البث المباشر

الرد على شبهة مجالس البكاء علي الحسين (ع) تخالف الأحاديث النبوية الناهية عن البكاء علي الموتي

الأحد 23 يونيو 2019 - 10:09 بتوقيت طهران

ما انتظار الدّمع ألّا يستهلّا

أو ما تنظر عاشوراء هلّا!

هلّ عاشور فقم جدّد به

مأتم الحزن ودع شربا وأكلا

كان من الحسين (صلوات الله عليه) غيرة وشهامة، وإقدام وشجاعة، وحبّ الله تعالي وفداء وعطف علي الناس ورحمة وإنقاذ، ثم كان من أعداء الحسين غدر وإنكار وطمع وجشع وشهوة حيوانيّة مندفعة نحو الدنيا، وقسوة وقتل، وتمثيل بالأبدان وتنكيل، واستضعاف للأطفال اليتامي المرعوبين، وللنساء الثكلي والأرامل الحياري، فكان لا بدّ من التقابل بين الحقّ والباطل.
وكم كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقد بعثه الله رحمة للعالمين، يحذّر من أمرين: يحذّر من تآزر هذه الأمّة علي ظلم أهل بيته وقتلهم، وكان ينبئ بذلك مراراً وتكراراً، كما يحذّر من ترك نصرة الحسين وخذلانه. وإلي ذلك طالما كان يخبر بشهادة حبيبه الحسين في عشرات أحاديثه المباركة نقلتها مئات المصادر رواية وتصديقاً وتوثيقاً، كذلك كان (صلي الله عليه وآله) يحذّر من مغبّة عذاب نازل بالأمّة، بل بالعالم السّفليّ إذا قتل الحسين، حتي روي القندوزيّ الحنفيّ في (ينابيع المودّة)، والشيخ أبو اسحاق في (مصائب الإنسان)، والبدخشيّ في (مفتاح النّجا) عن عامر بن سعد البجليّ قوله:
رأيت النبيّ (صلي الله عليه وآله) في المنام فقال لي: إذا رأيت البراء بن عازب. أخبره أنّ قتلة الحسين في النار وكاد أن يعذب الله أهل الأرض بعذاب اليم.
قال العجلي: فأخبرت البراء فقال: صدق الله ورسوله، قال (صلي الله عليه وآله): (من رآني في المنام فقد رآني، فإنّ الشيطان لا يتصوّر في صورتي).
وأمّا قاتل الحسين، فذاك لرسول الله معه وقفات، عيّنته وذكرت مآله ومصيره. فقد جاء في (فرائد السمطين) للجوينيّ الشافعيّ أنّ ابن عبّاس قال:
سمعت النبيّ يقول: قاتل الحسين، أنا منه بريء، وهو منّي بريء، قاتل الحسين في النار.
وفي (مقتل الحسين) روي الخوارزمي الحنفيّ، أنّ رسول الله قال: (إن قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل النار! وقد شد يداه ورجلاه بسلاسل من نار ينكس في النار حتي يقع في قعر جهنّم).
وفي (المناقب والمثالب) أخرج القاضي نعمان المصري عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه نظر يوماً إلي معاوية وهو يتبختر في حبرة له وينظر إلي عطفيه، فقال مخاطباً إياه: (أي يوم لأمتّي منك! وأيّ يوم لذريّتي منك من جرو يخرج من صلبك يتخذ آيات الله هزواً، ويستحلّ من حرمتي ما حرّم الله عزّو جلّ!).
وأخرج المتّقي الهنديّ في (كنز العمّال)، والطبرانيّ في (المعجم)، وابن عساكر الشافعيّ في (تاريخ دمشق)، كذا البدخشيّ في (مفتاح النجا) قول رسول الله (صلي الله عليه وآله) بألم مرير: يزيد، لا بارك الله في يزيد.
ثمّ قال: نعي إلي حسين وأتيت بتربته وأخبرت بقاتله!

*******

وهنا تثار شبهة من فقهاء من يرون في مجالس العزاء الحسيني خطراً علي عروشهم. فهم يقولون: إن مجالس البكاء علي الحسين (عليه السلام) تخالف الأحاديث النبوية الناهية عن البكاء علي الموتي، فما هو الرد علي هذه الشبهة؟
نتلمس الاجابة عن هذا السؤال في الحديث الهاتفي التالي لسماحة السيد بلال وهبي الباحث الاسلامي من لبنان:
السيد بلال وهبي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا رسول الله وآله الطيبين الطاهرين،السلام عليك يا ابا عبد الله الحسين وعلى الارواح التي حلت بفنائك واناخت برحلك عليك مني سلام الله ابداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد مني اليكم.
نحن لا نرى ان البكاء على الامام الحسين فيه اي مانع شرعي يحول دونه بل نرى العكس تماماً وهو ضرورة ان نبكي الحسين (عليه السلام) لكن لا نبكيه جزعاً ولا نبكيه تهرباً من قضاء الله سبحانه وتعالى او رفضاً لهذا القضاء وانما نبكي الحسين (عليه السلام) لأن نرتبط به بالعاطفة كما نرتبط به في مبادئه واخلاقه من خلال العقل الذي زودنا اياه الله سبحانه وتعالى ونرى ان الله رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد اقام بنفسه مجالس بكاء على الامام الحسين حيث روى المسلمون قاطبة ان الامام الحسين قد بكاه النبي في مسجد المدينة المنورة حينما اخبر اصحابه وهو على منبره في المسجد ما الذي سيجري على ولده وريحانته وسيد شباب اهل الجنة الامام الحسين (عليه السلام) واخبر جمعاً من الصحابة بذلك حينما كان في المسجد فضج كما يقول المؤرخون الصحابة كلهم بالبكاء على الامام الحسين (عليه السلام) والبكاء دائماً، الانسان احياناً يبكي لفرح واحياناً يبكي لموقف من المواقف يهز كل كيانه واحياناً ربما يبكي جزعاً اما نحن فحينما نجد ريحانة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) الذي فدا الاسلام ببنيه وفدا الاسلام بدمه وقال:

الهي تركت الخلق طراً في هواك

وايتمت العيال لكي اراك

فلو قطعتني بالحب ارباً

لما مال الفؤاد الى سواك

وكان يتقرب بكل الدماء والجراحات والمعاناة التي يبذلها في سبيل الله يتقرب بها الى الله تبارك وتعالى نرى هذا الانسان الذي كان يلثمه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) تقبيلاً، كان يطيل سجوده في الصلاة وهو على ظهر جده رسول الله نراه مرفوع الرأس مرغوب الجبين، السهم نابت في العين، قلبه ايضاً مصاب بسهم مسموم فنحن نبكي لهذه الحال التي حدثت مع الامام (سلام الله عليه) لكن لا يوجد منا من ارتبط مع الامام الحسين بمجرد البكاء انما ارتبطنا مع الامام الحسين بالعاطفة وارتبطنا بالامام بالعقل وارتبطنا مع الامام بالولاء وارتبطنا مع الامام (سلام الله عليه) بالاقتداء بهذا الامام المعصوم حيث تحول بكل معاناته ومواقفه التي وقفها في كربلاء الى ذلك الثائر النموذجي الرباني الالهي الذي غدا قدوة وامثولة لكل الثوار الذين اتوا من بعده ولازالوا لحد الان يأخذون من الامام سلام الله تعالى عليه ومن هنا ليس عندنا مانع بل ورد في الروايات ان حتى الانبياء بكوا الامام الحسين سلام الله تعالى عليه وامروا من يدرك من اتباعهم الامام الحسين (عليه السلام) ان يجاهد بين يديه وانه كالمجاهد بين ايديهم ونجد ان الصحابة ايضاً، صحابة رسول الله درجوا على هذا الامر فكان منهم من يوصي البعض الاخرين من الصحابة بأن يكونوا مع الامام الحسين وان يقاتلوا بين يديه، التحول الذي حصل عند زهير بن القين كان نتيجة ما سمعه من سلمان المحمدي الفارسي رضوان الله تعالى عليه من ان الجهاد الذي قاتلوه بلنجر وهي منطقة من بلاد فارس هذا الجهاد ليس شيئاً امام الجهاد الذي هم مدعون اليه مع الامام الحسين (عليه السلام) لذلك حينما بعث الامام الحسين برسوله الى زهير بن القين تذكر هذا الكلام وانطلق ليسير في ركب الامام الحسين ويقاتل بين يديه اذن نحن لانرى هناك اي مانع شرعي من البكاء على الامام الحسين سلام الله تعالى عليه وليس هناك اي مانع شرعي ايضاً من ان يبكي الانسان على ذنبه او ان يبكي الانسان على خطيئته او ان يبكي الانسان على قريب له، المانع الشرعي عندنا هو ان يدعونا البكاء الى الجزع من الموت، ان يدعونا البكاء الى رفض قضاء الله سبحانه وتعالى لكن نحن عودنا الامام الحسين انه راض بقضاء الله وهذه زينب عليها السلام التي بكت اخاها الامام الحسين ايضاً كانت تقول: "ربنا تقبل منا هذا القربان" تقرب اخيها الحسين (عليه السلام) قرباناً الى الله تبارك وتعالى فلا مانع من البكاء ابداً ثم من يقولون ان عليكم ان لا تبكوا الحسين (عليه السلام) هم كأنما يتعاطون مع الانسان كأنما الانسان حجراً، ان الانسان عواطف ومشاعر واحاسيس وعقل وهذه العواطف والمشاعر اما هول اية جريمة تحدث يتأثر الانسان وتنهمر دموعه بشكل تلقائي فكيف اذا رأى ابناء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد حل بهم ما حل بهم مما ذكره المؤرخون وكتب التاريخ وبالتالي يعني هذه الاراء التي قيلت ومنعت عن البكاء آراء لا يعبء بها لأنها تناقض الفطرة الانسانية السليمة كما انها تناقض ما ورد عن رسول الله فيما مارسه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم).

