البث المباشر

تاريخ المشهد الحسيني في أواخر القرن الهجري الثاني

الأحد 26 مايو 2019 - 10:23 بتوقيت طهران

قضى نحبه في كربلاء ابن أحمد

فلن ينقضي نحبي عليه الى الحشر

قضى نحبه في (نينوى) وبها ثوى

فعطر منها الكائنات ثرى القبر

قضى نحبه في الطف من فوقه طفا

نجيع كسا الآفاق بالحلل الحمر

السلام عليك يا ثار وابن ثاره، والوتر الموتور، السلام عليك وعلى الارواح التي حلت بفنائك، وأناخت برحلك، أشهد أنك طهر طاهر مطهر، من طهر طاهر مطهر، طهرت وطهرت بك البلاد، وطهرت أرض أنت بها، وطهر حرمك.
في تاريخ أرض الحسين، ومدينة الحسين، صلوات الله وسلامه على أبي عبد الله الحسين، يرى بعض المؤرخين أن المختار بن أبي عبيدة الثقفي، هو الذي قام بتشييد البناء على قبر الامام الحسين (عليه السلام)، واتخذ له قرية ً من حوله. وبقي هذا البناء قائما ً طيلة حكم الامويين والمسالح قائمة من حوله؛ لتمنع الوافدين للزيارة، ولم يزل هذا البناء والمسجد الى قيام الدولة العباسية، وقد انشغل العباسيون بتوطيد دعائم ملكهم عن انتهاك القبر المطهر في بادئ الامر فكان للشيعة انفراج مسبي يومذاك، كما حصل لهم من قبل بعد هلاك يزيد بن معاوية المفاجئ وهروب عبيد الله بن زياد من العراق، وتوليّ المختار الثقفيّ قيادة السلطة في الكوفة.
ومن الادلة الواضحة على بقاء البناء ما جاء في رواية صفوان الجمال، عن الامام جعفر الصادق سلام الله عليه حيث قال له: "اذا اردت قبر الحسين في كربلاء، فقف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر، ثم ادخل الروضة وقم بحذائها من حيث يلي الراس، ثم اخرج من الباب عند رجلي علي بن الحسين (عليه السلام)، ثم توجه الى الشهداء، ثم امش حتى تأتي مشهد ابي الفضل العباس، فقف على باب السقيفة وسلم".
ومن هذه الرواية، وروايات اخرى ينقلها ابن قولويه في (كامل الزيارات) يستفاد أن كانت على القبر الشريف لسيد الشهداء قبة، وعلى قبر أبي الفضل العباس (عليه السلام) سقيفة، وباب للولوج الى داخل السقيفة، كذلك يستفاد منها وجود بناء على الحائر الحسيني في زمن الامام الصادق (عليه السلام) المولود سنة ثلاث وثمانين والمستشهد سنة مئة وثمان وأربعين، حتى أن الشعرانيّ قد توصل الى ان الحائر الحسيني في تلك الفترة كان اوسع من الحائر الحالي ـ يعني ما تحت القبة والرواق الواقع على اطرافه.
كذلك يتضح من روايات اخرى منقولة عن الامام الصادق (عليه السلام) ايضاً، ان مسجداً وسقيفة كانا قائمين في الحرم الحسيني الطاهر، وكانت هنالك شجرة سدر تظل السقيفة، لم تزل حتى الايام الاخيرة للعهد الاموي.

*******

قد أثار فقهاء البلاطات الجائرة وخاصة البلاط الاموي تشكيكات وشبهات كثيرة بشأن مشروعية بناء القباب على قبر سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) وسائر اولياء الله عزوجل مدعين ظاهراً أن تناقض التوحيد الخالص في حين أن هدفهم الاساس هو التصدي لآثار تعظيم مشاهد الاولياء في شد الناس الى الدين الحق وممثليه الحقيقيين والا فان مشروعية بناء هذه القباب وإعمار المشاهد المشرفة من أعمال الخيرالتي لاشك ليس في مشروعيتها بل في رجحانها
المزيد من التوضيح لهذه الحقيقة نستمع اليه من خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند في الحديث الهاتفي التالي:
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد واله الطاهرين.
الاية الكريمة في سورة النور «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ» هذه البيوت لم يخصها القرآن الكريم بأسم المساجد مما يدلل على ان هناك بيوت قد شعرها الله عزوجل وجعلها مشعراً وهذه البيوت قد اصبحت عن السنة النبوية كما روى ذلك السيوطي واخرجه عن عدة مصادر معتمدة عن اهل السنة ان تلك البيوت سئل عنها النبي فقال بيوت الانبياء وبالتالي اذن هي ليست مخصوصة بالمساجد بل في رواية اخرى ايضاً اخرجها السيوطي في الدر المنثور في ذيل الاية ان رجلاً قام او ان ابا بكر سأل النبي (صلى الله عليه وآله) واشار الى بيت علي وفاطمة عندما سأل ذلك السائل ان هذه البيوت ما هي؟
قال: بيوت الانبياء فقام وسأل الخليفة الاول ابو بكر النبي، هذا البيت منها واشار الى بيت علي وفاطمة؟
فقال النبي: هو من افاضلها. ففي الحقيقة بيوت الانبياء هي بيوت النبي (صلى الله عليه وآله) ومنها بيت فاطمة وعلي وهو من بيوت النبي الذي وضع فيه الصديقة وصهره علي ابن ابي طالب فبتنصيص عدة روايات ان تلك البيوت هي بيوت الانبياء ومن بيوت النبي بيت علي وفاطمة اضف الى هذه الرواية ايضاً الرواية التي رواها السيوطي واخرج عنها من عدة مصادر انه من الواضح ان هذه البيوت التي اطلق تسميتها القرآن من دون تقييدها بعنوان المساجد الخاصة ان هذه البيوت تشعيرها اعظم من المساجد لأن المشاعر التي يشعرها الله هي وقف من قبل الله ولايمكن ان تتغير حتى تقوم القيامة كمنى وعرفات والمزدلفة وبيت الله الحرام ومكة المكرمة وحرم المدينة المنورة ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) هذه مشاعر والمشاعر كما يقول الفقهاء اعظم شعيرة وشعاراً وتشعيراً وحرمة و وقفاً من وقف المساجد التي يوقفها الناس العاديون اذن هذه البيوت كما يقول الشيخ جعفر كاشف الغطاء من علماء الامامية ان هذه الاية خاصة في تشعير خاص لمراقد اهل البيت بأعتبار ان كل بيت يحتوي على الذرية المطهرة من اهل اية التطهير يكون بالتالي من بيوت النبي ويكون مشعراً في هذه الاية وهذه الاية تحث جميع المسلمين وجميع البشر على تعظيم واجلال عمارة واحياء هذه البيوت اي هذه المراقد التي هي بيوت النبي (صلى الله عليه وآله) «أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ» اي تعظم وتجلل وتعمر وتحيى احياءها بالعمران، احياءها بالزيارة، احياءها بذكر الله عندها، اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه اي يتعبد الى الله عزوجل فيها فكل هذه تصريحات عظيمة من القرآن الكريم دالة على شاعرية وعظمة مراقد اهل البيت التي هي بيوت للنبي (صلى الله عليه وآله) بالتالي هو بيت الحسين الذي قبر ودفن فيه وبيت الحسن البقيع وايضاً بيت امير المؤمنين الذي دفن فيه، الغري، النجف الاشرف وغيرها من الذرية الطاهرة كلها بيوت النبي وهم ابناء رسول الله (صلى الله عليه وآله).

