البث المباشر

امحاء الحرم الحسيني المبارك في عصر الطاغية المتوكل العباسي

الأحد 26 مايو 2019 - 10:15 بتوقيت طهران

يا تربة بالطف جادت

فوقك الديم الهموعة

غدرت هناك وماوفت

مضر العراق ولا ربيعة

هيهات... ساء صنيعهم

فيها، وما عرفوا الصنيعة

صلوات الله وبركاته وتحياته عليك يا ابا عبد الله الحسين، وعلى آبائك الطيبين المنتجبين، وعلى ذرياتكم الهداة المهديين. لعن الله امة خذلتك وتركت نصرتك ومعونتك، ولعن الله امة اسست اساس الظلم لكم، ومهدت الجور عليكم، وطرقت الى أذيتكم وتحيفكم، وجارت ذلك في دياركم وأشياعكم.
روي ابن قولويه في كتابه (كامل الزيارات) رواية مطولة أن النبي (صلى الله عليه وآله) زار منزل فاطمة الزهراء عليها السلام، وأكل مع علي والحسن والحسين (عليهم السلام)، ثم حزن وبكى، فسُئل فأجاب بأن جبرئيل (عليه السلام) أخبره بما سيجري على أهل بيته، حيث قال له: يا محمد، إن أخاك مضطهد بعدك مغلوب على امتك، متعوب من أعدائك، ثم مقتول بعدك، الى أن قال: وإن سبطك هذا وأومأ بيده الى الحسين مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك، وأخيار من امتك، بضفة الفرات، بأرض يقال لها (كربلاء)، من اجلها يكثر الكرب والبلاء على اعدائك وأعداء ذريتك، في اليوم الذي لا ينقضي كربه، ولا تفنى حسرته. وهي أطيب بقاع الارض وأعظمها حرمة، يقتل فيها سبطك وأهله. الى أن قال جبريل الامين (عليه السلام) لرسول الله، مخبراً عن الله تبارك وتعالى في شأن قبر الحسين (سلام الله عليه): وسيجتهد اناس ممن حقت عليهم اللعنة من الله والسخط، أن يعفوا رسم ذلك القبر، ويمحوا أثره، فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم الى ذلك سبيلاً.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فهذا أبكاني، وأحزنني.
وفي (بحار الانوار) كتب الشيخ المجلسي في مجلده الخامس والاربعين في باب جور الحكام على قبر الحسين (عليه السلام): ولم يزل المتوكل العباسي يأمر بحرث قبر الحسين (عليه السلام) مدة عشرين سنة والقبر على حاله لم يتغير، ولا تعلوه قطرة من الماء، فلما نظر الرجل الحارث الى ذلك قال: آمنت بالله، وبمحمد رسول الله، والله لأهربنّ على وجهي وأهيم في البراري ولا أحرث قبر الحسين ابن بنت رسول الله، وان لي مدة عشرين سنة أنظر آيات الله، وأشاهد براهين آل بيت رسول الله، ولا أتعظ ولا أعتبر؟!
كذا روى الشيخ المجلسي رؤيا لهارون المعريّ وكان من قوّاد المتوكل العباسي كان قد رأى في منام له رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنهاه أن يخرج الى كربلاء لنبش قبر الحسين (عليه السلام)، فلم ينته وفعل ما أراده المتوكل منه، فرأى رسول الله ثانياً فلطمه (صلى الله عليه وآله) في وجهه، فصار وجه هارون المعريّ مسوداً كأنه القير، وكان يتفقأ مع ذلك قيحاً منتناً!

*******

والرواية المتقدمة هي نموذج للانتقام الالهي من الطواغيت الذين أرادوا سوء بالحرم الحسيني وهذه من الظواهر التي تجلب الانتباه في تأريخ هذا الحرم المبارك، نستمع معاً لبعض التوضيح لابعادها من خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند، في الحديث الهاتفي التالي:
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين، في الحقيقة ورد في الحديث الشريف ان الله عز وجل لا يمهل من اراد سوءاً بثلاثة امور، اولها البيت الحرام وثانيها القرآن العظيم وثالثها مرقد النبي (صلى الله عليه وآله) ومرقد اهل بيته، هذا الحديث الشريف افصح عنه القرآن الكريم «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»، وايضاً بالنسبة الى بيت الله الحرام «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً»، واما بالنسبة لقبر النبي وقبور اهل بيته (عليهم السلام) ايضاً قد صرح به القرآن الكريم «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ‏»، وهذه البيوت كما يقول الشيخ جعفر كاشف الغطاء شعرت نعم لتكون مشعراً الهياً يذكر فيها اسم الله ويسبح فيها لله، ففي الحقيقة هذا الحديث الشريف مضمونه عدة آيات كريمة نص فيها على ذلك، وما دامت الارادة التكوينية قد تعلقت فمن ثم ان الله لا يغالب على ارادته، وهذا ما نجده ان جملة من الظالمين في الحقيقة استئصال هذا العلم من النور الذي يرفرف عبر القرون والاجيال، وهي ما انبئت به لبوة حيدر العقيلة (سلام الله عليها) حين قالت للامام زين العابدين ورأيته يجود بنفسه لعظم المصيبة قالت له ما لي اراك تجود بنفسك يا بن الصفوة، وثم يعني بشرته وهو اعلم بذلك ايضاً انه سيسعى الظالمون لمحوه ولا يزداد الا نوراً واشراقاً ويخفق في عمر الاجيال والقرون، وهكذا اراد الله عز وجل لهذا النبراس ان يظل نوراً مزهراً، فقد حدثني بجانب بما مر بنا من الطواغيت في التاريخ كالمتوكل وغيره الذين ارادو ان يمحو هذه البقعة الشريفة ولم يزدد فعلهم ذلك الا تسليطاً للضوء واحياءاً لتلك البقعة اكثر فاكثر بحيث لا يشعرون، فقد ازدادت وتشبث المؤمنين بتلك البقعة واصبحت مسكونة بعد ان لم تكن مسكونة واعمرت ولا زالت ما شاء الله واخيراً انتهاءاً بالطاغية صدام كما اخبرني الشهيد السيد محمد باقر الحكيم رحمة الله عليه قبل السقوط وكان جاراً لنا هنا في قم وسماحة السيد محمد بحر العلوم كليهما اخبراني ان الطاغية صدام قد عرض عليه شريط لمسيرة الاربعين من المؤمنين القاصدين الى كربلاء وحشد الزوار في كربلاء يموجو موجاً فسأل قادته القطريين ان ما هذه الظاهرة؟ فخشو الاجابة جبناً فاجاب عن نفسه فقال هذه ثورة الحسين وبركان وزلزال الحسين لا زال، وسأفعل ما افعل في الاربعين القادم من قطع الايدي والارجل والاذان، ولم يمهل وعوجل من قبل الله تبارك وتعالى فكانت الاربعين بعد ايام معدودة من سقوط صدام تزهر بملايين الزاحفين الزائرين لسيد الشهداء وكان في الحقيقة منتدى قد غطته فضائيات العالم في كل حد وصوب وما كان ذلك الا ازدياد في انتشار اسم سيد الشهداء في آفاق العالم شرقها وغربها من الفضائيات اليابانية والكندية والافريقية والاوروبية وفي كل مكان، فهذا ما نشاهده بحمد الله من يد الاعجاز الالهي في ابقاء هذا العلم يرفرف اشراقاً في آفاق الدنيا يوماً بعد يوم اكثر فاكثر.

*******

وحديثنا فيها على محاولات امحاء الحرم الحسيني المبارك في عصر الطاغية المتوكل العباسي لقد كتب المؤرخون أنه لما كانت سنة مئتين واثنين وثلاثين هجرية، تولى الحكم المتوكل العباسي، وكان شديد البغض لامير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، فعمد الى هدم قبر سيد شباب اهل الجنة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أربع مرات فيما اشتهر ذلك:
الاولى: عام مئتين واثنين وثلاثين، وذلك اثر ذهاب احدى جواريه الى زيارة الحسين (عليه السلام) في شعبان، فأنفذ عمر بن فرج الرجحيّ لهدم ما عُمر في عهد المأمون العباسي، وأمر بتخريب القبر الشريف وحرثه، فلما صار عمر الرجحي الى الناحية أمر البقر، فمر بها على القبور كلها، فلما بلغت قبر الحسين (عليه السلام) امتنعت وتراجعت.
ومع ذلك الاضطهاد والتنكيل، فقد عمد الموالون لأهل البيت الى تعمير المرقد الطاهر.
والمرة الثانية: تلك كانت سنة مئتين وست وثلاثين للهجرة، حيث عمد المتوكل أيضاً الى هدم الضريح المطهر للامام الحسين وملحقاته، وزرعه وتسوية أرضه ثم أمر بهدم ما حوله من الدور والمنازل، ومنع زيارة المكان وغيره من البقاع المقدسة، وهدد الزوار بفرض عقوبات صارمة عليهم، فنادى بالناس: من وجدناه عند قبر الحسين بعد ثلاثة ايام من اليوم حبسناه في المطبق. وكان المتوكل قد أوعز مهمة الهدم في هذه الى رجل يهوديّ اسمه ابراهيم الديزج. وقد وصف الشيخ محمد طاهر السماويّ هذه الحاثة المؤلمة في أرجوزة له فقال:

حتى اذا الشمس بدت للاعين

قاموا فهدموا جميع ما بني

ونبشوا القبر فلاحت بارية

تسطع بالمسك كمثل الغانية

قلت دعوه ولئن لم يكتم

رُآه قتلته على التكلم

ثم حرثنا الارض لكن القبر

تأتي الى ذاك المقام فتذر

وكلما تضرب للكراب

تقهقرت تمشي على الاعقاب

ثم مخرنا الماء فوق القبر

فحار عنه واقفاً لا يجري!

والمرة الثالثة: للهدم على يد المتوكل العباسيّ كانت سنة مئتين وسبع وثلاثين حين بلغه أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين (عليه السلام)، فيصير الى قبره منهم خلق كثير، فأنفذ قائداً من قواده لهذه المهمة الدنيئة، وهو هارون المعريّ، فنفذ أمره. لكن زوار الحسين لم يزالوا يقصدونه ويصلحون قبره النير.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة