بسم الله الرحمن الرحيم أحبتي الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأهلاً بكم تحية معطرة بشذى الحب والوفاء نبعثها اليكم أينما كنتم ونحن نلتقيكم الأسبوع بعد الاخر وتملأنا السعادة والهناء مما نقدم لكم من معطيات عالم الثقافة والأدب والفن آملين أن تحوز تلك البرامج حسن متابعتكم وإصغاءكم وتضيف الى معلوماتكم كل ماهو جديد.
مستمعينا الأكارم من الأساطير الشهيرة التي حاول الانسان من خلالها تفسير ظهور النار بإعتبارها مظهراً من مظاهر الطبيعة وبيان دورها وأهميتها في تاريخ الحضارة البشرية أسطورة الكائن الأسطوري المتمرد على الآلهة الذي أراد الخير للبشرية فكان جزاءه أن يرسف في الأغلال وأن تلتهم الوحوش أحشاءه الى أبد الآبدين حسب الأسطورة إنه بروميتيوس سارق النار على غفلة من الآلهة ففي البلاد التي نسميها اليوم اليونان وقبل قرون من الزمن عاش شعب الهيليميين او الإغريقيين القدماء الذين كانوا من اكثر الشعوب حكمة في ذلك التاريخ القديم. في تلك البلاد كان ينتصب جبل شاهق تختبأ قمته بين الغيوم أسماه الإغريقيون آنذاك بالجبل الأولمبي وقد تخيلوا أن قمة الجبل كانت بمثابة السماء حيث تعيش فيها آلهة كثيرة صاحب قوة جبارة.
كان زيوس بمثابة الملك وسيد جميع الآلهة، كان الإلهة الأعظم والأكثر جبروتاً وكان يطلق الرعود والصواعق فوق الأرض كلما يغضب فيختبأ الناس وهم يرتجفون من الخوف حتى أن الآلة الآخرين كانوا يبتعدون خوفاً منه. كان زيوس قد إتخذ من الجبل الأولمبي مملكة له وكان يحيط به مجلس كبير مؤلف من زوجته هيرة الإلهة الملكة وأولادهما وفيبو إله الشمس وإله الموسيقى والشعر والإلهة آرتميسا إلاهة القمر وإلاهة الصيف وحامية الشباب وأثينا إلاهة الحكمة وآرس إله الحرب وحادس وأفروديت إلاهة الحب والجمال وهرمس إله التجارة وآلهة كثيرين وبين تلك الآلهة الكثيرة والكائنات الخارقة التي عاشت في الجبل الأولمبي كان بينهم بروميتيوس العظيم الثائر الذي تجرأ على تحدي إله آلهة الواحد.
كان برومي زيوس واحداً من الذين خلقوا على الأرض قبل أن يُخلق الناس بحقب متطاولة من الزمن. كان برومي زيوس مسؤولاً عن خلق الانسان نفسه حيث أخذ حسنات من تراب اليونان وعجنها بالماء فصنع شكل انسان وأعطاه الحياة والقوة وصنع قواماً للهيئة البشرية وكما تخفض الحيوانات رؤوسها لتنظر الى الأرض فلقد جعل الانسان يرفع رأسه لينظر الى السماء وهكذا قد احب برومي زيوس الناس الذين خلقهم واراد لهم الخير مما تعطيه الأرض وكل ما يمكن أن يمنحهم السعادة. لكن زيوس العظيم شعر بأنه مهتاج لأن بروميتيوس فضل الناس بمعاملته فلقد ارادهم زيوس أن يكونوا خانعين وبائسين، لم يكن يرغب في أن تكون لهم أية قوة لخوفه من أن يجرأوا يوماً ما على الإستيلاء على مملكته لكن بروميتيوس كان سعيداً وهو ينظر الى الناس وهم يواصلون حياتهم وكان على اتم إستعداد لخدمتهم حتى لو كان عليه أن يتحدى غضب زيوس. كان يتأملهم بسعادة وهم يمارسون نشاطهم بفرح وسرور.
