن يغرق لكن من دون جدوى. كانت الفتاة قد إختفت تماماً ولم يعثر لها على أثر. الغواصون المحترفون أنفسهم لم يستطيعوا العثور على جثة الفتاة، لقد إختفت الى الأبد تاركة خلفها دميتها الجميلة ووالدين جريحي الفؤاد ومنذ ذلك الحين شاعت أسطورة مخيفة بين السكان المحليين عن فتاة صغيرة تتجول ليلاً بين الجزر بحثاً عن دميتها الجميلة التي تركتها في الزورق مع والديها.
أعزاءنا ولعقود طويلة لم يكن في الجزيرة سوى كوخ واحد ولم يسكن فيه سوى رجل واحد كان يدعى جوليان سانتانا باريرا وقد عرفه الناس في المنطقة بإسم دون جوليان، كان غريب الأطوار لديه زوجة واطفال في المدينة ولكنه هجرهم منذ زمن بعيد وجاء ليعيش وحيداً في هذه الجزيرة المنعزلة. وقد قيل الكثير عن سبب بقاء دون جوليان وحيداً في الجزيرة لكن السبب الحقيقي قد يبقى سراً لايعلمه إلا الله. يقال إن القصة كلها قد بدأ قبل أكثر من نصف قرن وتحديداً في عام ۱۹٥۰ حينها كان دون جوليان شاباً أنيقاً لديه عائلة ووظيفة محترمة في المدينة. كان يزور الجزيرة من حين لآخر لصلة قرابة تجمعه بأصحابها الأصليين. وفي احد الأيام وبينما كان واقفاً لوحده على ضفاف الجزيرة يتأمل المياه تماماً في البقعة التي غرقت فيها الفتاة قبل سنين طويلة تعلقت عيناه فجأة بطيف باهت لفتاة صغيرة يتهادى جسدها بهدوء تحت الماء، كان ثوبها الأبيض ذو الشرائط المزركشة الطويلة يتوج بوضوح تحت الماء لكنها لم تكن تطفو، بدت وكأنها عالقة بشيء ما يمسك بجسدها ويبقيه تحت سطح الماء. ظن دون جوليان لوهلة أن الفتاة ميتة لكنه غير رأيه حين إقترب وجه الفتاة من السطح الى درجة كافية لرؤية ملامحها فقد بدت كأنها حية، كانت عيناها مفتوحتين على وسعهما وكانت تنظر الى دون جوليان بغرابة فقفز الرجل الى الماء على الفور ظناً بأنها مازالت على قيد الحياة لكن ما سحبه دون جوليان من تحت الماء بعد جهد جهيد لم يكن سوى دمية اطفال، عروس جميلة ذات عيون زرقاء وشعر أشقر طويل. كاد دون جوليان أن يفقد صوابه وكان متأكداً من أنه شاهد فتاة حقيقية من لحم ودم تعوم بالقرب من سطح الماء لكن يديه لم تقع سوى على دمية من المطاط، وقد زادت حيرة الرجل بعدما أخبره أحد المزارعين لاحقاً بقصة الفتاة التي غرقت في تلك البقعة في عشرينيات القرن المنصرم والتي لم يعثروا على جسدها أبداً فأيقن دون جوليان بأن ما رآه في الماء لم يكن سوى شبح تلك الفتاة الغارقة وأن الدمية هي علامة ودليل على صدق ما رآه.
أحييكم من جديد احبتي الأفاضل وأنتم تتابعون برنامج حكايا وخفايا وفي حلقتنا لهذا اليوم نتحدث عن أغرب جزيرة على وجه الأرض وهي جزيرة الدمى المشوهة. اعزاءنا عاد دون جوليان الى منزله في المدينة مساء ذلك اليوم لكنه لم يكن نفس ذلك الشخص الذي غادره صباحاً، لم يعد يضحك ويلعب مع أطفاله كما كان يفعل سابقاً، أصبح واجماً وقليل الكلام. أخذت صورة الفتاة الغريقة تقض مضجعه، كلما أغمض جفنه طالعته عيونها وهي تحدق اليه من تحت سطح الماء كأنها تحدثه وتصرخ فيه متوسلة بأن يعود الى الجزيرة. وفي صباح احد الأيام غادر دون جوليان منزله في المدينة ولم يعد اليه ثانية أبداً، ترك كل شيء خلفه، عائلته ووظيفته وذهب ليعيش وحيداً في تلك الجزيرة الموحشة. في كل يوم كان دون جوليان يلتقط دمية جديدة في نفس تلك البقعة التي شاهد فيها جثة الفتاة الغارقة، كان يأخذ الدمى ليعلقها على أغصان وجذوع الأشجار وبلغ هوسه بالدمى حداً جعله يذهب الى المدينة يومياً ليبحث في سلال القمامة والنفايات عن بقايا الدمى القديمة. أحياناً كان يقايض بعض الثمار والخضار التي يزرعها في الجزيرة بالدمى القديمة ولم يكن يهتم كثيراً لحال الدمى التي يحصل عليها، كان يأخذها حتى لو كانت مقطعة الأوصال او ممزقة، كان يأخذها معه ليعلقها على أشجار جزيرته العجيبة وبمرور الأيام والسنين تحولت الجزيرة الى معرض كبير للدمى ففي كل ركن من أركانها وعلى كل شجرة كانت هناك دمى وعرائس تحدق بالغادين والرائحين من ركاب الزوارق المارة بالقنوات والأنهر المحيطة بالجزيرة. كانت تحدق كأنها تبحث وتفتش في الوجوه علها تعثر على اصحابها، على اولئك الأطفال الصغار الذين كانوا يدللونها في يوم من الأيام. في عام ۲۰۰۱ تم العثور على جثة دون جوليان طافية على سطح الماء في نفس البقعة التي شاهد فيها طيف الفتاة الغارقة قبل نصف قرن من الزمان. لاأحد يعلم على وجه الدقة كيف ولماذا مات دون جوليان لكنه رحل تاركاً وراءه واحدة من أغرب الجزر في العالم وأكثرها كآبة.
أعزاءنا إنتظرونا في محطتنا للأسبوع المقبل من برنامج حكايا وخفايا الذي يأتيكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران عند حكاية غريبة اخرى من حكايا الأمم والشعوب، في أمان الله ودمتم بكل خير.