*******

فنتطرق الى تأريخ المشهد الحسيني في أواخر القرن الهجري الثاني، بعد أن استقر الحكم للعباسيين، أصبحوا يجاهرون بمعاداتهم للعلويين والتضييق عليهم، فأرهبوهم وزجوّا بهم في سجون الموت، ومنعوهم من اظهار شعائرهم، والتمتع بزياراتهم لقبور ائمتهم. ثم كان الهدوء النسبي لفترة قصيرة أيام المهدي العباسي، فأخذ الشيعة يفدون على زيارة الحائر الحسيني بشئ من الحرية والامان، الى استلام هارون الرشيد مقاليد الحكم سنة مئة وسبعين، وسرعانما تغيرت سياسته، فأعاد اسلوب جده المنصور العباسي بالتضييق على الشيعة، واستعمال القسوة والبطش ضد العلويين، فقتل الامام الكاظم (عليه السلام) في حبوسه بعد سجن طويل، ثم ظهرت نواياه الخبيثة تجاه القبر الشريف لابي عبد الله الحسين (عليه السلام)، فعمد سنة مئة وسبع وثمانين الى كرب المرقد المطهر، وقطع السدرة التي كانت بجانب القبر، وكانت تلك السدرة دالة على القبر ودليلاً اليه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قالها ثلاثاً: «لعن الله قاطع السدرة».
فحاول هذا الحاقد على اهل بيت النبوة طمس آثار القبر ومحو رسمه فكربه وهدم الابنية التي كانت حوله محيطة به، كذلك خرب المسجد المبني عند قبر الحسين (عليه السلام). ثم تابع ولاة الرشيد سيدهم وقائدهم الى جهنم في هدم القبرالشريف وتخريبه عدة مرات!
والى عهد الامين العباسي، لم ينل الحائر الحسيني الا القليل من الاعمار، ثم جاءت فرصة للمأمون ـ وكان احوجا يكون الى كسب رضى الناس بعد نقمتهم عليه بقتل اخيه ـ فحاول ارضاء العلويين والتخفيف من حدة غضبهم ودفع ثوراتهم، بأن فسح لهم المجال في اعمار الحرم الحسيني النيّر، حتى عاد الهدم والتخريب والكرب وتسريح المياه على ذلك القبر الطاهر على يد اخبث خبثاء بني العباس (المتوكل) على يد اليهودي ابراهيم الديزج مرة، ويدي عمر بن فرج الرخجيّ مرة اخرى، وأيدي غيرهما مراراً عديدة والى ذلك كان يمنع الزوار من الوصول الى قبر الامام الحسين، تخويفاً أو حبساً أحياناً، أو قتلاً في أحايين كثيرة. وكلما تسلل الشيعة مجددين بناء القبر خفية، عاد المتوكل عليه بالهدم والتخريب، مشددا على زواره بالمسالح القاسية. حتى كان هلاكه على يد ابنه المنتصر بالله سنة مئتين وسبع واربعين، فاطلق اوقاف اهل البيت التي كان ابوه المتوكل قد صادرها، وأطلق أيدي الشيعة في إعمار الحائر الحسيني، وشارك في البناء والتشييد، حتى بنى على المرقد الشريف ميلاً عالياً، كدليل يرشد الناس الى الرحم المطهر، فهوت قلوب الشيعة والمحبين الى زيارة مرقد سيد شباب اهل الجنة من كل بلد وأرض، متوافدين لا تنقطع قوافلهم عن الرحيل الى ارض الحسين.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة