بسم الله الرحمن الرحيم اعزاءنا الكرام في كل مكان أهلاً وسهلاً بكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم أيها الأحبة، من دواعي سرورنا وإبتهاجنا أن نجدد اللقاء بكم هذا الأسبوع عبر برامجنا الثقافية والأدبية والفنية حيث نحرص فيها أن نقدم لحضراتكم كل ماهو جديد ومفيد في عالم الثقافة والأدب والفن آملين ان تحظى برامجنا هذه بحسن إصغاءكم ومتابعتكم.
أعزائي الكرام قال نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أكرموا الخبز فإن الله عزوجل أنزله من بركات السماء وأخرجه من بركات الأرض. كثيرة هي الحكايا والأساطير التي نسجتها مخيلة الإنسان التي لاتعرف الحدود حول نعم الله والخيرات التي حبى بها الإنسان، هذه الحكايا والأساطير التي يريد الإنسان من خلالها أن يصوّر كرم الخالق ورحمته ولطفه من جهة وتمرد الإنسان وجحوده وكفره بأنعم الله من الجانب الآخر ثم إبتلاءه بغضب الخالق وحرمانه من تلك النعم والأسطورة التي سنستعرضها لكم إخوتنا المستمعين هي أسطورة من أساطير بلد الأراضي المنخفضة هولندا حيث تدور حول نعمة الخبز التي كثيراً ما ينسى الإنسان ويغفل قيمتها رغم أنها تمثل المادة الرئيسة التي تقوم عليها حياته. ندعوكم لمتابعتنا.
مستمعينا الأفاضل قبل مئات السنين كانت إسطافورن أغنى المدن التجارية في هولندا، كان ميناءها يكتظ دوماً بالصواري والمراكب المحمّلة بشباك الصيادين ومن هناك كانت تنطلق السفن التي تجوب كل البحار وتعود بالمنتجات الأكثر جمالاً والأغلى من كل البلدان، كانت خيرات إسطافورن تنمو وكذلك تنتشر وتشمخ القصور المشيدة من الرخام المطعم بالذهب ولكن الى جانب ذلك كان في المدينة أناس فقراء بينما كان عدد الأغنياء المتكبرين كبيراً وكانوا يبعثرون ثرواتهم في حفلات فاخرة يتجسّد فيها غرورهم وشهواتهم. من بين أولئك التجّار الأغنياء في إسطافورن لم يكن هنالك من أحد أكثر ثراءاً وسطوة من الفتاة الشابة ريشبيرتا فقد كانت قطع أسطولها التجاري كثيرة العدد تمخر بحور العالم وتعود محمّلة بالماس والمجوهرات والذهب من أراضي بعيدة، كانت ثروة ريشبيرتا لاتحصى فقصرها كان الأكثر جمالاً في إسطافورن وملابسها كانت مرصّعة بالأحجار الكريمة الرائعة وكانت تستعرضها كلها في الحفلات ببريقها الخاطف للأبصار الذي كان يثير دهشة المدعويين وفي الإحتفالات الكبرى لم تكن تغيب ألذ المأكولات وأغلاها وأندرها. وهكذا كانت تنمو كنوز ريشبيرتا كما نمى غرورها وإزدراءها للناس الفقراء المساكين. وفي أحد الأيام وفي حفلة عشاء حضرها عدد كبير من المدعويين حضر رجل مسن قال إنه جاء من بلاد بعيدة ويريد أن يعبّر عن إعجابه بثروات ريشبيرتا التي سمع عنها في محافل عظام الملوك وبينما كانت تكاد تطير فرحاً بذلك المديح رجت من الرجل الأجنبي أن يجلس الى طاولتها، كان الرجل الغريب يلبس على الطريقة الشرقية ويُظهر إحساساً بالكرامة والنبل عبر حركاته وإيماءاته وفي عينيه كانت تتجلى نظرات ثابتة فيها طاقة الشباب وحيويته وعند إقترابه من ريشبيرتا كان ينتظر أن يرى في يدها الخبز والملح الذي يقدم في بلده الى الزائر الضيف في التعبير عن الترحيب والضيافة لكن لم يكن هناك خبز على تلك الطاولة المليئة بألذ الطعام وأكثره نفاسة وندرة، كل شيء كان متوفراً حتى الورود والزجاج ماعدا غذاء الفقراء والمساكين. جلس الضيف الى الطاولة وفي نهاية العشاء حكى عن حياته التي قضاها في التطواف بين كل بلدان العالم، تحدث عن أراضي بعيدة ورائعة وعن عادات شعوب الشرق وعن مغامراته الشخصية في رحلاته الطويلة وحكى أفراحه وأحزانه بين الناس الفقراء والناس الأثرياء وعن الأراضي الخصبة الطيبة وعن إستحالة أن يبلغ الإنسان السعادة الحقيقية بالمال والثروة.