*******

فقد وكانت لرسول الله (صلي الله عليه وآله) علي حبيبه الحسين لهفات حرّي ونفثات أليمة، بثـّها في مجالس حزن كثيرة، منها في بيت زوجته الطيّبة أمّ المؤمنين أم سلمة رضوان الله تعالي عليها.
روي الطبراني في (المعجم الكبير)، وابن عساكر الدمشقي في (تاريخ دمشق)، والكنجيّ الشافعيّ في (كفاية الطالب)، وغيرهم قول أم سلمه: كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبيّ في بيتي، فنزل جبريل فقال: يا محمد، إنّ أمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك - وأومأ إلي الحسين -.
فبكي رسول الله وضمّ الحسين إلي صدره ثمّ قال جبريل: وديعة عندك هذه التربة.
فشمّها رسول الله وقال: ريح كرب وبلاء!
قالت أمّ سلمة: وقال لي: يا أمّ سلمة، إذا تحوّلت هذه التربة دماً، فاعلمي أنّ ابني قد قتل!
فجعلتها أمّ سلمة في قارورة، ثمّ جعلت تنظر إليها كلِ يوم وتقول لها: إنّ يوماً تحوّلين دماً، ليوم عظيم!
وتمضي العقود من السنوات، فحدث ما حدث في كربلاء والمدينة غافية علي ما لا تعلم ما حدث. فحدّث رزين - كما روي الترمذي في (الجامع الصحيح) قال:
حدّثتني سلمي قالت: دخلت علي أمّ سلمة وهي تبكي.
فقلت: ما يبكيك؟!
قالت: رأيت رسول الله - تعني في المنام - وعلي رأسه ولحيته التراب.
فقلت: مالك يا رسول الله؟!
فقال: شهدت قتل الحسين آنفاً!
ونادت أمّ سلمة - كما في مسند أحمد بن حنبل عن أنس -: يا بنات عبد المطّلب، أسعدنني وابكين معي، فقد قتل سيّدكنّ.
فقيل لها: ومن أين علمت ذلك؟!
قالت: رأيت رسول الله الساعة في المنام شعثاً مذعوراً فسألته عن ذلك فقال: قتل ابني الحسين وأهل بيته فدفنتهم!
ثمّ قالت: فنظرت، فإذا بتربة الحسين التي أتي بها جبريل من كربلاء وقال للنبيّ: إذا صارت دماً فقد قتل ابنك.
فأعطانيها النبيّ وقال: اجعليها في زجاجة (أي قارورة)، فلتكن عندك، فإذا صارت دماً فقد قتل الحسين!
قالت: فرأيت القارورة الآن وقد صارت دماً عبيطاً يفور!
وفي رواية ابن عساكر الدمشقي الشافعي أن ابن عباس لما استيقظ من نومه استرجع أي قال: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
ثم قال مطمئنا: قتل الحسين والله!
فقال له أصحابه مستبعدين: كلّا يا ابن عباس!
فقال: رأيت رسول الله ومعه زجاجة دم.
فقال لي: (ألا تعلم ما صنعت أمتي من بعدي؟! قتل ابني الحسين، وهذا دمه ودم أصحابه أرفعها إلي الله عزّوجلّ).
قال الراوي: فكتب ذلك اليوم الذي قال ابن عباس فيه ذلك، وتلك الساعة، فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوما حتي جاءهم الخبر إلي المدينة أن الحسين كان قتل في ذلك اليوم وتلك الساعة.
وتمرّ القرون من الزمن بعقودها وسنينها وأشهرها وأيّامها، وقصة شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) تبقي حيّة متجددة نابضة في قلوب المؤمنين، ساخنة في أرواحهم، كلّ عام وكلّ يوم، بل وملتهبة في أيّّام ذكرياتها الخاصّة، تقام مآتمها ومراسيمها وشعائرها.
روي علقمة عن الإمام الباقر (عليه السلام) في زيارة يوم عاشوراء أنّه قال: ثمّ ليندب الحسين ويبكه، ويأمر من في داره ممن لا يتقيه بالبكاء عليه وليعز بعضهم بعضا بمصابهم بالحسين (عليه السلام).
تقول: أعظّم الله أجورنا بمصابنا بالحسين (عليه السلام)، وجعلنا من المطالبين بثأره مع وليّه الإمام المهديّ، من آل محمّد.
وكتب الشيخ المفيد: وفي العاشر من المحرّم قتل الحسين (عليه السلام)، وقد جاءت الرواية عن الصادق (عليه السلام) باجتناب الملاذ فيه، وإقامة سنن المصائب، والإمساك عن الطعام والشّراب إلي أن تزول الشمس، والتغذّي بعد ذلك بما يتغذّي به أصحاب المصائب دون اللّذيذ من الطعام والشراب.
ويتضح مما تقدم أن سنة النبي الأكرم وأئمة عترته الطاهرة (عليهم السلام) قائمة علي إقامة مجالس العزاء الحسيني بأستمرار والدعوة لإقامتها مع تأكيد خاص علي توسيعها في يوم عاشوراء من كل عام.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة