سقى الله الطفوف وإن تناءت
سجال السحب مترعة الذنوب
فكم لي عندها من فرط وجدٍ
وحرّ جوى لأحشائي مذيب
اللهم انت خير من وفد اليه الرجال، وشدت اليه الرحال، وأنت يا سيدي أكرم مأتي وأكرم مزور، وقد جعلت لكل آت تحفة، فاجعل تحفتي بزيارة قبر وليك، وابن نبيك، وحجتك على خلقك، فكاك رقبتي من النار، وصلى الله على محمد وآله الاطهار.
نعود مرة اخرى الى تاريخ مرقد الامام أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه)، وندخل القرن الهجري السابع فتطالعنا سنة ستمئة وسبع عشر بخبر مفاده أن الناصر لدين الله العباسي أمر باصلاح النهر الذي يمدّ الحائر الحسيني بالماء؛ رعاية ً للزائرين والمجاورين وفي ذلك قال الشيخ محمد طاهر السماويّ في أرجوزته:
وشقّ نهراً بعد ذاك الناصر
فاشتبكت بصدره الاواصر
ثم انبتت على رجاءٍ بلدة
تمنى له في عدد وعدة
ثم أمر الناصر لدين الله وزيره مؤيد الدين المقدادي بتجديد بناء مرقد الامام الحسين (عليه السلام) وقبته؛ فقد كان من محبي اهل البيت (عليهم السلام)، وفي عهده أخذت الشيعة حريتها، فجعلت تتوافد على مراقد الائمة لزيارتها والتبرك بها. فقام الوزير المقدادي بتشييد القبر المطهر، وكسا جدران الروضة بأخشاب الساج، كما وضع صندوقاً على القبر وزينّه بالديباج والبسط الحريرية، ووزع الخيرات على العلويين والمجاورين للحائر. قال الشيخ السماوي في ذلك:
فقام في تشييد قبر الحائر
على يدي خير وزير ناصر
محمد القميّ من خير فئة
في سنة العشرين والستمئة
فشاد ذلك المقام ساجا
مكتتباً تخاله ديباجا
*******
ثمة قضية مهمة ينبغي الاشارة اليها هنا ترتبط بموضوع الاقامة في المشهد الحسيني المبارك، ففيما نجد في سيرة بعض الصالحين إقبالاً قوياً عليها نجد عند آخرين تحذيرات من إطالة البقاء في هذا المشهد، فما هو المعيار الحق فيما يرتبط بهذا الامر؟ الاجابة عن هذا السؤال نستمع اليها من خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند في الحديث الهاتفي التالي...
الشيخ محمد السند: ورد في الرواية التي ذكرها المحقق الطهراني اغا بزرك في الذريعة في حرف الميم في كتاب مدينة العلم للصدوق هناك رواية يذكرها في ذلك الموضع مسندة الى اهل البيت (عليهم السلام) ان ثواب البيتوتة والجوار ليلة واحدة عند الحسين تعدل سبعين سنة وعند الامير (عليه السلام) تعدل ثواب سبعمئة سنة عبادة يعني عند الامير مايقارب من تسع ليالي قدر ليلة واحدة وعند الحسين مايقارب من ليلة قدر واحدة، هذه رويات حاثة و روايات اخرى ايضاً عن الائمة حاثة على كربلاء وعلى الحائر الحسيني ومشهد الحسين في الاقامة والتوطن فيه ولدينا روايات اخرى دالة على ان "زر وانصرف " وما شابه ذلك، هذا الاختلاف في مفاد الروايات نظير ما ورد في الحرم المكي، في الحرم المكي ورد استحباب الجوار ولو مرة في العمر سنتين وقد قام بذلك الكثير من علماء الامامية ومن جانب اخر ورد انه للحرم المكي حرمة عظيمة فأولى بالانسان ان لم يتمكن من الالتزام بالحرمات الخاصة والاحكام الخاصة بالحرم المكي ان لا يفرط في ذلك ويبقى كثيراً وان يلتزم بهذه الاداب، هذا وجه جمع لما ورد في الحرم المكي او الحرم المدني النبوي او حرم الامير (عليه السلام) او حرم سيد الشهداء ان هناك لابد ان يلتزم الانسان بآداب خاصة مثلاً في الحرم الحسيني في كربلاء يكره ان يشبع الانسان كثيراً او يتملى من الاكل في بطنه او يأكل لحماً بكثرة او ماشابه ذلك، لماذا لأن ذلك المشهد في الحقيقة مشهد عظيم عند الله عزوجل قد قتل فيه سبط رسول الله وحز رأسه الشريف وقد لاقى العترة ما لاقت من البلاء واصحاب الحسين الخلص وحرم رسول الله هناك كيف عانوا من الاسر والهتك فالمشهد مشهد مصاب وليس مشهد فرح ولذلك اهالي كربلاء حفظهم الله وحرسهم عندهم مراسم قديمة والى يومنا هذا عندما يريدون ان يعقدوا زفاف عرس او ماشابه ذلك لايزفون المعرس في ضاحية كربلاء وانما يخرجون بهم الى خارج كربلاء ويتم الزفاف هناك مراعاة لحرمة المصاب الموجود في حرم سيد الشهداء فهذه امور واداب لابد ان تلتزم ومن ثم للحرم المكي والحرم المدني محرمات وكذلك في حرم الامير وحرم سيد الشهداء وحرم بقية الائمة.
*******
ننقل لكم ما تبقى من أهم ما ذكره المؤرخون من حوادث جرت على المشهد الحسيني المبارك في القرن الهجري السابع وفي سنة ستمئة وخمس وثلاثين هجرية، توفي الامير شرف الدين علي في عنفوان شبابه، فدُفن عند والدته إيران خاتون بمشهد الامام الحسين (عليه السلام)، حيث أصبح ذلك سنة عند الامراء أن يوصوا فيدفنوا في تلك الارض المقدسة يرجون فيها الرحمة وقد توفي بعد ذلك بسنتين والده الامير جمال الدين قشتمر الناصري ببغداد، فحمل الى المشهد الحسيني الزاهر فدفن هناك عند زوجته وولده وفي سنة ستمئة وست وسبعين توفيّ الشاب الفاضل جمال الدين أبو الحسن علي المخرميّ، حافظ القرآن المجيد، ومؤلف كتاب (نتائج الافكار)، وكان أوصى أن يدفن في كربلاء، في تل قريب من مشهد أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه كذلك دُفن في مشهد الحسين (عليه السلام) أمين الدين كافور الخادم الظاهري سنة ستمئة وثلاث وخمسين بعد أن حُمل اليه من بغداد.
وفي تلك السنة زار الملك الناصر الايوبي المرقد الحسيني أما سنة ستمئة وست وخمسين فقد حملت لنا نبأ تاريخياً كبيراً، وهو قضاء الزعيم المغولي هولاكو بن أورخان بن جنكيز خان على الدولة العباسية، ورغم اشاعته للدمار في طول البلاد وعرضها، الا انه لم يتعرض للحائر الحسيني بسوء، ويعود الفضل في ذلك الى يوسف بن زين الدين بن علي بن المطهر الحليّ، والد العلامة الحليّ، حيث أخبر هولاكو بما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) بغلبة المغول على بني العباس في خطبة الزوراء ـ كما في (كشف اليقين) للعلامة الحليّ، و(الحوادث الجامعة) لابن الفوطيّ. ويقال بأن السيد محمد الحسن بن طاووس ألف لهولاكو كتاب (البشارة) فأرتدع هولاكو عن التعرض للمشاهد المشرفة فسلمت الحلة والكوفة والمشهدان الشريفان: العلوي والحسينيّ من القتل والنهب والدمار، فعينه هولاكو نقيباً للطالبين، وأوكل اليه الاشراف على المشهدين: الغروي، والحائري.
وخلال حكمه ما بين سنتي ثلاث وثمانين وتسعين بعد الستمئة هجرية ورد السلطان أرغون المغولي العراق، فتشرف بزيارة الحائر الحسيني، وقد رأى انقطاع الماء عن مدينة كربلاء عبر نهر العلقميّ، حيث أهمل كريه وتنظيفه، فسعى لحفر نهر جديد يصل الفرات بالحائر، وهو النهر الذي يُعرف اليوم بـ (نهر الحسينية).
ثم زار العراق سنة ستمئة وثلاث وتسعين السلطان محمود بن غازان بن أرغون حفيد هولاكو، قادماً من بلاد الجبل منطقة التبت الصينية موطن المغول، فتشرف بزيارة الحائر الحسيني المقدس، وأمر بتوزيع ثلاثة آلاف قرص من الخبز على المجاورين للحرم كل يوم على مدى اقامته بها وعاد هذا السلطان بعد سنتين فزار مرقد الامام الحسين (عليه السلام)، مقيماً في مدينة كربلاء ستة أيام، فأمر للعلويين والمقيمين هناك بمال كثير، وقدّم لضريح أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) هدايا كثيرة، وزيّن الروضة الحسينية بالتحف النفيسة، وأمر بتنظيف مجرى نهر العلقميّ وإعادة المياه اليه خدمة للمجاورين والزائرين، ووهب غلات هذا النهر الى العلويين والفقراء الذين يفدون الى زيارة المرقد الحسيني الطاهر، وهم كثر وحول هذه الخدمات نظم الشيخ السماويّ في أرجوزته يقول:
ثم التوت مياهه بالجرف
ولم يكد ينفع أهل الطف
حتى أعاد العلقمي ثانيا
محمود ثم سُميّ (الغزانيا)
في ستة التسعين والثماني
من بعد ستمئة فوان
وأخيراً يكتب آدم متز في كتابه (الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري) أن القبر الحسيني الشريف، كان مغطى قبل القرن الثامن الهجري بقماش (تاديز) البلدة المعروفة بالنسيج في منطقة بخارى، وكان حول القبر شموع مضاءة.
*******