أعزائي الكرام كان كل الذين يأكلون على المائدة مهتمين بقصص الضيف الغريب وذكرياته ما عدا ريشبيرتا فقد كانت تنتظر سماع المدائح فقط عن ثرواتها والإشادة بها وعندما تحدث ذلك المسافر الغريب عن المحافل الفاخرة للملوك كان يقارن قصورهم وكنوزهم بما تملك ريشبيرتا ولكنها تفاجأت عندما أخبرها أنه لايجد على الطاولة الضخمة للدعوة ذلك الشيء الذي يقدّره كل العالم ويعدّه سيد الخيرات والبركات ولم يزد الأجنبي على ذلك شيئاً رغم إصرارها عليه في أن يفسّر مغزى كلامه وسرعان ما حيياه الغريب بإحترام ومضى دون أن يعرف أحد عنه أي شيء ولم تقوى ريشبيرتا على مقاومة حيرتها من ذلك اللغز فلقد كانت تملك كل الأشياء التي تمنتها وكان قصرها مليئاً بكل الأغراض الثمينة ومن كل ثروات الأرض وطيبات البحار، فما كان الشيء الذي ينقصها والذي يعتبر الأفضل بين كل الخيرات؟
مستمعينا الأفاضل حاول الكثير من الحكماء إكتشاف اللغز وكادت ريشبيرتا تفقد صبرها ولكنها كانت مصرة على ان تعثر على ذلك الخير الغزير لذلك أمرت أن ينطلق أسطولها في البحر وأن لايعود إلا أن يستطلع كل البحار وكل اليابسة بحثاً عن هذه الضالة ودفعت تبيح لأشرعة مئة مركب في رحلات طويلة وطالت الرحلة حتى تشققت قبعات البحارين وإمتزجت مياه البحر الأجاج بالمأونة المخزونة فأتلف الملح كميات الخبز وأكياس الطحين ونفذت كميات النبيذ الفاخرة ووالسماك واللحوم المقددة بالملح وصار نقص الخبز معاناة لاتطاق فطلب قبطان البحارى أن يعود الى المبناء الأكثر قرباً من أجل الحصول على الطحين وحينئذ عرف قبطان الأسطول الشيء الفضل بين كل الخيرات.
أعزائي الكرام لم يكن ذلك الشيء الذهب او عطور الشرق او البهارات الطيبة الفاخرة ولا اللئالئ في اعماق البحار، كان ذلك الشيء هو الخبز، خبز كل يوم، غذاء الفقراء والأغنياء وهكذا تم إكتشاف اللغز في كلام ذلك الغريب الذي قاله في الحفلة الكبيرة. وفي خضم هذه الأفكار إتجه القبطان مباشرة نحو ميناء البالطيق فحمّل سفنه بحبوب القمح الذهبية وعاد سعيداً الى إسطافورن وتوجه من فوره الى الى قصر سيدته ريشبيرتا ليزف اليها بشرى إكتشاف اللغز، وقال لها: سيدتي ريشبيرتا ها قد أحضرت شحنة من الكنز الثمين إنه الخبز، إنه ما كان ينقص على الطاولة فإسمعي مني ياسيدتي كيف توصلت لإكتشاف ما كان يفكر به ذلك المسافر الغريب.
نعم مستمعينا الكرام نركت ريشبيرتا القبطان يتكلم ثم صاحت مستشاطة غاضبة: إسمع جيداً ما آمرك به، جهّز رجالك وقبل ان يحل الليل يجب ان تلقي بشحنتك الغبية في البحر! وعبثاً كان إحتجاجه ومحاولته للتوضيح وعبثاً توسل الى ريشبيرتا أن لاتدمّر ثروة يمكنها أن تنهي بؤس فقراء المدينة وجوعهم لكن الشحنة الثمينة ألقي بها الى البحر على مرئى حشود من الجائعين الذين كانوا يلعنون ريشبيرتا وجبروتها وإساءتها لكن الكمية الهائلة من الحبوب الذهبية إختلطت في البحر مع طين القاع وبعد فترة بدأت تنمو هياكل مستقيمة وصلبة من أعماق البحر وكانت اكوام من الرمال والطين التي إمتزجت بين غابة من القصب ترتفع بشكل رهيب ومرعب لتشكل بذلك مرتفعات كبيرة كالروابي. لقد نما القمح حتى سطح الماء وشكل أمام مدينة إسطافورن الغنية الزاهية بتجارتها حاجزاً لايمكن تفتيته. وعاد البحارة مستمعينا الأفاضل الى الميناء الرائع وداروا أياماً وليالي دون أن يتمكنوا من عبور ذلك الجدار الهائل ورويداً رويداً بدأت الأمواج تتحطم على سور الطحين وما لبثت إسطافورن فقدت ثرواتها وقوتها وهاج البحر وهدر ملقياً زبده الأبيض أمام المياه الهادئة في الميناء القديم. وبعد زمن حلّت ليلة عاصفة وحطمت الحاجز ووصلت المياه الى المدينة لتسحبها وتجرجرها حتى الأعماق على ألواح من القمح البحري وغمرت مياه زويدرز الوادي العريض حيث كانت إسطافورن وكان البحّارة بعد ذلك يقتربون عند سكون البحر بحذر من مقدمات سفنهم ليتطلعوا الى الأسفل، الى المياه الشفافة ويروا الأجراس العالية والأبراج والقصور في المدينة المغمورة بالماء.
مستمعينا الأحبة وهكذا فإن الإنسان كثيراً ما يدفع ثمن جحوده وغروره وطغيانه غالياً ليكون عبرة لغيره ويعرف قيمة النعم التي أنعم الله بها عليه ويدرك ان الجحود ونكران النعمة لايكون نتيجتهما سوى فقدان تلك النعمة والتحسّر عليها بل والبوء بغضب الله ولعنته الى يوم الدين.
أحبتي الأفاضل من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران إستمعتم الى حلقة اخرى من برنامج حكايا وخفايا حتى الملتقى نستودعكم الله والسلام عليكم، الى اللقاء.