عندما جاء الخريف وأطلق اول برد الشتاء صفيره رأى بريموتيوس الناس قد كفوا عن الفرح ورآهم يرتجفون ويطهرون علامات الأسى والحزن. كان للحيوانات جلود سميكة كثيفة الشعر وكان بإمكانها أن تلجأ الى كهوف الأرض لكن الانسان لم يتمكن من حماية نفسه فكان يعاني فبطبيعة الحال فقد تأثر بريموتيوس بآلام المخلوقات التي خلقها ففكر أن يحضرها الى الأولمبي الذي لايقربه فصل الشتاء لكن زيوس كان هناك ولم يكن يسمح بدخول المخلوقات البشرية الى مملكته فكان على بريموتيوس أن يفكر بطريقة اخرى لمساعدة البشر، فكر وفكر وجاء يذكر أله البركان هيفايستوس أحد أبناء زيوس المعاقبين في العمى بإحدى أكوار الحدادة على الأرض حيث كان يصهر الصواعق والسلاح لوالده.
قال بريموتيوس في نفسه وهو يتأمل هيفايستوس: أجل يمكن للبركان أن يمنح القليل من نيران المرجل. فخرج ليلاً من جبل الأولمبي وأخذ يهبط بهدوء من نجمة الى نجمة كي لايكتشف زيوس أمر مغامرته هذه وعندما وصل الى الأرض بحث عن كهف عميق الى جانب البحر ومن خلال مغارة بين الصخور اخذ ينزل وينزل عبر زوايا حجرية باحثاً عن كور الإله وفي نهاية الطريق المعتم خرجت شرارة من النار وقرع البوابة الضخمة لفوهة البركان بضربات قوية إهتزت بين ضجيج السندان والمطارق فدفع البوابة وتفاجأ البركان عندما رأى بريموتيوس، كان بريموتيوس يعلم جيداً أن البركان محظور عليه إيقاف نيران الآلهة لكنه حاول أن يؤثر على قلبه ويستعطفه فقال له: لقد خلقنا الناس وهم منشغلين بعبادة زيوس لكن فصل الشتاء قد حلّ وهم يعانون من البرد ويموتون بسببه ولايمكننا تركهم بلا رحمة. فأجاب البركان: نعم حقاً ما تقول لكنك تعلم جيداً أننا لايمكننا فعل أي شيء من اجل إنقاذهم من غير أن يأذن زيوس بذلك وتابع البركان عمله يصهر المعدن الأحمر الحي ليحوّله الى صاعقة سماوية وفي تلك اللحظة التي تظاهر البركان فيها بأنه منهمك في عمله قام بريموتيوس بإضرام شعلة دون أن يشعر البركان وهرب بها بين العتمة وسط الصخور.
نعم أعزائي المستمعين وفي ذلك اليوم لحق الناس ببروميتيوس وأحاط به وهو يحمل وهجاً في قبضة يده فقدم لهم النار عدوة البرد وقال لهم: يمكنكم أن تحافظوا عليها وتبقوها حية بأن تقدموا لها أغصان الأشجار اليابسة. ارتفعت صيحات الإمتنان لصديق الناس الذي أحضر لهم الوهج الذي يمنح الضياء والدفئ ويصهر المعادن على شكل محراة وأسلحة الصيد وعملات النقود ولكن زيوس إستشاط غضباً عندما علم أن الناس إمتلكوا النار وهو الذي كان قد أقفل عليها في جوف الأرض فهبط الى القبو ليسأل البركان: هل كنت انت مَن منح النار التي اعطيتك لتخبأها؟ أجاب البركان وهو يتمنى أن لاينكشف امر بروميتيوس: لا لا لست أنا، فأنا مَن اعلم وأشتغل عندك مخلصاً وصنعت لك أجمل الأسلحة التي لم يكن احد قد صبها من قبل. تعال ومتع نظرك بهذه الأسلحة.
نعم مستمعينا الكرام لكن زيوس لم يتوقف عن سؤاله حتى يعرف الحقيقة وقال للبركان: أطعني الآن وإصهر السلاسل الأكثر صلابة بنيران الكور هذه، سوف أقيد بروميتيوس بها هناك على صخرة في أقصى الأرض وسوف يقوم أحد طيوري الجوارح وليكن النسر بتعذيبه ليلاً ونهاراً والى الأبد. عاد زيوس الى الأولمبي بينما بدأ البركان بصهر السلاسل ولما إنتهى أخذها الى ضخرة كبيرة في القوقاز حيث كان هناك ينتظره رسل زيوس ومعهم بروميتيوس وسقط البركان الصخرة الكبيرة وثبّت فيها الحديد وربط السلاسل في زندي بروميتيوس ورجليه وادار الإله البركان رأسه وإبتعد بخطوات طويلة حتى لايرى البطل وهو يتعذب وبقي بروميتيوس مقيداً بالسلاسل ووجهه مرفوع نحو السماء وفوق الصخرة بدأ طائر النسر يحوم كي يلتهم احشاءه يوماً بعد يوم.
كان بروميتيوس على ثقة بأن الناس لن يعانوا البرد بعد ذلك وهذا ماكان يواسيه في عذابه فلم يدع الألم يهزمه ولم يفقده الأمل بالحرية وفي يوم صادف فيه أن مرّ هيركولس رمز القوة الجسدية بالقرب من الصخرة التي قيدوا بروميتيوس عليها ورأى هيركولس كيف كان النسر يهبط ليلتهم الكبد من البطن المفتوح للرجل العظيم غير القادر على الدفاع عن نفسه فأحس بالغضب من قسوة التعذيب. إستل هيركولس قوسه الضخم ووضع السهم القوي وأطلقها على قلب النسر ثم صعد الى الصخرة وبذراعيه الجبارتين حطم السلاسل والقيود لكن إحداها بقيت عالقة بقدم بروميتيوس وفيها ايضاً القاعدة التي ثبتت بقطعة من حجر الصخرة. قال بروميتيوس له: لقد امضيت هنا سنوات وسنوات الى أن جئت انت. قل لي يا هيركولس كيف يمكنني مكافأتك؟ وإصطحب بروميتيوس هيركولس ليهيده إحدى مآثره وعاد فيما بعد الى حيث يعيش الناس لكي يساعدوهم ويسرون برؤيتهم. ومن وسط الأولمبي رأى زيوس بروميتيوس حراً طليقاً فغضب لكنه ظن أن قراره قد تم تنفيذه اذ أن البطل كان يجر سلسلة وهي مثبتة بقدمه وكذلك كان القيد مثبتاً بقطعة الصخر.
عاد بروميتيوس الى الأولمبي ليواصل حياته مع الآلهة ولكن على الأرض لم ينسه الناس أبداً ففي كل سنة يقيمون إحتفالاً على ذكراه حيث يتناقل الشباب الأكثر سرعة والأكثر قوة في الجري يتناقلون في قبضاتهم جذوة مشتعلة ويركضون بها في المدن الإغريقية في إحتفالات سباق تقليدية للبطل الذي جلب النار وتكريماً لصديق الناس المثال الأعلى للتمرد على الجور والطغيان.
وبذلك تنتهي إخوتي المستمعين هذه الأسطورة الطريفة والشيقة المليئة بالمغامرات، أسطورة سارق النار التي يدور محورها حول النار واهميتها وكونها من اهم الإكتشافات التي إلتفت اليها العقل البشري ومن جهة اخرى فإنها تصور لنا تعنت الطغاة ونزعتهم الإستحواذية التي تدفعهم الى حرمان الاخرين من مظاهر الخير والفائدة كما أنها تقدم لنا في المقابل الأنموذج الطيب الذي يضحي بنفسه من أجل ارادة الخير للآخرين.
نعم اعزائي المستمعين ويجب أن نشير هنا الى أن هذه الأسطورة هي كما قدمنا هي من نسج الخيال البشري وهي تتعارض وعقيدتنا الاسلامية لكننا عرضناها لكم كإبداع للإنسان الأدبي ولما تضمنت من معاني التضحية في مواجهة الطغاة كما أشرنا قبل قليل.
حتى الملتقى مستمعينا الأفاضل مع حلقة اخرى من حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران نستودعكم الله والى اللقاء.