البث المباشر

الآثار المهمة لإقامة المجالس الحسينية والمشاركة فيها

الأحد 23 يونيو 2019 - 11:41 بتوقيت طهران

سقى جدثاً تحنو عليه صفايحه

غوادي الحيا مشموله وروايحه

مررت به مستنشقاً طيبه الذي

تضوّع من فيّاح طيبك فايحه

أقمت عليه شاكياً بتوجّع

تباريح حزن في الحشى لا تبارحه

بكيتكم بالطّفّ حتى تبلّلت

مصارعه من أدمعي ومطارحه

حقيق علينا أن ننوح بمأتم

بنات عليّ والبتول نوايحه

مصاب يذيب الصّخر فجعة ذكره

فكيف بأهل البيت حلّت فوادحه

مصائب خصّتكم، وعمّت قلوبنا

بحزن على ما نالكم لا نبارحه

*******

إنّ الحديث حول حزن الأئمة الأطهار (عليهم السَّلام) من أولاد الحسين (عليه السَّلام) وذرّيّته، ونياحتهم عليه في سرّهم وعلنهم، وفي محافلهم ومجالسهم، هو حديث طويل، فقد استمرّ ذكرهم لشهادة أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) طيلة حياتهم المباركة، وفي حالات متعدّدة، وتناقلت ذلك الروايات والأخبار والأسفار بوفرة وكثرة، فكانت عبراتهم الشريفة جارية مستمرّة لم تنقطع، وكان من همومهم الكبرى إقامة العزاء بهيئات مختلفة على سيّد الشهداء الحسين (عليه السَّلام)، وطالما حثوا أصحابهم وشجّعوهم على عقد مجالس الذكر ومآتم الحزن في مناسبات كثيرة لبيان مصائب كربلاء، فدعوا الشعراء إلى إنشاد قصائدهم وما جادت به قرائحهم في ذكر نكبة عاشوراء وما بعد عاشوراء، فتوافد عليهم شعراء أهل البيت المجاهدين بآدابهم وبياناتهم، فكان منهم: الكميت بن زيد الأسديّ، والسيّد الحميريّ، وجعفر بن عفان، ودعبل بن عليّ الخزاعيّ، ... وغيرهم.
وطالما بكوا حتى غشي عليهم، تفجّعاً على حبيب الله ورسوله، سيّد شباب أهل الجنّة، وإحياءً - في الضمن- لسنة المصطفى الأكرم، محمّد (صلى الله عليه وآله وسلّم)، الذي طالما ذكر بالحسين، وأقام المآتم الكئيبة على الحسين، وحذر من خذلانه ودعا إلى نصرته، ووبّخ على ترك طاعته.
روى الحافظ أبو القاسم الطبراني في (المعجم الكبير) بسنده إلى الصحابيّ المعروف معاذ بن جبل، قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) متغيّر اللون، فقال: أنا محمّد، أوتيت فواتح الكلام وخواتمه، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم، إلى أن قال (صلى الله عليه وآله): أتتكم فتن كقطع الليل المظلم.
ثم قال: يزيد، لا بارك الله في يزيد!
ثمّ ذرفت عيناه، ثمّ قال: نعي إليّ حسين وأوتيت تربته، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده، لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه (أي لا يحمونه) إلاّ خالف الله بين صدورهم وقلوبهم، وسلّط عليهم شرارهم، وألبسهم شيعاً!

*******

قد نقلنا في الحلقات السابقة من برنامجكم هذا تأريخ المجالس الحسينية، نماذج عدّة من الروايات المتحدّثة عن إقامة النبيّ المصطفى والوصيّ المرتضى والصدّيقة فاطمة الزهراء (عليهم وآلهم الصلاة والسَّلام) لمجالس العزاء الحسيني حتى قبل إستشهاد الحسين (عليه السَّلام) وفي ذلك تنبيه واضح الى عظمة البركات التي تشتمل عليها هذه المجالس.
فمن أهمّ آثارهم تحفظ الإسلام النقيّ وتزيل عنه تحريفات اليزيديّين وإذنابهم، المزيد من التوضيح لهذه الحقيقة نستمع له من ضيفنا الكريم سماحة الشيخ فيصل العوّامي الباحث في الشؤون القرآنية والفقهية من المملكة العربية السعودية:
الشيخ فيصل العوّامي: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين.
المجالس الحسينية حملت على عاتقها بعض الامور المهمة لهذا كانت لها مساهمات فعلية واستراتيجية كبرى في المحافظة على اصالة الاسلام الذي دعا اليه نبينا الاكرم محمد (صلي الله عليه وآله) وذلك من خلال امور، اولاً لأن هذه المجالس تستشعر امراً هاماً وهو احياء امر اهل البيت عليهم الصلاة والسلام: "رحم الله من احيا امرنا"، هذه المجالس في الاصل تتبنى عرض المنهج والفكر الذي طوره اهل البيت عليهم الصلاة السلام وسيرة نبينا الاكرم صلوات الله عليه وآله ونحن نعتقد ان هذا الشكل وهذا التصوير هو الذي امرنا الله سبحانه وتعالى به لأنه يعطينا حقيقة ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام فأولاً هذه المجالس تستشعر وتنمي ابراز امر اهل البيت ولهذا في كل الخطابات، في كل المعاني والرؤى التي يتناولها الخطباء من على الاعواد والمنابر يتقيدون بما ورد عن اهل البيت الكرام عليه الصلاة والسلام في هذا الامر هذا اولاً، ثانياً لأن منطلق هذه المجالس النهضة الحسينية اي ان المحور الذي يدور حوله الخطيب في تناوله لأي موضوع انما هو نهضة الامام الحسين عليه الصلاة والسلام بما تحمل في طياتها من قيم نهضوية جليلة والامام الحسين وضع محوراً استراتيجياً اساسياً لنهضته كتبه في وصيته التي سلمها الى اخيه محمد بن الحنفية عندما قال: "الا واني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي، اريد ان آمر بالمعروف وانه عن المنكر واسير بسيرة جدي وابي" الامام الحسين عليه الصلاة والسلام وضع هدفاً من اهم الاهداف التي من اجلها انطلق وهو العودة الى الاسلام الاصيل بعد ان سعى بنو امية وغيرهم الى تشويه الصورة الاصيلة للاسلام، الامام الحسين عليه الصلاة والسلام اراد ان يعيد المسلمين الى ذلك المعين الصافي والنظيف يقول عليه الصلاة والسلام "واسير بسيرة جدي وابي" لأن هذه السيرة هي التي تمثل الاسلام النقي والصافي هذا اثنين، ثلاثة لأن هذه المنابر والخطاب الحسيني بشكل عام يعتمد طرح البصائر القرآنية استناداً الى كلام اهل البيت، القرآن الكريم قرآن عظيم وليس عاص عن الفهم والادراك ولكن لابد ان تفهم يعني لابد ان تفك الغازه والمحاور المضغوطة والمعاني المضغوطة فيه استعانة بكلام اهل البيت عليهم الصلاة والسلام ولهذا من يقرأ القرآن من خلال منظار اهل البيت، من خلال اطلالات اهل البيت فأنه يدرك حقيقة ما جاء به رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهذا من اهم المحاور التي ينتهجها الخطاب الحسيني من خلال هذه المنابر والاعواد، لهذه الاسباب والعناصر الثلاثة نجد ان الخطاب الحسيني على مدار السنين استطاع ان يعلق في الوسط الشعبي والجماهيري، استطاع ان يعلق الفكر الاصيل والنقي الاسلامي كما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهذا فأننا نؤكد في هذه الفترة مع تطور الفكر المعاصر والحالات الاجتماعية والعلوم نؤكد على هذه المحاور الثلاثة لأنها هي الروح التي بها ندخل الى العالم الجديد:
اولاً: ننطلق من امر احياء اهل البيت.
ثانياً: نتمحور حول قضية الامام الحسين والقيم التي نهض من اجلها.
ثالثاً: نعتمد المسار القرآني من خلال اطلالات اهل البيت عليهم الصلاة والسلام للقرآن فهذه العناصر الثلاثة تقدم لنا الاسلام الاصيل والنقي بصورة واضحة جداً وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.

*******

تمضي السنوات عقوداً معقودة على الغصب والظلم والانحراف والفساد، والاستئثار بالحكم ملكاً عضوضاً، والناس في متاهات وغفلات غاب فيهم وعيهم تماماً، وسحقت الكرامة وهتكت الحرمة، وعبث بدين الله، فما كان لها يومئذ إلا الحسين، وما كان الإنقاذ إلا بدمه الزاكي ومهجته المقدّسة، وثلة طيّبة من أهل بيته وصحبه الأوفياء الأبرار، ثمّ كانت الفاجعة تتبعها الفاجعة، لا يستقرّ لها ضمير ولا يهدأ لها جنان، إلا بالبكاء عميقاً، لا سيّما ممّن حضر الوقعة العظمى في كربلاء، وشهد مشاهد يوم عاشوراء، وعاش ما جرى هناك كالإمام السّجاد عليّ بن الحسين (صلوات الله وسلامه عليه وعلى أبيه الشهيد المظلوم).
أفرد الشيخ المجلسيّ باباً في كتابة: (بحار الأنوار) ضمن تأليفه في تاريخ عليّ بن الحسين السّجاد (عليه السَّلام)، سمّاه باب حزنه وبكائه على شهادة أبيه (صلوات الله عليهما)، جاء فيه: في (مناقب آل أبي طالب) لإبن شهر آشوب:
قال الصادق (عليه السَّلام): بكى عليّ بن الحسين (عليه السَّلام) عشرين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولىً له: جعلت فداك يا ابن رسول الله، إنّي أخاف أن تكون من الهالكين، قال: إنّما أشكو بتي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة.
وفي رواية أنّه قيل له: أما آن لحزنك أن ينقضي؟!
فقال لسائله: ويحك! إنّ يعقوب النبيّ (عليه السَّلام) كان له اثنا عشر ابناً، فغيّب الله واحداً منهم، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه، واحدودب ظهره من الغمّ، وكان ابنه ـ أي يوسف (عليه السَّلام) ـ حيّاً في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي، وأخي، وعمّي، وسبعة عشر من أهل بيتي، مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني؟!
وقد ذكر أبو نعيم الأصفهانيّ - أحد كبار محدّثي علماء السنة - في كتابه (حلية الأولياء) مثله، وقيل: إنه (عليه السَّلام) بكى حتى خيف على عينيه).
وفي (كامل الزيارات) روى ابن قولويه عن بعض الأصحاب قوله: أشرف مولىً لعليّ بن الحسين (عليهما السَّلام) وهو في سقيفة له ساجد يبكي، فقال له: يا عليّ بن الحسين، أما آن لحزنك أن ينقضي؟!
فرفع رأسه إليه فقال: (ويلك! والله لقد شكا يعقوب إلى ربّه في أقلّ مما رأيت حين قال: «يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ»! وإنّه فقد ابناً واحداً، وأنا رأيت أبي، وجماعة أهل بيتي يذبّحون حولي!)
نبقى مع الإمام السجّاد عليّ بن الحسين وأحزانه العميقة الممتدّة، مصحوبة ببيانات هي أقرب ما تكون إلى مأتم عزاء مذكّرة بالمصاب الجلل. يروي الشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه) في أماليه عن أبي حمزة الثماليّ، قال: نظر عليّ بن الحسين زين العابدين إلى ابن عمّه عبيد الله ابن العباس، فاستعبر، ثمّ قال: ما من يوم أشدّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يوم أحد، قتل فيه عمّه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، وبعده يوم مؤته، قتل فيه ابن عمّه جعفر بن أبي طالب!
ثمّ قال (عليه السَّلام): ولا يوم كيوم الحسين، ازدلف إليه ثلاثون الف رجل يزعمون أنّهم من هذه الأمة، كلّ يتقرّب إلى الله عزّوجلّ بدمه، وهو بالله يذكّرهم فلا يتعظون، حتى قتلوه بغياً، وظلماً وعدواناً.
وروي عنه أنه كان إذا حضر الطعام لإفطاره، ذكر قتلاه، وقال: (وا كرباه)- يكرّر ذلك، ويقول: (قتل ابن رسول الله عطشاناً وقتل ابن رسول الله جائعاً)، حتى يبلّ بالدموع ثيابه وطعامه.
وفي رواية قال الإمام الصادق (سلام الله عليه): (كان جدّي عليّ بن الحسين (عليه السَّلام) اذا ذكره بكى... حتى تملأ عيناه لحيته، وحتى يبكي لبكائه – رحمة له- من رآه).
وعن الإمام الباقر (عليه السَّلام)، قال: (كان عليّ بن الحسين يقول: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليّ دمعة حتى تسيل على خدّه لأذىً مسّنا من عدوّنا في الدنيا، بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنة).
وممّا نسب اليه من الشعر واشتهر، قوله (عليه السَّلام):

نحن بنو المصطفى ذوو غصص

يجرعها في الأنام كاظمنا

عظيمة في الأنام محنتنا

أوّلنا مبتلىً .. وآخرنا

يفرح هذا الورى بعيدهم

ونحن أعيادنا مآتمنا

إذن فقد تأسّى الإمام علي زين العابدين (عليه السَّلام) بجدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) في الإهتمام بإقامة المجالس الحسينية وتذكير المسلمين بعظمة المصاب الحسيني بمختلف الصور، إذ أن في ذلك حفظ الإسلام المحمدي النقي.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة