البث المباشر

البركات الاجتماعية للمجالس الحسيني

الأحد 23 يونيو 2019 - 11:52 بتوقيت طهران

يالخطب .. زلزل السبع الشدادا

ولقد أوهي من الدًين العمادا

ورمي الاسلام سهما غادرا

فأصاب القلب منه والفؤادا

وكسا الإيمان ثوبا كاسفا

بيض أيام الهنا عادت سوادا

ومصاب هد أركان الهدي

والمعالي والعلي .. ثم الرشادا

ذاك رزء المصطفي والمرتضي

وذوي الايمان بدءا ومعادا

بالحسين الطهر مصباح الهدي

من لبنيان العلي والفخر شادا

إن مصيبة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه تبقي مفجعة مدي الدهر، كما تبقي قصتها المأساوية تتلي علي الأجيال ترعاها عناية الناحية المقدسة، كما رعتها من قبل عنايات أهل البيت الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام، حيث أثاروا كما أثارت قلوبهم جمراتها التي ما انفكت تتأجج، وقد تطلبوا لها اسباب الشجي ومثيرات الاسي.
روي الشيخ المجلسي في (بحار الانوار) عن تأليفات الاصحاب، أن الامام الحسن المجتبي (عليه السلام) لما دنت منه الوفاة وجري السم في بدنه، قال له أخوه الحسين (عليه السلام): مالي أري لونك مائلا الي الخضرة؟!
فبكي الحسن ثم قال: "يا أخي لقد صح حديث جدٌي فيٌ وفيك".
ثم اعتنقه طويلاً، وبكيا كثيراً، فسئل الامام الحسن عن ذلك فقال (عليه السلام):
أخبرني جدٌي قال: لما دخلت - ليلة المعراج - روضات الجنان، ومررت علي منازل أهل الايمان، رأيت قصرين عاليين، متجاورين، علي صفة واحدة، إلا أن أحدهما من الزبرجد الأخضر، والاخر من الياقوت الأحمر، فقلت: يا جبرئيل، لمن هذان القصران؟
فقال: أحدهما للحسن، والآخر للحسين.
فقلت: يا جبرئيل، فلم لم يكونا علي لون واحد؟!
فسكت ولم يرد جواباً!
فقلت: لم لا تتكلم؟!
قال حياءاً منك، فقلت له: سألتك بالله إلا ما أخبرتني.
فقال: أما الخضرة قصر الحسن.
فأنه يموت بالسم ويخضر لونه عند موته، وأما حمرة قصر الحسين. فإنه يقتل ويحمر وجهه بالدم! فضج الحاضرون بالبكاء.
أجل، فكان ذلك المحضر مجلسا تأبينيا، ومأتما ذكرت فيه شهادة الامام الحسين مع أخيه الامام الحسن صلوات ربنا عليهما وكم استحث أهل البيت أصحابهم أن يذكروا ذلك ويذكروا به، وينشدوا ما يهيج أحزان الطف فلا تنسي كربلاء، ولايغيب يوم عاشوراء.

*******

في الحلقة السابقة من برنامجكم هذا (تأريخ المجالس الحسينية) تقدم الحديث عن بركات إقامة مجالس العزاء الحسيني أو المشاركة فيها علي الصعيد الفردي، في هذه الحلقة يحدثنا سماحة الدكتور زهير غزاوي الاستاذ الجامعي من سوريا عن البركات الاجتماعية لهذه المجالس:
الدكتور زهير غزاوي: في هذه المناسبة الكريمة والحزينة والمباركة، ذكرى عاشوراء واستشهاد الامام الحسين (عليه السلام) وكثير من افراد عائلته اهل بيت رسول الله، كي نلخص كلمة البركات او البركة او الفائدة من مجموع العوامل وخاصة في قضايا اجتماعية لكن قبل ذلك اود ان اشير الى ان هذه المجالس قد انتقدت كثيراً عبر التاريخ من قبل السلطة، من قبل غلاة السلفيين، من قبل النواصب يعني اعداء اهل بيت رسول الله، ضمور عداوة لأهل بيت رسول الله لأقامة المجالس بدات منذ زمن معاوية بن ابي سفيان والحقيقة المجزرة حدثت في زمن ابنه يزيد والذي قضى قبل تمكن الامام علي زين العابدين (سلام الله عليه) من البدأ في تأسيس مدرسة اهل البيت عبر هذه المجالس الحسينية.
تأثير هذه المجالس اجتماعياً انا لا اقول ان الامام علي زين العابدين استن طقس البكاء واؤيد ان ما من طعام وضع امامه الا بكى ولكن كان يهدف من خلال اثارة المجالس الحسينية يعني ذكرى استشهاد اهل بيته في كل مناسبة الى تحريض المسلمين على النظام القائم بأنه نظام ظالم، نظام يسيء الى الاسلام، نظام طاغية، نظام يدمر الكفاءات الاجتماعية ويدفع المسلمين بأتجاه القتال مع الخارج من اجل التغطية على مظالمه الداخلية، واقع هذا العمل للامام زين العابدين هو مهمته الرئيسية طوال عمره الذي استمر ثمانية وخمسين عاماً، هذا في البداية وقد اصبحت هذه العملية سنة ولكن السلطة لن تقف ساكتة، السلطات سواءاً العباسية او العثمانية او غيرها يعني البركات كانت في احياء ذكرى اهل البيت واحياء ذكراهم كانت حقيقة خدمة للاسلام لأن هم الذين قاموا بالحضارة او ببعث حضاري كبير في المجتمع الاسلامي بل نحن نستطيع ان نجزم ان الحضارة الادبية العربية والاسلامية انطلقت من خلال المجالس الحسينية، هذه ربما اول البركات ان احياء ذكرى اهل البيت من خلال المجالس التي فيها احياء ذكراهم والبكاء عليهم كانت تثير الشعراء للكتابة واذا استعرضنا الكم الشعري الرائع الذي كتب بهذه المناسبة لأدركنا فضائل هذه المجالس في الادب العربي والادب الاسلامي كاملاً بدءاً من اندونيسيا وصولاً الى الولايات المتحدة الامريكية اليوم، الشيء الثاني هو تحريض الناس على حسن التزام اخلاقي ذلك ان اثارة فضائل اهل بيت رسول الله وانهم قاموا من اجل عمل حضاري اخلاقي كانت من ابرز النتائج التي ادتها المجالس الحسينية، هنا لااريد ان اتطرق الى قضية التحريض الثوري فقد بدا هذا التحريض ابرز ما بدا في ايران قبيل ثورة الامام الخميني فقد استطاع هذا الانسان ان ينظم شعبه بأتجاه الطغاة، ازالة الطغاة وقد نجح نجاحاً باهراً بأعتراف جميع المؤرخين لكن رغم العقبات الكبيرة التي اعترضت هذه المجالس فقد استمرت وقد ساعدت الفضائيات على استمرارها بمعنى ابراز هذا الحشد الرائع من المسلمين الذي يقدم افضل ما لدى مدرسة اهل البيت، ما لدى اهل بيت رسول الله من فضائل لأصلاح المجتمع يعني التركيز من خلال هذه المجالس من بركاتها على ان الامام الحسين قام للاصلاح في امة جده اذن بركات هذه المجالس انتشرت في العالم ولو لا هذه المجالس لما عرف فضائل اهل البيت ولا الاسلام، كل الاسلام ولا مضمون الاصلاح في العقيدة الاسلامية ولا مضمون الاخلاق الكريمة في العقيدة الاسلامية ومنها اخلاق الايثار والغيرية والنضال والجهاد وغيرها من الاخلاق العظيمة يعني ابرزت ان الاسلام ليس طقوساً فقط للعبادة رغم اهمية هذه الطقوس، الصلاة والصيام والزكاة وغيره ولكنه طقوس للاصلاح الاجتماعي، الاسلام كان ديناً ودولة، ديناً ونظاماً سياسياً فتمكنت هذه المجالس من ابراز هذا الموضوع بأجلى صوره.

*******

روى الشيخ الطوسي في (اختيار معرفة الرجال) عن زيد الشحام في خبرٍ له ان الامام جعفر الصادق (عليه السلام) قال لجعفر بن عفان الطائي بعد ان قرّبه وأدناه: "يا جعفر بلغني انك تقول الشعر في الحسين (عليه السلام) وتُجيد".
قال: نعم، جُعلت فداك فأنشده - قيل في هذه القصيده كما في (المجالس الفاخرة) للسيد شرف الدين الموسوي اعلى الله مقامه:

ليبكِ على الاسلام من كان باكياً

فقد ضُّيعت احكامه واستحلّتِ

غداة حسينٌ للرماح دريئةَ

وقد نهلت منه السيوف وعلّتِ

وغودرَ في الصحراء شلواً مبددا

عليه عتاق الطير باتت وظلتِ

فما نصرتهُ امةُ السوء اذ دعا

لقد طاشت الاحلام منهم وضلّتِ

وما حفظت قرب النبيَ ولا رعت

وزلّت بها اقدامها واستزلتِ

اذاقته حرّ القتل امة جدّهِ

فتبّت اكفَّ الظالمين وشُلّتِ

فبكى الامام الصادق (عليه السلام) وبكى من حولهُ حتى سالت الدموع على وجهه ولحيته ثمّ قال لجعفر بن عثمان: "يا جعفر والله لقد شهدك ملائكة الله المقربون ها هنا يسمعون قولك في الحسين (عليه السلام)، ولقد بكوا كما بكينا واكثر ولقد اوجب الله لك يا جعفر في ساعتك الجنة بأسرها، وغفر لك".
ثم قال (عليه السلام) له: الا ازيدك؟!
قال: نعم، يا سيدي.
قال: ما من احد قال في الحسين (عليه السلام) شعراًَ فبكى وابكى به، الا اوجب الله له الجنة وغفر له.
نبقى مع الامام الصادق (عليه السلام) وقد توافد عليه الشعراء والشعر يومَذاك وسيلة اعلام صادعة وبيانات مواقف قارعة فكان يأمرهم بان ينشدوا فيأتمرون فأذا المجلس مأتم شريف، فيه ذكر آل الله وذكر مصائبهم ونوائبهم وقد رعاه امام هدىِ معصوم مهيب.
في (امالي الصدوق) و(كامل الزيارات) لابن قولويه وكذا في ثواب الاعمال للشيخ الصدوق عن ابي عماره المنشد أن الامام الصادق (عليه السلام) قال له: يا ابا عمارة، انشدني للعبديّ في الحسين (عليه السلام).
قال ابو عمارة: فانشدته فبكى، ثم انشدته فبكى فوالله ما زلت انشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار.
فقال (عليه السلام) لي: يا ابا عماره من انشد في الحسين شعراًَ فابكى خمسين فله الجنة، ومن انشد في الحسين شعراً فابكى اربعين فله الجنة، ومن انشد في الحسين شعراً فابكى ثلاثين فله الجنة، ومن انشد في الحسين شعراً فابكى عشرين فله الجنه، ومن انشد في الحسين شعراً فابكى عشرة فله الجنه، ومن انشد في الحسين شعراً فابكى واحداً فله الجنة، ومن انشد في الحسين شعراً فبكى فله الجنة، ومن انشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنة.
نعم ولو تشبّه المنشد باهل البكاء وحاول ان يتمثل حالهم في الحزن والعزاء، فلعل الله تبارك وتعالى ان يرزقه انعطاف نفس او انكسار قلب فتذرف عيناه قطرة دمعٍ حزينة فيها ولاء ومحبة وتعاطف وقديماً، قال شاعر متواضع:

احبّ الصالحين ولستُ منهم

لعلّ الله يرزقني الصلاحا

وقال شاعر آخر واعظ:

وتشبّهوا بالصالحين تأسياًَ

ان التشبّه بالصلاحِ صلاحُ

ونعود الى الامام الصادق (عليه السلام) فيروي عنه ابو هارون المكفوف قائلاً:
قال لي ابو عبد الله (عليه السلام): يا ابا هارون، انشدني في الحسين (عليه السلام).
قال: فانشدتُه.
فقال: انشدني كما تنشدون يعني بالرقة.
قال ابو هارون: فانشدتُه.

امرر على جدث الحسين

وقل لاعظمه الزكية

يا اعظما لا زلتِ من

وطفاء ساكبة رويّة

وآبك المطهر للمطهر

والمطهرة التقية

كبكاء مُعولةٍ اتت

يوماً لواحدها المنية

قال فبكى ثم قال: زدني فاتشدته القصيده الاخرى.
فبكى فسمعت بكاءً من خلف الستر!
ثم ذكر (عليه السلام) لابي هارون بعض ثوابات انشاد الشعر في سيد الشهداء (عليه السلام) وابكاء الناس عليه، الى ان قال له:"ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدمع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله ولم يرض له بدون الجنة".
اجل لعظم شأن الحسين (سلام الله عليه) عند الله تبارك وتعالى ولسموّ شرفه ومحبة الله له واكرامه ولجلال الحسين وعظيم مصابه وعن (كامل الزيارات) روى الشيخ المجلسي ان عبد الله بن غالب قال دخلت على ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) فانشدته مرثية الحسين بن علي (عليهم السلام) فلمّا انتهيت الى هذا الموضع: لبليّة تسقو حسينا بمسقاة الثرى غير التراب!

صاحت باكية من الباكيات والمظنون

انها احدى العلويات صاحت يا أبتاه

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة