بالله إن جئت الطفوف
مبلغاً عنيّ سلامه
من بعد أن قبلت تربته
وأكثرت التثامه
وشفيت داءك إذ مسحت
بوجهك العالي رغامه
ومعارج الافلاك حيث
قيامها يتلو قيامه
وسمعت أصوات الدعاء
وقولهم: لهم الكرامه
فاذكر له الشوق الملح
وكيف هيمه هيامه
واخبره أنّ الصبّ بعد
لقاك لم يعرف منامه
مالذ ّ برد العيش من
ذكراه بعدك وانصرامه
يشتاق برقاً كلما
استعلى عراقيّاً وشامه
أنفاسه قيد الزفير
وسجعه سجع الحمامه
السلام عليك يا مولاي يا ابا عبد الله لا جعله الله آخر العهد منا لزيارتكم، ورزقنا العود اليكم والمقام في حرمكم، والكون في مشهدكم، آمين رب العالمين.
ما زلنا في الحديث حول تاريخ المرقد الطاهر للإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وقد انتهينا من القرن الخامس الهجري، وها نحن ندخل القرن السادي الهجري، فتذكر لنا السنة الأولى من أن الامير سيف الدولة صدقة بن دبيس الاسدي، توفي فيها، فنقل جثمانه من الحلة الى الحائر الحسيني الشريف ليُدفن في الحرم الحسيني. وبذلك ازداد اهتمام أبناء سيف الدولة بالحائر المقدس، وأصبحت تلك سنة حسنة أن تدفن الاجساد المحبة هناك تبركاً وتشرفاً.
وفي سنة خمسمئة وثلاث عشر هجرية، زار ابن سيف الدولة دبيس بن صدقة الأسدي الحائر الحسيني، ودخل الروضة حافياً، باكياً متضرعاً الى الله تعالى أن يمن عليه بالنصر على أعدائه.
*******
قبل أن نتابع الحديث عن أهم الحوادث التي جرت في المشهد الحسيني المبارك في القرن الهجري السادس، ننقل الميكرفون الى خبيربرنامج أرض الحسين سماحة الشيخ محمد السند لكي يحدثنا عن الجذور الشرعية لظاهرة معروفة في تأريخ المشاهد المشرفة ومنها المشهد الحسيني.
وهي اهتمام الناس بمختلف فئاتهم بأن تدفن أجسادهم بعد الموت في هذه المشاهد نستمع معاً للحديث الهاتفي التالي:
الشيخ محمد السند: قد ورد في الروايات المستفيضة انه من باب المثال ان من مات ودفن في الحرم المكي يجنب عذاب القبر او كذا وكان له اماناً في الحشر والبعث او ما شابه ذلك، نعم ربما يجازاً بصحيفة اعماله ولكن نوع التعلق بالحرم المكي هو نوع من الشفيع للانسان او الحرم النبوي كذلك او الحرم العلوي الغري، النجف الاشرف وقد وردت في الروايات وهذه الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله) وان وجدت في المصادر بعد الاستقصاء حتى عند اهل السنة ففي الحقيقة ما ورد مستفيضاً عند الفريقين وعن النبي (صلى الله عليه وآله): "ما بين قبري وبيوتي" ليس فقط مابين منبري وبيوتي، مابين منبري وبيوتي روضة من رياض الجنان، الحقيقة بيوت النبي كما مر بنا في رويات الفريقين كما رواها السيوطي في الدر المنثور، «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ» في الحقيقة بيت علي وفاطمة وذرية النبي منها فكل مراقد اهل البيت (عليهم السلام) هي مراقد رياض من الجنة وكيف لايتبرك ولا يقترب المؤمن والمسلم من هذه البركة وهذه الرحمة وينجو بنفسه ويكون هذا وسيلة من التقرب الى الله ويكون هذا العمل بنفسه عمل صالح قد يشفع له ما تقدم من سيئات عمله. نفس عملية الاصرار على التقرب الى هذه الانوار، الى هذه القدوات والاصفياء الالهيين هو نوع من القرب الى الله عزوجل فكفى بذلك تقرباً الى الله عزوجل وكفى بذلك عملاً صالحاً شفيعاً للانسان المسلم وللمؤمن بل حتى لغير المسلم نوع هذا التقرب له حظوة عند الله عزوجل والجزاء والحساب على يد الباري اليد الرحيمة ففي الحقيقة هناك شواهد عديدة، نفس تعبير القرآن الكريم «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ» ورد عند الفريقين انها بيوت الانبياء وايضاً ورد انها بيوت النبي (صلى الله عليه وآله) وبيت علي وفاطمة وذريته فهذه الامور تتعاضد وتتكاتف مع بعضها البعض ليتضح جلياً وآيات عديدة وروايات عديدة لايسع ذكرها في المقام دالة على ان مافي سيرة المؤمنين والمسلمين من التبرك بقبر النبي وآل بيته هذه من الامور المتجذرة في معارف القرآن وبيانات القرآن والسنة النبوية وسنة المعصومين.
*******
نتابع حديثنا عن المشهد الحسيني في القرن الهجري السادس وتدخل علينا سنة خمسمئة وست وعشرين، فنقرأ في وقائعها حادثة مؤسفة، وهي نهب الحاكم العباسي المسترشد بالله الخزانة الحسينية المليئة بالمجوهرات الثمينة والتحف القيمة والقناديل الذهبية والفضية المهداة للحرم الحسيني الشريف من قبل الملوك والامراء. وأنفق المسترشد العباسيّ ما نهبه على عسكره، واحتفظ بالكثير لنفسه ليضمه الى جملة ممتلكاته الشخصية، وليستعين به على مقاتلة السلطان مسعود السلجوقي الذي كان يتولى الامر على العراق من عام خمسمئة وثمانية وعشرين، لكن المسترشد العباسيّ الناهب للخزانة الحسينية سرعانما سقط أسيراً، ثم قتل سنة خمسمئة وتسع وعشرين، كما قتل ابنه الراشد بالله العباسي قرب اصفهان بعد أن دخل عليه السلطان السلجوقي بغداد فلم يمهله.
وفي تلك السنة مضى الى زيارة مرقد أمير المؤمنين وأبي عبد الله الحسين (عليهما السلام) خلق لا يحصون، هكذا ذكر ابن الجوزيّ في كتابه (المنتظم) وقال: ويومها ظهر التشيع.
وتذكر السنة الهجرية سنة خمسمئة وتسع وأربعين خبراً ساراً، وهو أن الوزير طلائع بن رزيك لما تولى وزارة الفائز بنصر الله الفاطميّ بالقاهرة وارتفع شأنه، أمر بصنع ستائر من الديبق ـ وهو قماش مصنوع من الحرير الثمين ـ وذلك لتوضع على أبواب المشهدين الشريفين: العلويّ والحسينيّ وقد تحرى أن تكون الستائر محاكة في غاية الابداع، مع تطريز آيات قرآنية حولها، فأرسلها مع نفر من خدمه وعبيده، وكان قد جعل في تلك الستائر قصيدته النونية التي مطلعها:
هل الوجد الا زفرة وأنين
أم الشوق الا صبوة وحنين
الى أن يقول:
ألا كل رزء بعد يوم كربلا
وبعد مصاب ابن النبي يهون
ثوى من حوله من آله خير عصبة
يطالب فيهم للطغاة ديون
ينادون عن ماء الفرات وغيرهم
يبيت بصرف الخمر وهو بطين
أسادتنا لو كنت حاضر يومكم
لشابت بسيفي للطغاة قـرون
أسادتنا إن لم يعنكم لدى الوغى
سناني .. فاني باللسان أعيـن
سطور بأبيات من الذكر طرزت
تبرهن عن أوصافكم وتبيـن
فأرجو بها ستراً من النار عندما
يقيني غداً كيد الشكوك يقين
فجودوا عليها بالتقبل منكـم
فودّي وإخلاصي بذاك ضمين
وجدكم سنّ الهدايا وإننـي
لما سنّ قدماً في بنيه أديـن
وفي طريقه الى الانبار وقد عبر الفرات، توجه المقتفي لأمر الله العباسي لزيارة مرقد الامام الحسين (عليه السلام) بعد خروجه من بغداد سنة خمسمئة وثلاث وخمسين. وهناك من قال بأنه تصدق بمبالغ طائلة على الفقراء الساكنين بجوار قبر الامام الحسين (عليه السلام)؛ وذلك إيفاء منه لنذر كان نذره في مرضه.
ومن بعد المقتفي العباسي هذا توالى الحكام على زيارة العتبات المقدسة، فزار الحرم الحسيني الحاكم الناصر لدين الله، والمستنصر بالله، والمستعصم بالله. فنشطت حركة الزيارة متوجهة بالمحبين أفواجا ً على مدى الايام والاشهر والسنوات، في المواسم والمراسم الى قبر سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، لا سيما وقد رفع الضغط عن الزائرين، واشتهرت في تلك الازمنة سنة زيارة الحاكمين والامراء لقبور الاولياء، كما ترسخت شيئاً فشيئاً سنة دفنهم في الحائر الحسيني الشريف، عسى الله تبارك وتعالى ان يُنزل عليهم شآبيب رحمته ومغفرته، وبركاته فكان في حوادث سنة خمسمئة وأربع وثمانين هجرية وفاة الامير التركي علاء الدين تنامش، فدفن في المشهد الحسيني النيّر، كما ذكر ابن الاثير في كتابه (الكامل في التاريخ).
*******