البث المباشر

اقامة المجالس الحسينية من قبل مسلمين من اهل السنة

الأحد 23 يونيو 2019 - 12:34 بتوقيت طهران

أناعي قتلي الطف لازلت ناعيا

تهيج علي طول الليالي البواكيا

أعد ذكرهم في كربلا.. إن ذكرهم

طوي جزعاً طي السجل فؤاديا

ودع مقلتي تحمر بعد ابيضاضها

بعد رزايا تترك الدمع داميا

ستنسي الكري عيني كأن جفونها

حلفن بمن تنعاه أن لا تلاقيا

وتعطي الدموع المستهلات حقها

محاجر تبكي بالغوادي الغواديا

إن مصائب أهل البيت (عليهم السلام) كلها عظيمة، ولكن تبقي مصيبة الامام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أمراً آخر، وهذا مالفت العقول والاذهان، حتي سأل عبد الله بن الفضل الهاشمي الامام الصادق (عليه السلام) يقول له: يا ابن رسول الله، كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول الله (صلي الله عليه وآله)، واليوم الذي ماتت فيه فاطمة (عليها السلام)، واليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، واليوم الذي قتل فيه الحسن (عليه السلام) بالسم؟
فقال الصادق (سلام الله عليه) مجيباً إياه: إن يوم الحسين (عليه السلام) أعظم مصيبة من جميع سائر الايام وذلك أن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق علي الله تعالي، كانوا خمسة.
فلما مضي عنهم النبي (صلي الله عليه وآله) بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فكان فيهم للناس عزاء وسلوة.
فلما مضت فاطمة (عليها السلام)، كان في أمير المؤمنين والحسن والحسين للناس عزاء وسلوة فلما مضي منهم أمير المؤمنين، (عليه السلام) كان للناس في الحسن والحسين عزاء وسلوة.
فلما مضي الحسن (عليه السلام)، كان للناس في الحسين (عليه السلام) عزاء وسلوة، فلما قتل الحسين (عليه السلام)، لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة، فكان ذهابه كذهاب جميعهم، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم، فلذلك صار يومه أعظم مصيبة!
ومن هنا روي عن العقيلة المكرمة زينب الكبري (عليها السلام) أنها قالت يوم عاشوراء بما معناه: اليوم مات جدي رسول الله، اليوم ماتت أمي فاطمة، اليوم مات أبي أمير المؤمنين، اليوم مات أخي الحسن.
ودارت الاقوال والمفاهيم علي هذا المعني حتي قال الشاعر يرثي سيد الشهداء أبا عبد الله الحسين (سلام الله عليه) قائلاً:

فيك الذي أشجي البتول ونجلها

وله النبي وصنوه متفجع

من كان في حجر الامامة بالهدي

يربو، ومن صدر النبوة يرضع

فحياة أصحاب الكساء حياته

وبيوم مصرعه جميعاً صرعوا!

*******

ومن الظواهر البارزة التي شهدها تأريخ المجالس الحسينية مشاركة أو تعاطف المسلمين من مختلف مذاهبهم واتجاهاتهم مع المجالس التي يقيمها أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في تمجيد واقعة الطف الملحمية الفجيعة، بل وقد لاحظنا في السنوات الاخيرة اقامة مجالس او مواكب للعزاء الحسيني من قبل مسلمين من اهل السنة ولهذه الظاهرة دلالات مهمة يحدثنا عن ابرزها ضيف هذه الحلقة من برنامج تاريخ المجالس الحسينية سماحة الشيخ عبد الحميد المهاجر خطيب المنبر الحسيني من العراق: 
الشيخ عبد الحميد المهاجر: بسم الله الرحمن الرحيم، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
لا شك ان مجالس الامام الحسين معناها الكلمة الطيبة وان كل شعوب الارض اعني منهم الاحرار والناس الذين يبحثون عن الحق والحقيقة تأثروا وتفاعلوا بهذه المجالس بشكل كبير، الان اقرب الادلة اننا في هذا الشهر يعني لو كشف لنا عن بصر عن الكرة الارضية بلقطة واحدة وكاميرا واحدة ورؤية واحدة لرأينا ان كل الارض لا يخلو مكان يعني حتى لو ان هناك دولة، لا يخلو ان يكون فيها مكان متشح بالسواد والبكاء والدموع على الامام الحسين فتكاد تكون مجالس الامام الحسين ممتدة على الارض هذا اذا اخذناها برؤية عامة اما اذا نظرنا اليها برؤية خاصة من خلال الفضائيات التي تنطلق الان كما يقول الحق: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ» اذا رأيناها بهذا الشكل فلاشك ان بعض الفضائيات تصل الى مجالات واسعة يعني تغطي خمس قارات في العالم وهي تنقل مجلس الامام الحسين وزيارة الامام الحسين وهذه كلها دلائل وبراهين على ما تدل على الدور الكبير الذي يقوم به منبر الامام الحسين هذا جانب الجانب الاخر اذا نظرنا الى اي مؤسسة في العالم مهما كانت تلك المؤسسة فأننا نرى انها لا يمكنها ان تهيء الناس وتحضر هذه الاعداد الكبيرة كما يسمع منبر الامام الحسين (سلام الله عليه) فمجالس الامام الحسين اكاد اقول بالقطع والجزم هي اكثر المجالس قوة وتأثيراً وفاعلية في النفوس لأن الله تبارك وتعالى على لسان حبيبه المصطفى في حديث نبوي معروف: "ان لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابداً" لا تبرد يعني كل شيء له علاقة بالامام الحسين ينطلق من القلوب وهذا شيء عظيم والقلب بعادته وبوضعه لا يحول بينه وبين المرء الا الله «أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ» جعله الله منطقة حرة لا يؤثر فيها شيء، لا تؤثر فيها الدعايات، لا تؤثر فيها الغايات وانما تأخذ القضية من نبع صادق صاف واذا انطلقنا من البداية فنجد اول من اسس منبر الحسين على الوضع الطبيعي الظاهر الذي نعيشه الان وليس على الوضع الغيبي لأن اذا رجعنا الى الغيب فتتقدمنا عوالم وليس عالم واحد كما في زيارة السيدة الزهراء (سلام الله عليها): "السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل ان يخلقك" او بالنسبة للرسول (صلى الله عليه وآله) القرآن الكريم يقول عنه: «هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُولَى»، وهو يقول: «انا نبي وآدم بين الماء والطين» وكذلك الحق يقول: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ» ونحن في عالم الذر ونحن ضاعنون من عالم الذر الى عالم الاصلاب والارحام والدنيا والبرزخ والاخرة الى آخر الرحلة التي تنتهي الى الحق هناك عند رَبِّ الْعَالَمِينَ، هذه الامور يجب ان نعيها بقلوبنا وبمشاعرنا ان اول من اسس منبر الحسين اقول على الطبيعة وعلى الظاهر هو الامام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام)، بهذا الشكل وصعد المنبر ووضع خطة للمنبر وقال: "اني اصعد هذه الاعواد فأتكلم بكلمات فيهم لله رضى ولهؤلاء الجالسين اجراً وثواباً".
فيجب ان يكون منبر الحسين (سلام الله عليه) فيه حضور لله وفيه نفع للناس فأذا لم يكن هذا فلا يقال له مجلس الامام الحسين وفي القرآن الكريم اشارة واضحة لهذا المعنى بالذات: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ» يبين هذه المجالس ان مجلس الحسين منها يقول: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» تأملوا هذا التعبير العظيم، الارتفاع، الانسان يمكن ان يرتفع ببدنه على طائرة او على سطح بناية عملاقة او على قمة جبل فيرى اشياء كثيرة، اذا ارتفع الانسان بروحه وعقله فيرى حقائق اكثر، يرى مشاهد حتى في عالم الغيب ولذلك الصلاة معراج المؤمن لأنها رحلة الانسان فيقول ان مجالس الامام الحسين رحلة عالمية «يَرْفَعِ اللَّهُ» يقول هذه العبارة تأملوها احبتي لأنه قال: «إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا»، النشوز هو الارتفاع والسمو لذلك يقول: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» وهذه الدرجات تجعل الناس في مصاف وعداد الاولياء الصالحين لأنها تكشف امامهم الحقائق، تخرجهم من الظلمات الى النور، قال الله تبارك وتعالى لموسى بن عمران (سلام الله عليه): «أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ» ومجلس الامام الحسين يعد من المجالس التي ترسم أَيَّامِ اللَّهِ وتظهرها الى العالم اجمع وان الذي يعيش في الظلمات لا يمكن ان يدرك عظمة مجالس الحسين وعظمة أَيَّامِ اللَّهِ لذلك يقول الامام الحسن (سلام الله عليه) ريحانة الرسول لأخيه الحسين (سلام الله عليه) ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "لو لا يومك يومك يا ابا عبد الله"ويقول الامام علي بن موسى الرضا (سلام الله عليه): "ان يوم الحسين اقرح جفوننا" كل هذه الامور تعود الى مجالس الامام الحسين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

*******

لقد أفجعت مصيبة الامام الحسين العوالم والكائنات، وكانت أوقع ما تكون تلك الفجيعة في أهل البيت النبوي، محمد المصطفي وآله الاطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، حتي روي عن الامام الحسن المجتبي (عليه السلام) وهو العارف بأحوال الازمان ووقائع الدهور قال لاخيه الحسين (عليه السلام) حينما جاء لعيادته والحسن قد سقي السم، قال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟! 
قال: أبكي لما يصنع بك.
فقال له الحسن (عليه السلام): ان الذي يؤتي الي سم يدس الي فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف اليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنهم من أمة جدنا محمد (صلي الله عليه وآله) وينتحلون دين الاسلام، فيجتمعون علي قتلك وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كل شيء.
روي ذلك ابن شهر اشوب في (مناقب آل أبي طالب)، ومن قبله الشيخ الصدوق في (أماليه) كذا روي عن ثابت بن أبي صفية قال: نظر سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) الي عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب فاستعبر، ثم قال: ما من يوم أشد علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) من يوم أحد. 
قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، وبعده يوم مؤتة، قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب. 
ثم قال (عليه السلام): ولا يوم كيوم الحسين (عليه السلام)، ازدلف اليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب الي الله عزوجل بدمه، وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون، حتي قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً!
وتبقي مصيبة الحسين صلوات الله عليه جمرة متوهجة في قلوب آل الله يذكرونها ويذكرون بها، ويتطلبون أسباب إثارتها في المجالس، ليكون حولها حزن عميق مقدس يمطر دموعاً صادقة، وزفرات ولائية متصاعدة جاء في الروايات أن الشاعر ابراهيم بن العباس دخل يوماً علي الامام الرضا (عليه السلام) فأنشد قصيدته بأشارة رضوية مباركة، فقال في أولها: 

أزال عزاء القلب بعد التجلد

مصارع أولاد النبي محمد

فبكي الامام الرضا (عليه السلام)، وبكي من كان في مجلسه وقد نقل عنه (سلام الله عليه) قوله منبهاً الي عظم مصاب كربلاء، وشرف مؤاساة سيد الشهداء: من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء، قضي الله له حوائج الدنيا والاخرة، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه، جعل الله عزوجل يوم القيامه يوم فرحه وسروره، وقرت في الجنان عينه. 
اما شعائر النياحة والحزن، واقامة المآتم والعزاء علي شهيد كربلاء، بعد الامام علي بن موسي الرضا (عليه السلام) أي في حياة الائمة الهداة من بعده: محمد الجواد، وعلي الهادي، والحسن العسكري والحجة المهدي فقد أخذت تتماشي مع الظروف المتشددة التي مارسها الحكام العباسيون تجاه الائمة وشيعتهم، فاذا أطلقت الحريات النسبية بعض الوقت، أقيمت الشعائر ومجالس العزاء والنياحة علي الامام المظلوم الشهيد، والا أقيمت سراً خفاء حين تمنع بقساوة، ومن هنا أقيمت المآتم علي الامام الحسين (عليه السلام) في دور العلويين في زمن الامام الجواد (عليه السلام)، حتي اذا شدد علي الشيعة ومن قبلهم علي أئمتهم، ومنعت إقامة شعائر العزاء والحزن علي الحسين (سلام الله عليه)، وحددت الحريات وقيدت، أقيمت في البيوت علي نحو الكتمان سراً لا جهاراً، عملاً بحكم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهو حكم التقية، فأسدلت الاستار علي الاماكن التي كانت تقيم الشعائر الحزينة وهكذا استمرت مجالس العزاء بين مد وجزر، واعلان واسرار، وانفتاح وانقباض، في شتي الظروف وأشدها، ولكنها لم تترك، لا سيما وأن الانفاس الزاكية لاهل البيت (عليهم السلام) كانت تحث المؤمنين والموالين علي المواصلة والثبات، وإحياء أمر آل البيت وذكرهم، والهاب المشاعر الحسينية في القلب والضمائر، لتنتقل الي الأجيال اللاحقة القادمة، حتي تصل الينا والي ما بعدنا ان شاء الله تعالي.
اذن فما يدلنا عليه تأريخ مجالس العزاء الحسيني هو أن هذه المجالس لم تنقطع علي الرغم من مختلف اشكال المحاربة التي مارسها الطواغيت ضدها، الامر الذي يكشف عن رعاية الهية خاصة لها وارادة ربانية بأستمرار لا تقهر، فالله جل جلاله غالب علي أمره. 

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة