البث المباشر

المجالس الحسينية وأساليبها الشعائرية

الأحد 23 يونيو 2019 - 10:16 بتوقيت طهران

ليبك علي الإسلام من كان باكياً

فقد ضيّعت أحكامه واستحلّت

غداة حسين للرماح ذرية

وقد نهلت منه السّيوف وعلّت

ألا بل بغوا طعناً له برماحهم

فلا سلمت تلك الأكفّ وشلّت

وناداهم رشداً بحقّ محمّد

فإنّ ابنه من نفسه حيث حلّت

فما حفظوا قرب الرسول .. ولارعوا

وزلّت بهم أقدامهم واستزلّت

كتب الله لكم أجزل الثواب بما أحييتم من أمر أهل البيت (عليهم السلام)، من خلال المآتم الحسينية، والشعائر الحسينية، وقد مزجتم بين الحزن والبكاء علي أبي عبد الله الحسين سيّد الشهداء، سلام ربّنا عليه، وبين الغضب علي أعداء الله، الذين تجرّأوا علي حرمات الله، بقتل أولياء الله، وأسر حريم رسول الله!
فإذا اجتمع هذا الأمران: الحبّ والبغض، كان الدين، وكانت حياة الأمّة وهدايتها. أي الحبّ لله وفي الله، والبغض لأعداء الله غيرةً علي دين الله.
سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الحبّ والبغض: أمن الإيمان هما؟
فأجاب: وهل الإيمان إلّا الحبّ والبغض؟!
ثمّ تلا (عليه السلام) قوله تعالي: «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ». (الحجرات، ۷)
وفي بيان الدّين الحقّ، قال الإمام الباقر (عليه السلام) يذكر أصوله وفروعه: شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والإقرار بما جاء به من عند الله، والولاية لوليّنا، والبراءة من عدوّنا، والتسليم لأمرنا، وانتظار قائمنا، والاجتهاد والورع.
وقد جاء فيما جاء به رسول الله (صلي الله عليه وآله) حبّ أهل بيته سلام الله عليهم، ومودّتهم ونصرتهم، وتولّيهم والبراءة من أعدائهم ومبغضيهم وقاتليهم.
وعلي ذلك بعث الأنبياء والمرسلون صلوات الله عليهم أجمعين، فكان لهم برسول الله وآله صلوات الله عليهم جميعاً علقة محبّة وولاء، وشوق وتلهّف وحزن علي مصائبهم، وبغض لأعدائهم، كيف؟ هذا ما روته لنا أخبار تاريخ الأديان.

*******

ولا يخفي عليكم أن إقامة مجالس العزاء الحسيني والمشاركة فيها هو من أوضح مصاديق التعبير عن مودة اولياء الله والبراءه من أعدائه عزوجل. وهذا الأمر يشمل جميع أشكال هذه المجالس وأساليبها الشعائرية، ولكن هناك من يقول أن في بعضها مثل اللطم علي الصدور إعتراضاً علي القضاء الإلهي، فما مدي صحة هذا القول؟ نستمع للاجابة من ضيف هذه الحلقة من برنامج تاريخ المجالس الحسينية سماحة الشيخ عبد المنعم زين رئيس المؤسسة الاسلامية الاجتماعية في السينغال:
الشيخ عبد المنعم زين: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين كما هو اهله والصلاة والسلام على اشرف الخلق واعز المرسلين سيدنا محمد وعلى اهله الطيبين الطاهرين.
موضوع اللطم على الصدور في مراسم عاشوراء او غيرها من التصرفات من هذا القبيل او كل ما هو من هذا القبيل لا يعتبر اعتراضاً على القضاء الالهي بما هو تصرف لأن هذا هو مجرد تعبير عن مشاعر الحزن عند الانسان، نعم اذا كان الذي يلطم على الصدر يتفوه بكلام يشعر بأنه يعترض على القضاء الالهي او يحاسب الله تعالى على تصرفه او قضاءه او غير ذلك فهذا هو حرام بلاشك اما ان يكون مجرد تعبير عن حزن الانسان فهذه تختلف بأختلاف الشعوب وعاداتها وتقاليدها، نعم كما ذكرت بأن الاداب النبوية الواصلة الينا عبر السيرة النبوية المباركة وعبر سيرة اهل البيت وتعاليمهم صلوات الله عليهم، هذه الاداب وهذه السيرة تفيد ان على الانسان ان يتقيد بأخلاق عالية في الاوقات التي يحصل فيها حزن اومصائب او غير ذلك مثلاً ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه يوم توفي ولده ابراهيم انه قال: «القلب يخشع والعين تدمع ولا نقول الا ما يرضي الرب وانا على فراقك يا ابراهيم لمحزونون» مثل هذا الكلام يفيد ان النبي (صلى الله عليه وآله) لا يريد ان يتصرف كما يتصرف عامة الناس، هو يحزن وهو يبكي لكن لايتصرف تصرفات اخرى ولا يتفوه بكلمة واحدة فيها عدم رضى لله عزوجل بغض النظر عما اذا كانت هذه الكلمة اعتراضاً على القضاء الالهي او غير اعتراض كذلك كما ورد كما قلت في وصية الامام الحسين صلوات الله عليه لأخته زينب يوم عاشوراء بالذات، يوم كربلاء: «يا اخيه اذا انا مت فلا تخمشي علي وجهاً ولا تشقي علي جيباً» الى غير ذلك من الكلام هذه ايضاً اشارة الى ما كان موجوداً من العادات والتقاليد في ذلك الظرف وان الامام صلوات الله وسلامه عليه لا يريد تحويل هذه الذكرى لمجرد عادات وتقاليد بغض النظر اذا كانت هذه العادات كانت موجودة او كانت تأسيسية انما يريد الامام تحويل هذه القضية كما قلت الى مدرسة يتعلم فيها الاجيال المتعاقبة معاني الحرية ورفض الظلم ومعاني ازالة الضيم وغير ذلك من المعاني الشريفة التي يتحدث عنها الكتاب والمؤرخون وقراء العزاء والوعاظ وغيرهم ولهذا نحن نطالب الناس وانا اطالب العلماء خاصة واطالب الوعاظ وقراء العزاء ان يؤسسوا لمدرسة حديثة حضارية ليوم عاشوراء حتى يصغي الينا الموالي وغير الموالي، كل الناس يصغون لقضية عاشوراء لأن فيها من القيم والمبادئ ما تعجز عنه كل الحوادث التاريخية عن ضمها جميعاً كما ضمتها قضية عاشوراء فأوجز كلامي هذا ان هذا مادام لا ينوي الشخص بهذا التصرف انه يعترض على قضاء الله تعالى وقدره فهو ليس بحرام ولو كان لا يستحسنه بعض الناس واما اذا كان ناوياً به الاعتراض على قضاء الله تعالى وقدره فهو محرم ولو استحسنه بعض الناس، القضية قضية فصل ونحن لا نستطيع ان نفسر تصرفات الناس كما يحلو لنا، كل انسان يفسر تصرفه بما يتصرف هو بالذات، هو مسؤول عن تفسير تصرفه لا نحن والحمد لله رب العالمين.

*******

وأمّا رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وهو المحزون علي حبيبه وسبطه وريحانته الحسين، كم أخبر بشهادة أبي عبد الله سيّد شباب أهل الجنّة، وعرّف بقاتله، وشدّد علي ذمّه ولعنه، لما يرتكب من هتك لحرمات الله العظمي!
فممّا رواه الخطيب البغدادي الشافعي في (تاريخ بغداد) أنّ جابر بن عبد الله الأنصاري قال: يا رسول الله، ومن قاتل الحسين؟
فأجابه: رجل من أمّتي يبغض عترتي، لا تناله شفاعتي، كأنّي به أطباق النيران يرسب تارة ويطفو أخري. وفي (مقتل الحسين) للخوارزميّ الحنفيّ، عن ابن عبّاس أنّ النبيّ قال يوماً:
أتاني يوماً حبيبي جبرئيل فقال: يا محمّد، إنّ أمّتك تقتل ابنك حسيناً، وقاتله لعين هذه الأمّة.
قال ابن عبّاس: ولقد لعن النبيّ قاتل حسين مراراً.
وفيه أيضاً: أنّ جبرئيل (عليه السلام) هبط في قبيل من الملائكة يبكون حزناً علي الحسين، وجبرئيل معه قبضة من تربه الحسين تفوح مسكا أذفر فدفعها إلي النبيّ (صلي الله عليه وآله) وقال له: يا حبيب الله، هذه تربة ولدك الحسين بن فاطمة، وسيقتله اللّعناء بأرض كربلاء.
فقال النبيّ: حبيبي جبرئيل، وهل تفلح أمّة تقتل فرخي وفرخ ابنتي؟!
فقال جبرئيل: لا، بل يضربهم الله بالاختلاف، فتختلف قلوبهم وألسنتهم آخر الدهر!
وأمّا أمّ المؤمنين أمّ سلمة رضي الله عنها، فقد روي عنها عمر بن أبي سلمة أنّها قالت: جاء جبرئيل إلي النبي (صلي الله عليه وآله) فقال له: إنّ أمّتك تقتله بعدك.
أي تقتل الحسين (عليه السلام) بعد وفاتك -، ثمّ قال له: ألا أريك من تربته؟!
قالت أمّ سلمة: فجاء جبرئيل بحصيّات فجعلهنّ رسول الله في قارورة. ومن هذا وغيره يتـّضح هبوط جبرئيل (عليه السلام) علي النبيّ (صلي الله عليه وآله) في شأن شهادة الإمام الحسين (عليه السلام).
قالت أمّ سلمة: فلمّا كانت ليلة قتل الحسين، سمعت قائلاً يقول:

أيّها القاتلون - جهلاً - حسيناً

أبشروا بالعذاب والتنكيل

قد لعنتم علي لسان داوود وموسي، وصاحب الإنجيل قالت أمّ سلمة: فبكيت، ففتحت القارورة فإذا قد حدث فيها دم! ونحن في مآتمنها نبكي الحسين كما بكاه الأنبياء، ونلعن قتلته كما لعنهم الأنبياء.
اما النتيجة المحورية التي نخلص إليها في هذا اللقاء فهي أن ثمة إرتباطا وثيقاً في مجالس الرثاء الحسيني بين إعلان مناصرة أولياء الله وأحبائه وبين بغض من عاداهم وظلمهم والبراءة منهم لأنهم أعداء الله عزوجل، فهذه المجالس إلهية من كلا الجهتين.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة