البث المباشر

أهمية إقامة مجالس العزاء الحسيني وضرورة استمراره

الأحد 23 يونيو 2019 - 11:28 بتوقيت طهران

دُموعُ عيني كمثل السيلِ تنهمرُ

وفي الفؤادِ جوىً كالنار يشتعلُ

لمعشرٍ عن طريق العدلِ ما عدلوا

بالأمس كانوا معي واليوم قد رحلوا

وخلّفوني بأرض الطفِّ حيرانا

يحقّ للراسيات الشُّمِ تنصدعُ

لِفَقدِهِم، وبحور العلمِ تنتزِعُ

واصرُخنًّ بصوتٍ ليس ينقطع

نذرٌ علي لأن عادوا وأن رجعوا

لأزرعنّ طريق الطفِّ ريحانا

إن المسلم الصادق في استنانه بسنن النبي (صلي الله عليه وآله)، من عد رزية أهل البيت أعظم من رزاياه فيأهله وولده، بعدما ثبت أن المؤمن لا يكمل ايمانه إلا ان يكون عترة رسول الله أحب إليه من أهله وعترته. كذا لا يكون المسلم مسلما حقا حتي يجاري أحوال نبيه المصطفي (صلي الله عليه وآله). الذي بكي علي أهل بيته (عليهم السلام) قبل أن تنزل بهم النوائب والمصائب، فبكي ابنته الصديقة الزهراء وأمير المؤمنين عليا وسبطه الحسن المجتبي (صلوات الله عليه)، وطالما بكي علي حبيبه وريحانته الحسين سلام ربنا عليه يوم مولده، وكلما اخبره جبرئيل بشهادته، وكلما نظر الي تربته، حتي تنغصت عليه (صلي الله عليه وآله) أيام عيشته، فبكي وأبكي ونعي أهل بيته، وحذر من ظلمهم وإيذائهم، فضلاً عن غصبهم وقتلهم. ومن هنا كان حقيقياً بالمؤمن أن يجاري العواطف المقدسة لرسول الله (صلي الله عليه وآله) في حبه لأهل بيته، وحرصه عليهم، والحزن علي مصائبهم، والبكاء علي نوائبهم وآلامهم ورزاياهم، واقامة المآتم في ذكريات شهاداتهم صلوات الله وسلامه عليهم.
بل ويتسامي المؤمن الموالي فيتطلب أسباب الاسي، ودواعي الحزن والشجي، فيستحضر في فكره وقلبه معاً. من هو الحسين؟ وكيف ظلم الحسين؟ وما هي فضائل الحسين؟ وكيف قتل الحسين؟ أليس هو صاحب المقامات العلوية السامقة، والمنازل الرفيعة السامية، حيث لا يلحقه ولا يلحق أهل بيته لاحق، ولا يسبقهم سابق؟! ثم أليس هو من قتل أهل بيته وذووه أمام عينيه الشريفتين، بل وبين يديه الكريمتين، حتي ذبح رضيعه وقد حمله علي صدره يطلب له قطرات مائه للسانه يتلظي من شدة الظمأ؟! ثم أليس هو المفرد في ساحة الطف بين مئات وألوف هجموا عليه بالسيوف والحجارة، والرماح والسهام، حتي قتلوه، ثم مثلوا بجسده الطاهر؟! هذا وهو ولي الله، وحبيب رسول الله، والامام المفترض الطاعة وقد قدم يريد للناس جميعا هداية وتقوي، وعزة وكرامة، وحرية وسعادة، وخيرا ورحمة وشرفا ونزاهة.
فكيف لا يبكي (صلوات الله عليه) وقد وقع عليه ما وقع، وبكاه الوجود كله؟! يقول الشيخ جعفر التستري في (الخصائص الحسينية): إن من لا يبكيه فهو عاق، ليس له وفاء ولا عهد، ولا يعرف قدرا وليس له مروة، بل هو خارج عن الحقيقة الانسانية.

*******

وقد حفلت السنة النبوية بكثير من النصوص الشريفة التي يحث فيها الرسول الاعظم (صلي الله عليه وآله) المسلمين بمختلف أجيالهم علي إقامة مجالس العزاء الحسيني، وقد جاء الحث النبوي هذه بصورة متعددة قولية وفعلية تنبه بمجموعها المسلمين الي أهمية هذا الامر وضرورة استمراره لنلاحظ ما يقوله بهذا الخصوص سماحة الشيخ نجيب الحرز الاستاذ في الحوزة العلمية من السعودية:
الشيخ نجيب الحرز: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد وعلى اهل بيته الطاهرين.
طبعاً ان السبب انه النبي (صلى الله عليه وآله) انه يؤسس لحركة ولنهضة من شأنها ان تشع الافكار وتنور العقول طبعاً تحتاج الى محطة اعلامية، تحتاج الى استثمار المعطيات لحراستها ولحمايتها فكان يؤكد على اقامة الشعائر وكان الاعلام الوحيد المتداول والمتناول، اعلام سهل ومقبول وبعيداً عن الرقابة فأولاً لنعرف لماذا النبي امر او التفت الى فاطمة (سلام الله عليها) قال: (كل عين باكية يوم القيامة الا عين بكت على مصاب الحسين فأنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة) هذه اشارة واضحة للامام الحسين انه يريد ان يزرع في النفوس هذه الالية الاعلامية، لماذا؟ النبي يعرف ان من خصائص الامويين هو تزوير الحقائق واخفاء الحقيقة خصوصاً المنعطفات التاريخية التي رسم ملامح رأي المجتمع يعني اي حدث تاريخي من شأنه ان يعمق فكرة الدين وان يعمق القيم الاخلاقية عند الناس بينه وبين الائمة الامويون يسعون الى تقييدها وتحطيمها، اثنين الامويون هم محترفون في تضليل العقول وتزوير الروايات واتجار الاقلام المزورة وتسيير المواقف البطولية بطريقة خاصة لصالحهم وكون نهضة كربلاء هي من المخزونات التاريخية التي تمد الهوية الاسلامية بالطاقة والحيوية ضد الطغيان، ضد الظالمين، ضد العتاة فالامويون من طبيعتهم يسعون لتعطيل هذه المحطة من خلال تغييبها عن ذاكرة الامة واخفاءها عن وعي الامة لذا النبي (صلى الله عليه وآله) كان حريصاً على ان يعرف نفس هذه الشجرة الخبيثة الملعونة فكان يمهد الارضية لهذه النهضة في كربلاء حاضرة في الوجدان وفي الاذهان بقوة وعبر الازمان بحيث الشعوب تتشجع على احياءها وتأبينها بين الحين والاخرى فيعطيها المجال ان تمارس وان كان البعض يعيب وان ليس له تفسيراً واضحاً لمعنى احياء عزاء الامام الحسين كما يقول الشاعر:

وكم قائل لي وهو مني هازل

أتبكي لهذا العالم المتبسم

يجادلني في مأتم السبط قائلاً

من الظلم ان يحيا الحسين بمأتم

يعني اذا ما كان مأتماً ففرح وسرور، يعني هذه مغالطة يعني محاولة فاشلة ومحاولة لا تفي بالغرض، دليل القصور في العقول عن درك التاريخ وفهم التاريخ والغور في نهضة الامام الحسين عليه الصلاة والسلام لذا النبي الاعظم كان يشجع على اقامة العزاء وكان النبي بكى قبل حادثة كربلاء وكان يوجه الصحابة في ذلك العهد للعناية والرعاية بشخصية الامام الحسين وانتظار عطاءه التضحوي.

*******

التأسي بسنة النبي الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم)، ومواساته ومواساة أهل بيته، في البكاء علي سيد شباب أهل الجنة، الحسين بن علي، وابن فاطمة الزهراء البتول. في (المعجم الكبير) روي أبو القاسم الطبراني - وهو من مشاهير محدثي أهل السنة - عن أم سلمة أنها قالت: كان الحسن والحسين بين يدي النبي (صلي الله عليه وآله) في بيتي.
فنزل جبرئيل فقال: يا محمد، أن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك - فأومأ بيده إلي الحسين -، فبكي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وضمه الي صدره، ثم قال جبريل: وديعة عندك هذه التربة.
فشمها رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقال: "ريح كرب وبلاء!".
قالت أم سلمة: ثم قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): يا أم سلمة، إذا تحولت هذه التربة دما، فاعلمي أن ابني قد قتل.
قال الراوي - وهو شقيق بن سلمة: فجعلتها أم سلمة في قارورة، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم!
أخرج الخبر هذا أيضاً: ابن عساكر الدمشقي الشافعي في (تاريخ الشام - أو: تاريخ دمشق)، الحافظ الگنجي الشافعي في (كفاية الطالب)، وفي (مقتل الحسين (عليه السلام)) كتب الخوارزمي الحنفي: لماأتي جبريل بالتربة إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) من موضع يهراق فيه دم أحد ولديه - ولم يخبره جبريل بأسمه - شمها (صلي الله عليه وآله) فقال: "هذه رائحة ابني الحسين". وبكي!
فقال جبريل: صدقت.
أن المحدثين والرواة، من خلال كثرة ما جاء في اخبار النبي (صلي الله عليه وآله) بشهادة سبطه الحسين (عليه السلام) وصلوا إلي حقيقة قد لاتكون مشهورة عند الناس، تلك هي تكرار الوقائع، في عدد من المواضع والمواقع. كما تكرر الاسراء والمعراج، وتكررت بعض الأحاديث الشريفة الشهيرة. كحديث المنزلة مثلاً. كذا يظن. بل يعتقد أن هبوط جبرئيل (عليه السلام) أو ملك علي رسول الله. اخباره بشهادة ولده الحسين قد تكرر مرات عديدة، في مواقع متعددة، وبنصوص متقاربة. حتي روي ذلك عشرات الرواة، تناقله عشرات المؤلفات، ومن الامثلة علي ذلك:
ما رواه الحافظ البيهقي الشافعي في (دلائل النبوة) - باب إخبار رسول الله بقتل الحسين أن ملكاً قال للنبي (صلي الله عليه وآله): أن أمتك تقتله - أي تقتل الحسين - وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه. فضرب بيده وأراه تراباً أحمر، فأخذته أم سلمة فصرته في طرف ثوبها، قال الراوي: فكنا نسمع أن الحسين يقتل بكربلا.
هذا فيما روي الخوارزمي الحنفي في (مقتل الحسين (عليه السلام)) أن ملكا حمل من تربة الحسين في بعض أجنحته وقد ناول الرسول قبضة منها، فجعل (صلي الله عليه وآله) يشمها ويبكي، ويقول في بكائه: "اللهم لا تبارك في قاتل ولدي، وأصله نار جهنم".
ثم دفع تلك القبضة إلي أم سلمة وأخبرها بقتل الحسين بشاطئ الفرات، وقال لها: "يا أم سلمة، خذي هذه التربة إليك، فإنها إذا تغيرت وتحولت دماً عبيطاً، عند ذلك يقتل ولدي الحسين".
اذن فالاهتمام بأقامة مجالس العزاء الحسيني والمشاركة فيها هو من علائم كمال الايمان وصدق المودة لرسول الله وجميل التأسي به (صلي الله عليه وآله) بعدما ثبت في سنته الشريفة تعدد المجالس التي كان يقيمها في رثاء سبطه الشهيد.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة