البث المباشر

حدوث تغيرات كونية لمقتل الحسين (عليه السلام)

الأحد 23 يونيو 2019 - 12:36 بتوقيت طهران

أراك وقد غالبتك الدموع

لها من مذاب حشاك انهمار

لعلّك ممّن شجته الديار

عداك الحجي إن شجتك الديار

فدعها ولا تك ذا مهجة

أهاجت جواها الرّسوم الدّثار

وقم باكياً من بكته السّماء

وأظلم حزناً عليه النهار

غداة قضي ظامياً بالعراء

يكفـّنه العيثر المستثار

حقيق علي العين أن تستهلّ دماً

مثل ما يستهل القطار

إن مما اشتهر في الكتب ولم يشتهر بين الناس، هو بكاء العوالم علي الإمام الحسين (عليه السلام) بعد شهادته، وانقلاب أحوالها، وحتي تبدّل سننها، فأمطرت السماء دماً، وتراباً أحمر، واظلمّ الهواء، وانكدرت الكواكب، وحدث ما ظنّ الناس أنّ القيامة قد قامت.
نعم، وذلك موضوع يطول بيانه إذا أريد عرضه مع وثائقه الخبريّة التي امتدّت صفحات كثيرةً في كتب المسلمين سنّة وشيعة ولضيق المقام دعونا أن نشير إشارات، مرشدين إلي المصادر - مراعين في ذلك الاختصار- فما لا يدرك كلّه، لا يترك كلّه.
في كتاب (إحقاق الحقّ) للسيّد نور الله القاضي الشهيد التـّستريّ - جاء في ملحقاته ما يزيد علي عشرين صفحة، في نوح الجنّ علي الإمام الحسين (عليه السلام)، من عشرات المصادر السنية فقط: كالمعجم الكبير للطبرانيّ، وذخائر العقبي للمحبّ الطبريّ، وتاريخ الإسلام للذهبيّ، ونظم درر السمطين للزرنديّ الحنفيّ، والإصابة لابن حجر العسقلانيّ، ومجمع الزوائد للهيثمي الشافعي، ووسيلة المآل للحضرميّ، وتاريخ دمشق لابن عساكر الدمشقيّ وغيرها من عيون مصادر المسلمين، بأسانيد كثيرة تنتهي إلي أمّ سلمة أمّ المؤمنين (رضي الله) عنها أنّها سمعت نوح الجنّ، وكان ممّا سمعته قول أحد أولئك:

ألا يا عين فاحتفلي بجهد

و من يبكي علي الشهداء بعدي

علي رهط تقودهم المنايا

إلي متحيّر في ملك عبد

وكذا قولهم:

أيّها القاتلون جهلاً حسيناً

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

ونبيّ ومرسل وقبيل

قد لعنتم علي لسان ابن داوود

و موسي، وصاحب الإنجيل

وعن غير أم سلمة، روي جماعة سماعهم هاتفاً ينشد أشعاراً في رثاء الحسين (سلام الله عليه).
وقد عقد العلامة المجلسي فصلاً لهذا الموضوع في موسوعته (بحار الأنوار)، وكذا المؤرخ الشهير محمّد تقي سپهر في كتابه (ناسخ التواريخ)، ونكتفي هنا بما رواه الكليني في (الكافي) والصدوق في (ثواب الأعمال) وغيرهما، أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (وكل الله بقبر الحسين (عليه السلام) أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلي يوم القيامة). كذا نكتفي بما قاله الشاعر:

يا عين جودي بالعبر

وابكي فقد حقّ الخبر

إبكي ابن فاطمة الذي

ورد الفرات فما صدر

الجنّ تبكي شجوها

لمّا أتي منه الخبر

قتل الحسين ورهطه

تعساً لذلك من خبر!

*******

لقد صحت الروايات من طرق مختلف المذاهب الإسلامية بحدوث تغيرات كونية لمقتل الحسين (عليه السلام) وما تعبر عنه الروايات ببكاء الأرض والسماء والملائكة والحيتان والطيور وغيرها عليه، فما معني ذلك وكيف نفسر هذه الظاهرة؟
لقد صحت الروايات من طرق مختلف المذاهب الاسلامية بحدوث تغييرات كونية لمقتل الحسين (عليه السلام) ولاتعبر عنه الروايات ببكاء الارض والسماء والملائكة والحيتان والطيور وغيرها عليه، فما معنى ذلك وكيف نفسر هذه الظاهرة؟ هذا هو سؤال الحلقة الخامسة والعشرين من برنامج تاريخ المجالس الحسينية يجيبنا عنه مشكوراً سماحة السيد جعفر فضل الله الباحث الاسلامي من بيروت:
السيد جعفر فضل الله: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين وعلى جميع الانبياء والمرسلين.
قد تكون هذه الروايات اشارة الى جانب رمزي يتعلق بمستوى الفضاعة التي ارتكبها هؤلاء عندما اقدموا على قتل ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الامام الحسين الذي كان ريحانة رسول الله بما يمثله رسول الله من رسالية ومن نبوة ومن تجسيد للانسان الكامل على هذه الارض لا بما يمثله من شخص له صفات شخصية يحب ابن بنته محبة شخصية، اننا نفهمها محبة رسالية لذلك نعتقد ان منزلة الحسين (عليه السلام) عند الله سبحانه وتعالى هي منزلة عظيمة جداً ربما اشار اليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما قال: "حسين مني وانا من حسين" وعندما اكد للمسلمين ان الحسين واخاه الحسن (عليهما السلام) سيدا شباب اهل الجنة وانهما امامان قاما او قعدا وان الله سبحانه وتعالى يحب من احب الحسن والحسين ولذلك عندما نقرأ في القرآن الكريم ان كل الكون يسبح بحمد الله تعالى ولكن نحن لا نفقه تسبيح ذلك الكون «وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» فقد نشعر ان هذه الذرات الكونية هي من خلال قيامها على اساس التوحيد وعلى اساس الاذعان بالعبودية لله سبحانه وتعالى بشكل قهرت عليه فأنه هذا الكون لابد ان يتفاعل ولو بنحو رمزي مع هذه الفضاعة وهذه الوحشية وهذه الجريمة الكبرى التي يرتكبها الانسان بحق نفسه قبل ان يرتكبها بحق الكون والتاريخ والمجتمع والمستقبل، بطبيعة الحال الانسان موجود على هذه الارض لكي يتجانس مع هذا الكون في قيامه على اساس الحق وفي تحركه في خط التوحيد وفي انطلاقه في خط الحمد لله سبحانه وتعالى بكل ما يمثله الحمد من حالة شكر لكل النعم التي ينبغي للانسان بأن لا يحركها الا في الخط الذي يرضاه الله تعالى فهذا التجانس هو الذي يحقق للانسان منزلته عند الله وعندما يتنافر الانسان مع حركة الكون ومع قاعدة الكون ومع انطلاقة الكون وهدفية الكون فأنه بذلك يستحق لعنات كل ذرة من هذه الذرات وان كل انسان عندما يبلغ عند الله هذا الشأن لتجسيده للحق وللتوحيد وللعدالة وللاخلاق وللقيم فأننا لا نستبعد ان يبكي عليه الكون وان يحزن عليه الملائكة لأن الملائكة تنطلق من خلال امر الله وفي خط الله وبالتالي يسوءها كل ما قد يصيب عباد الله من الابتعاد عن الانسانية التي يبتعد فيها اناس عن انسانيتهم وعن فطرتهم لكي يسفكوا الدم وليقتلوا البرئ ولكي ينطلقوا ويمارسوا اكبر الجرائم بحق الانسان والاسلام، بكل الاحوال هذه اشارات التي تمثل نوعاً من الرمزية التي تشير اليها الاحاديث ربما اشارات رمزية تتحرك في كل خط ينطلق فيه الانسان ليطيع ابليس في وساوسه وتسويلاته ودفعه للانسان نحو الجريمة والوحشية وفي كل موقع ينطلق فيه الانسان ليجسد الحق ويجسد التوحيد وينطلق ليثبت على اساس ذلك حتى يلقى الشهادة والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

*******

حديثنا فيها عن بكاء المخلوقات علي سيد الشهداء (سلام الله عليه) وأمّا السماء فكان لها بكاء خاص علي سيّد الشهداء (عليه السلام)، بناء علي ما توافدت به الروايات والأخبار، سنيّة وشيعية، ذكرها كتاب (إحقاق الحقّ)، وكتاب (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)) أكدها عن الإمام الرضا (عليه السلام) في قوله: (ولقد بكت السماوات السّبع والأرضون لقتله (عليه السلام))، فيما روي أبو نعيم عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) إنباءه بأنّ في موضع كربلاء يقتل فتية من آل محمد تبكي عليهم السماء والأرض.
ثم قال: بأبي من لا ناصر له إلّا الله!
هذا فيما روي الراوندي في قصصه عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في ظلّ الآية المباركة «لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا».
قال: يحيي بن زكريّا (عليه السلام) لم يكن له سميّ قبله، والحسين بن عليّ (عليه السلام) لم يكن له سميّ قبله، وبكت السماء عليهما أربعين صباحاً، وكذلك بكت الشمس عليهما، وبكاؤها أن تطلع حمراء وتغيب.
أمّا الزيارات التي زار بها أئمة الهدي أبا عبد الله الحسين (صلوات الله عليه)، فقد صرّحت بهذا المعني في نصوص شريفة كثيرة، منها: (أشهد أنّ دمك سكن في الخلد، واقشعرّت له أظلّة العرش، وبكي له جميع الخلائق، وبكت له السماوات السّبع، والأرضون السّبع، وما فيهنّ وما بينهنّ)، (السلام عليك يا من بكت في مصابه السّماوات العلي).
وفي الجزء الخامس والأربعين من (بحار الأنوار)، وكذا (ناسخ التواريخ)، فصل معقود لهذا الموضوع يراجع في محلّه، ونقف نحن عنده مع ما قاله أحد الشعراء، نقلاً عن (مناقب آل أبي طالب) لابن شهر آشوب:

بكت الأرض فقده وبكته

بأحمرار له نواحي السّماء

بكتا فقده أربعين صباحاً

كلّ يوم عند الضّحي والمساء

كذا نقف علي إحالة المتتبّع لهذا الموضوع إلي بعض المصادر التي أكدّته من خلال ما نقلته من الأخبار التي صحّت عندها، منها: مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي، وذخائر العقبي للمحبّ الطبريّ، وتاريخ دمشق، والصواعق المحرقة لابن حجر، وينابيع المودّة للقندوزي الحنفي، والإتحاف بحبّ الأشراف للشبراوي الشافعي، وتاريخ الاسلام للذهبي، وتذكرة خواصّ الأمّة لسبط ابن الجوزيّ، ونور الأبصار للشبلنجيّ الشافعي، ووسيلة المآل للحضرميّ، والخصائص الكبري للسيوطيّ وغيرها عشرات.
وإذا أردنا أن نوجز الأمر، فعلينا أن نقول: إن جميع المخلوقات قد بكت الحسين (عليه السلام) بعد شهادته، وأقامت مأتمها علي النحو الذي يتناسب مع طبيعتها.
هكذا روي ابن قولويه في (كامل الزيارات) عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (إنّ السماء بكت علي الحسين (عليه السلام) أربعين صباحاً بالدم، وإنّ الأرض بكت أربعين صباحاً بالسّواد، وإنّ الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وإنّ الجبال تقطّعت وانتثرت، وإنّ البحار تفجّرت، وإنّ الملائكة بكت أربعين صباحاً علي الحسين (عليه السلام)).
ولهذا الموضوع عقدت فصول في المؤلفات التي تعرّضت لما جري بعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) من انقلاب العوالم، أشار إليها الجزء الحادي عشر من كتاب (إحقاق الحقّ) في عشرات الصفحات عن عشرات المصادر السنية فقط، كذلك كتاب (ناسخ التواريخ) في الأجزاء المتعلّقة بتاريخ حياة سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه)، ونقف في هذا الموضوع علي ما أنبأ به الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) وهو يحدّث أخاه الحسين (عليه السلام) ساعة احتضاره، حيث قال له فيما قال: (ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ... عندها تحلّ ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شيء).
أجل، لقد كان من مصائب سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه)، ما جعل الكائنات منذ أوائل الخلق تبكيه وتنوح عليه، كذا ورد في اللّوح والقلم والعرش، وفي الأنبياء والمرسلين، والأولياء والأوصياء والصالحين، وجميع الموجودات والمخلوقات، واللّافت في الأمر أن البكاء كان قبل شهادة الحسين (سلام الله عليه) بل قبل خلقه في هذه الدنيا، بل قبل خلق الكائنات. كان البكاء واستمر، وكان ويستمرّ، إنّها نياحات ومآتم تقام، في السماوات والأرضين، بين الإنس والجنّ والملائكة، في كلّ زمان ومكان، في كلّ بلد وكلِّ صقع من أصقاع العالم، بل وفي كلّ العوالم، ليل نهار، من قبل جميع الأمم والنّحل والأقوام والأديان، وعلي جميع الافاق والحالات والهيئات والتشكيلات.
أفبعد هذا يطلب من الحسين دليل علي مظلوميته، أو برهان علي عظمته، أو علي فريد معجزته؟!

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة