البث المباشر

أبرز خصائص مجالس الامام الباقر (عليه السلام) في الرثاء الحسيني

الأحد 23 يونيو 2019 - 11:51 بتوقيت طهران

بأيّ حمي القلب الخليط مولّع

وفي أيّ واد كاد صبرك ينزع

إذا أنكرت منك الديار صبابةً

قد عرّفتها أدمع منك همّع

و قفن بها .. لكنّها أيّ وقفةٍ

وجدن قلوباً قد جرت وهي أدمع

جزعت ولكن لا لمن بان ركبهم

ولولاك يوم الطفّ ما كنت أجزع

قضت فيك عطشي من بني الوحي فتية

سقتها العدي كأس الرّدي وهو مترع

كلنا نسمع قصّه كربلاء، وكلّنا نحزن ونأسي، وربما اكتابنا وبكينا بلوعة وعمق ومرارة. لكن، وكما يقول المثل الشّعريّ: وما راءٍ كمن سمعا وكلنا قد نفهم أموراً وشؤوناً من قضيّة الطفّ الأليمة. لكنّ أهل المعني والمعرفة يفهمون أموراً وشؤوناً أخري هي من عوالم الغيوب وأعماق المعارف وأنوار العلم الإلهيّ، فهم أهل الولاية والهداية. وأمّا أئمّة الحقّ والهدي صلوات الله عليهم، فهم في كلّ الفضائل. كما تصفهم الزيارة الجامعة الكبيرة أنّهم لا يلحقهم لاحق، ولا يفوقهم فائق، ولا يسبقهم سابق، بل هم صلوات ربّنا عليهم من لا يطمع في إدراكهم طامع ولذا كانت لهم حالات خاصّة في عباداتهم وعلومهم ومصائبهم، وقد اطّلعت أرواحهم العالية القدسيّة علي ما جري علي سيّد شباب أهل الجنّة أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه)، فأخذ مصابه الشريف منهم مأخذه الذي لا ينفك، فلا عجب أن يطول منهم أسيً وحزن وعزاء، أو يغشي عليهم من شدّة النحيب والبكاء، لأنّهم علموا ما كان في كربلاء، وأيّ نازلة عظمي نزلت يوم عاشوراء!!
وإذا كان للأئمّة أوصياء رسول الله أصحاب، فإنّ من بين أصحابهم جماعةً من الشعراء من أهل الروائع في الرثاء والتسلية وذكر مصائب أهل البيت النبويّ الشريف، كان منهم الكميت بن زيد الأسدي الذي ذكر مصائب آل الرسول صلوات الله عليه وعليهم في قصائد عديدة سمّيت فيما بعد بـ"الهاشميات"، أنشد معظمها في مجالس الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين، والإمام محمّد بن عليّ الباقر، والإمام جعفر بن محمّد الصادق (سلام الله عليهم). الذين كانوا يحثـّون ويشجّعون علي إنشاد الشعر في الحسين الشهيد المظلوم وبيان عظيم نكباته، ويهيّئون الأجواء لذلك، ويدعون إلي إلقاء القصائد علي طريقة أهل الشّعر أو أهل العزاء، ليكون أشجي وأدعي للحزن والبكاء.

*******

وقبل أن ننقل لكم ما روي بشأن مجالس العزاء الحسيني التي كان يقيمها الإمام الباقر (عليه السلام)، نستمع لما يقوله ضيف هذه الحلقة من برنامج تاريخ المجالس الحسينية سماحة الشيخ علي ياسين باحث اسلامي من لبنان عن بركات المشاركة في العزاء الحسيني:
الشيخ علي ياسين: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه المنتجبين.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة" والامام الحسين (سلام الله عليه) الذي احيا دين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابقى اثراً في قلوب كل الناس ليس فقط للمسلمين وان كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "ان لدم الحسين عليه حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد ابداً" فمن اعتاد على اقامة مجالس سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) يشعر بعلاقة خاصة لأهل البيت وبقرب من الله سبحانه وتعالى وهذه العلاقة والقرب تحمله على الالتزام بما امر به الله وجاء به رسول الله ولما استشهد من اجله الامام الحسين (عليه السلام) لأنه حين اذن يعيش الاسلام من خلال علاقته بالامام الحسين ولمجالس الامام الحسين مجال واسع للذي يقيمها وانا اتكلم هنا عن تجربة، المسؤول عن جمعية تقيم العاشر من محرم بأداة تمثيلي في بلدتنا اسمها جمعية الزهراء تجمع الكثير وفقد اثرت في نفوس الكثير، كل من يحضر تمثيلية هذه الواقعة وهذا المجلس ينشد نحو اهل البيت اكثر ويشعر بحالة نفسية ولها تأثير حتى على صحة الكثيرين العلاقة الخاصة التي تحصل مع الامام الحسين تحدث في النفس الاطمئنان وان كان يشعر الانسان بالحزن لكن تحدث الاطمئنان في النفوس وتمتن العلاقات بين من يحضر مجالس الامام الحسين (عليه السلام) فيتفقد بعضهم بعضاً ويسأل بعضهم عن احوال بعض ويحمل بعضهم هم بعض ويتذكرون كيف كانت العلاقة مع اصحاب الامام الحسين (عليه السلام) لأن من خلال استدامة الحضور في مجالس عزاء الامام الحسين (سلام الله عليه) يشعر الانسان انه قريب من اصحاب الامام الحسين وان كان قريباً من اصحاب الحسين (عليه السلام) حينئذ يتوجه نحو عبودية الله سبحانه وتعالى ولايبقى عبداً للدنيا كما هو ديدن اكثر الناس البعيدين عن خط اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، فهذه العلاقة تنمو من حين الى حين ولذا نرى ان حضار مجلس الامام الحسين (عليه السلام) يحمل بعضهم هم بعض ويسأل بعضهم عن حاجات بعض فأذا مرض عاده لأنهم يشعروا انهم صاروا من اصحاب الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******

كتب المؤرخ المعروف، المسعوديّ في كتابه (مروج الذهب) قال: قدم الكميت بن زيد الأسدي المدينة فأتي أبا جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين ابن عليّ رضي الله عنهم [أي الإمام الباقر (عليه السلام)]، فأذن له ليلاً وأنشده ميمّيته:

من لقلب متيم مستهام

غير ما صبوة ولا أحلام؟

فلمّا بلغ قوله:

وقتيل بالطّفّ غودر منهم

بين غوغاء أمّة وطغام!

بكي أبو جعفر (الباقر)، ثمّ قال له: يا كميت، لو كان عندنا مال لأعطيناك، ولكن لك ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحسّان بن ثابت: لازلت مؤيّداً بروح القدس ما ذببت عنّا أهل البيت.
وفي رواية ابن شهر آشوب في مؤلّفه (مناقب آل أبي طالب) أنّ الكميت بعد أن أنشد قصيدته هذه، توجّه الإمام الباقر (عليه السلام) إلي الكعبة فقال: (اللّهمّ ارحم الكميت واغفر له)، وقدّم له مبلغاً، فأبي الكميت قائلاً: تكرمني بقميص من قمصك.
فأعطاه، فقال رحمه الله: والله ما أحببتكم للدنيا ولكننّي أحببتكم للآخرة، فأمّا الثياب التي أصابت أجسامكم فأنا أقبلها لبركاتها.
وفي (كتاب الأغاني) للأصفهانيّ، و(خزانة الأدب) للبغداديّ، أنّ الكميت دخل علي الإمام الصادق (عليه السلام) أيّام التشريق بمني فأراد أن ينشده، فبعث الإمام إلي بعض أهله وقربّهم، فأنشده الكميت لاميّته، وأوّلها:

ألا هل عم في رأيه متأمّل

وهل مدبر بعد الإساءة مقبل

حتي أتي علي هذا البيت:

يصيب به الرامون عن غير قوسهم

فيا آخراً أسدي له الغي أوّل

وكان كثر البكاء، وارتفعت الأصوات، فلمّا بلغ قوله في الإمام الحسين (عليه السلام):

كأن حسيناً والبها ليل حوله

لأسيافهم ما يختلي المتبتـّل

وغاب نبيّ الله عنهم .. وفقده

علي الناس رزء ماهناك مجلّل

فلم أر مخذولاً أجلّ مصيبةً

وأوجب منه نصرة حين يخذل!

فكان ذلك الإنشاد يصاحبه البكاء والتفجّع مأتماً ختمه الإمام الصادق (عليه السلام) بأن أتحف الكميت بهذا الدعاء وهو رافع يديه الشريفتين الكريمتين: (اللهّمّ اغفر للكميت ما قدّم وما أخّر، وما أسّر وما أعلن، وأعطه حتي يرضي).
وجاء في كتاب (كامل الزيارات) لابن قولويه، و(مصباح المتهجّد) للشيخ الطوسيّ، و(البلد الأمين) للكفعميّ ... وغيرها، في أعمال يوم عاشوراء، قول الإمام الباقر (عليه السلام): من أراد ذلك (أي زيارة الحسين (عليه السلام)) وكان بعيداً عنه (عليه السلام)، فليبرز إلي الصحراء، أو يصعد سطحاً مرتفعاً في داره ويومئ إليه (عليه السلام) بالسلام، ويجتهد في الدعاء علي قاتله، ثمّ يصلّ ركعتين، وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس، ثمّ ليندب الحسين (عليه السلام) ويبكه، ويأمر من في داره بذلك ممّن لا يتقـّيه، وليقم مع من حضره المصيبة بإظهار الجزع، وليعزّ بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين (عليه السلام)، فيقولون: عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثأره مع وليّه الإمام المهديّ من آل محمّد (عليهم السلام).
ثم ّ تلا (عليه السلام) زيارة عاشوراء.
وفي كتاب (مستدرك الوسائل) للميرزا النوريّ أنّ ابن خارجة قال: كنّا عند أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام)، فذكرنا الحسين بن عليّ (عليه السلام) وعلي قاتله لعنة الله - فبكي أبو عبد الله (عليه السلام) وبكينا، ثمّ رفع رأسه فقال:
قال الحسين بن علي (عليه السلام): أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلّا بكي.
وفي (كامل الزيارات) عن أبي عمارة المنشد، قال: ما ذكر الحسين بن عليّ (عليه السلام) عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في يوم قطّ فرئي مبتسماً في ذلك اليوم إلي اللّيل، وكان (عليه السلام) يقول: (الحسين عبرة كل مؤمن).
وقال عبد الله بن سنان: دخلت علي سيّدي أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) يوم عاشوراء، فألفيته كاسف اللّون، ظاهر الحزن، ودموعه تنحدر من عينيه كاللّؤلؤ المتساقط، فقلت: يا ابن رسول الله، ممّ بكاؤك - لا أبكي الله عينيك -؟!
فقال لي: أو في غفلة أنت؟! أو ما علمت أنّ الحسين بن عليّ (عليه السلام) قتل في مثل هذا اليوم؟!
أمّا الشيخ الكليني (أعلا الله مقامه)، فقد روي في كتابه: (الروضة من الكافي) عن سفيان بن مصعب العبدي، قال: دخلت علي أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فقال: (قولوا لأمّ فروة تجيء فتسمع ما صنع بجدّها)- وأمّ فروة هي إحدي بنات الإمام الصادق (عليه السلام) وأمّها هي أيضاً أمّ فروة، كما يذكر الشيخ المجلسيّ في (مرآة العقول) -.
قال سفيان العبديّ: فجاءت فروة فقعدت خلف السّتر.
ثمّ قال (عليه السلام) لي: أنشدنا، فقلت:

فرو جودي بدمعك المسكوب

فصاحت أمّ فروة، وصحن النساء، فقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): الباب الباب- أي راقبوا الباب، وواظبوه تقيّةً لئلا يطّلع عليهم المخالفون.
فاجتمع أهل المدينة علي الباب - علي أثر الصياح وهم لا يعلمون ما ذا جري - قال العبديّ: فبعث إليهم أبو عبد الله (عليه السلام)، أي من يقول لهم: (صبيّ لنا غشي عليه فصحن النساء).
علّق علي ذلك السيّد المقرّم في كتاب (مقتل الحسين (عليه السلام)) قائلاً: وهذا من محاسن التورية، فلقد غشي علي أطفالهم يوم الطّف، وما أدري من عني (عليه السلام) بالصبيّ؟! أهو عبد الله الرضيع ابن الإمام الحسين، أم عبد الله ابن الإمام الحسن المذبوح بالسّهم في حجر الإمام الحسين؟!

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة