البث المباشر

من سيرة طاغية بني العباس المتوكل في محاربة زيارة سيد الشهداء (عليه السلام)

الأحد 26 مايو 2019 - 10:20 بتوقيت طهران

يا بقعة بالطف حشو ترابها دنيا ودين

أضحت كأصداف يصادف عندها الدر الثمين

اللهم اجعلني ممن له مع الحسين بن علي قدم ثابت، وأثبتني فيمن استشهد معه. اللهم العن الذين بدلوا نعمتك كفراً، سبحانك يا حليم عما يعمل الظالمون في الارض. يا عظيم، ترى عظيم الجرم من عبادك، فلا تعجل عليهم، تعاليت عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
لقد خلق المتوكل جوّاً رهيباً مرعباً على الموالين لاهل البيت (عليهم السلام)، حتى شدد عليهم، فمنعهم من زيارة قبر الامام الحسين (عليه السلام) بعد هدمه وكربه، وحرثه وزرعه، وأجرى عليه الماء فحار فلم يصل منه قطرة الى القبر الطاهر، ووضع المسالح على الطريق،يعتقل فيها جنده الزوّار، تارة يحبسونهم، وتارة ً يقتلونهم، وتارة اخرى يمنعونهم أو يفرضون عليهم الضرائب والعقوبات القاسية. فساد الخوف، ولكنه سرعانما انقلب الى سرور، حيث وصلت الزائرين أخبار أهل البيت (عليهم السلام) بما لهم من الاجر والثواب والرضوان، مع ان العقوبات اشتدت على الزائرين حتى بلغت حد التمثيل بهم، من قطع الأيدي والارجل وغيرها من الاعضاء مقابل السماح لهم بالزيارة، فتقدموا، وقدّموا وهم يتذكرون قول الامام الصادق (عليه السلام) من قبل لابن بكير: يا ابن بكير، اما تحب أن يراك الله فينا خائفاً؟! أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في عرشه، وكان محدثه الحسين (عليه السلام) تحت العرش، وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع وقرته الملائكة وسكنت قلبه بالبشارة.

*******

وما ذكره الحديث الصادقي المتقدم هو اعزاءنا يرتبط بالآثار الاخروية العظيمة لزيارة سيد الشهداء (سلام الله عليه) في ظل اوضاع الخوف وانعدام الامن او التعرض بسببها لاذى الطغاة؛ ولهذا النمط من الزيارة آثار مباركة فردية وإجتماعية في الحياة الدنيا أيضاً يحدثنا عن بعضها خبير برنامج أرض الحسين (عليه السلام) سماحة الشيخ علي الكوراني في الاتصال الهاتفي التالي:
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم، من الواضح ان زيارة سيد الشهداء في ظل عواصف الخوف والرعب التي يكيدها اعداء هذه الشعيرة الحسينية لا سيما الدوائر الاستعمارية، لانها ترى في سيد الشهداء نبراساً حامياً ضامناً لبقاء الدين، واتخطر كتاب صدر من الدوائر الاستخباراتية الامريكية بعد سقوط صدام ونشرته العديد من الصحف بلغات مختلفة يذكر بان المسلمين قد ذابوا الهوية في الغرب ولم يبقى لهم من الاسلام الا اسمه عندهم، الا اتباع مذهب اهل البيت (عليهم السلام) فانهم لا زالوا باقين على تلك الهوية ولا زالوا في مجابهة ومشادة مع المد الاستعماري الغربي وما شابه ذلك، واعزى الباحثون في هذا الكتاب ذلك الى سبب اكبر الا وهو التمسك بشعائر الامام الحسين سيد الشهداء، حسب ذلك الكتاب يقول ان الحسين ينبض فيهم الإباء والعدل ورفض الظلم والعزة بالهوية والامور التي هي من اركان ومبادئ الدين الحنيف، فهم في الحقيقة متخوفون من الحسيني من انه يحرك امواج الشعوب ضد الاطماع الغربية، ولا ريب ان هذا النهج الحسيني عندما يروض الزائر نفسه في زيارة سيد الشهداء على امواج الخوف والرعب وما شابه ذلك، في الحقيقة هو يدخل في نوع من التدريب الروحي والنفسي والبدني واللياقة الروحية على استرخاص النفس في سبيل اعلاء الدين وحماية مقدسات الشريعة، فسيد الشهداء اذن علم نصب لتدريب المؤمنين وتوطينهم على الخوض في لجج الرعب استرخاصاً للنفس وفي سبيل غاية الدفاع عن الدين والثبات بصبر وإباء رافعي الرؤوس بالعز والثبات والمناصرة والمؤازرة للدين في مقابل ذل الحرص على النفس والدنيا والبقاء، ثم يكون هذا وقود معطاء قوي جداً هو الضامن للدفاع عن الامة وعن الدين وعن كل مقدرات المسلمين، ومن ثم اذن هناك طاقة حسينية وهاجة تنفخ في النفوس الى صمود تعجز الالة العسكرية او الضغوطات الاخرى عن تخنيع او تركيع الامة الاسلامية، ومن ثم هم يخافون من ذلك، وتحضرني اخيراً حتى مجابهة الفلسطينيين في غزة الذي شكل عليه بعض علماء السلاطين في الدول العربية انكم انتهجتم نهجاً حسينياً حين خالفتم الحكام العرب وهم ولاة امر، فهم يشعرون بان مثل هذا الصمود انما هو بتأثير ثقافة الحسين (عليه السلام)، كما قد حقق المد الحسيني نصراً في تموز ۲۰۰٦، ففي الحقيقة انتشار الثقافة الحسينية مقلقة ومرعبة بالنسبة للاطراف الاستعمارية، هذا في دار الدنيا فمن ثم في دار الاخرة يكون قد حشر من احب قوم حشر معهم واشرك معهم، ونقرأ في زيارة سيد الشهداء ان يأتي الانسان ويذوب في هذا المسار وهذا النهج ومن ثم يكون قد شاركهم في هذا المسار.

*******

أستعراض أبعاد أخرى من سيرة طاغية بني العباس المتوكل في محاربة زيارة سيد الشهداء (عليه السلام) والسعي لهدم قبره والانتقام الالهي منه بسبب ذلك.
في سنة مئتين واثنين وثلاثين هجرية، تولى المتوكل العباسيّ الحكم، وهو ابن المعتصم القاتل للإمام الجواد (عليه السلام)، وحفيد هارون الرشيد قاتل الامام الكاظم (عليه السلام)، وحفيد المنصور الدوانيقيّ قاتل الامام الصادق (عليه السلام)، فهو اذن سليل قتلة اولياء الله، وقتلة أحفاد رسول الله، وكان أخبث بني العباس وأقساهم قلباً وأشدهم عتواً وحقداً على آل ابي طالب، عُرف ببغضه لامير المؤمنين (عليه السلام)، وكراهيته للأئمة من أولاده الطاهرين، وقساوته وغلظته مع شيعتهم ومحبيهم، وقد منع الناس من برهم لآل أبي طالب وذراريهم.
هكذا، حتى اشتهر عنه كربه وتهديمه لقبر سيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه مرات ومرات، منها: عام مئتين واثنين وثلاثين، ومئتين وستة وثلاثين، ومئتين وسبعة وثلاثين على يد عمر بن فرج الرجحيّ وابراهيم الديزج اليهودي، وهارون المعريّ في كل مرةٍ يُخرب القبر الطاهر، فيجدّ الموالون في اعماره وإصلاحه. ثم حاول محاولة خبيثة أخرى سنة مئتين وسبع وأربعين هجرية لتهديم القبر على يد الديزج، فخاب، فأخرج نهياً عن زيارة مقابر قريش والحائر الحسيني وصدر الامر الى الوزير العباسيّ الباقطانيّ أن الق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه.
وفي تلك السنة ارسلت الثيران العوامل الى ارض كربلاء، كما يروي عبد الله بن رابية الطوريّ، وسيقت بشدة، فانساقت في الارض، لكنها كانت إذا اقتربت من قبر الحسين (سلام الله عليه) حادت يميناً وشمالاً، فتضرب بالعصا الضرب الشديد فلا ينفع فيها ذلك، ولا تطأ القبر الشريف أبداً بوجه ولا بسبب.
ويبقى المتوكل العباسي على عناده تأخذه الاحقاد على بيت الوحي والرسالة، فيضع يده على أوقاف الحائر الحسيني، ويصادر أموال خزينة المرقد الحسينيّ، ثم يوزعها على جنده وأوباشه مستهزئاً. ويتمادى في غيّه وفجوره وكفره، حتى سمعه ابنه المنتصر يشتم فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، فذهب هذا المنتصر بالله يسال رجلاً من الناس عن ذلك، فأجابه: قد وجب قتله، الا أن من قتل أباه، الا من قتل اباه لم يطل له عمر.
فقال المنتصر: ما أبالي إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر. فقتله، وعاش بعده سبعة اشهر صدرت منه خلالها أعمال ومواقف محسنة الى آل ابي طالب، فتوجه الأشناني الى كربلاء مع جماعة من الطالبيين والشيعة وأعادوا لقبر الحسين معالمه القديمة.
أما المنتصر العباسيّ، فقد أمر سنة مئتين وثمان وأربعين ببناء مرقد الامام الحسين (عليه السلام) واعادته الى ما كان، ونصب علم طويل على القبر الطاهر ليستهدي الناس اليه من بعيد. ثم ّ أمر الناس الى زيارة مرقد سيد الشهداء (عليه السلام)، وأحسن الى آل ابي طالب، ففرق عليهم الاموال، وأرجع اليهم الاوقاف الخاصة بهم، كما أعاد فدكاً اليهم من الايدي الغاصبة، فهبّ الشيعة يومها الى زيارة قبر الامام الحسين على حال من السرور والاطمئنان، وفي ذلك يقول الشيخ محمد طاهر السماويّ في أرجوزته.

حتى إذا ما انتصر المنتصر

وآمن الناس أعيد الأثر

وعادت السكان والديار

وشيّد المقام والمزار

ولعلّ أقدم شخصية علوية سكنت كربلاء يومها: هو السيد ابراهيم المجاب المدفون على بعد امتار قلائل عن قبر الامام الحسين (عليه السلام)، وهو ابن محمد العابد ابن الامام موسى الكاظم (عليه السلام).
وبعد انهدام البناء لازدحام الروضة، أمر أمير جرجان محمد بن زيد بعمارة المرقد الشريف مرة اخرى، فتم بناؤه عام مئتين وثمانين، ووضع قبة شامخة على المرقد، وبابين، وبني للمرقد إيوانين، كما بنى سوراً حول الحائر الحسيني، ومنازل للزائرين والمجاورين.
واجتمعت الشيعة بعد ذلك وبنت جوراً حول المرقد، ويذكر أن الداعي الصغير قد بالغ في فخامة البناء وحسن الرّيازة ودقة الصنع في عمارة الحائر الحسينيّ، اجلالاً له، وفي ذلك يقول الشيخ السماويّ:

وأرسل الكنوز من أرض العجم

كالسحب ترفض بغيث انسجم

وتم تلك الرازة المستحسنة

في المئتين والثمانين سنة

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة