السلام عليك يا حسين لقد كنت للرسول صلى الله عليه وآله ولداً، وللقرآن سنداً، وللامة عضداً وفي الطاعة مجتهداً حافظا للعهد والميثاق، ناكباً عن سبل الفساق، باذلاً للمجهود، طويل الركوع والسجود زاهداً في الدنيا زهد الراحل عنها، ناظراً اليها بعين المستوحشين منها آمالك عنها مكفوفة، وهمتك عن زينتها مصروفة، والحاظك عن بهجتها مطروفة، ورغبتك في الآخرة معروفة.
سلام عليكم اعزاءنا نلتقيكم وآيات اخرى من آيات المصاب الحسيني فقد لاقى الحسين ريحانة المصطفى ما لاقى في كربلاء، وكان ما كان من القوم معه في كربلاء وفي يوم عاشوراء وبعد عاشوراء.
ولم يكتف القوم بما صنعوا وقد رأوا هول ما جنت ايديهم من السفك، فراحوا يحاولون مسح الآثار، وتشويش الاذهان، لكن آيات المصاب ظلت تصدع في الانفس والآفاق، وحتى في قصر الطاغية يزيد، اذ وقف الامام السجاد علي بن الحسين سلام الله عليهما فعرف الناس بما ارتكبت من جرائم في طف كربلاء وما اقدمت عليه يد السفاكين يوم عاشوراء ومن كان القتلى وما كان بعد القتل من تمثيل وتنكيل وسلب ونهب واسر وارهاب وقسر فضج الناس بالبكاء حتى خشي يزيد انقلاب الناس عليه فأمر المؤذن ان يؤذن ولات وقت صلاة فاذا بلغ قوله اشهد ان محمد رسول الله صاح بالمؤذن اسألك بحق محمد ان تسكت حتى اكلم هذا ثم التفت الى يزيد ليسأله هذا الرسول العزيز الكريم جدك ام جدي؟
فان قلت جدك: علم الحاضرون والناس كلهم انك كاذب.
وان قلت جدي: فلم قتلت ابي ظلماً وعدواناً، وانتهبت ماله وسبيت نساءه؟ فويل لك يوم القيامة اذا كان جدي خصمك! فصاح يزيد بالمؤذن اقم للصلاة فوقع بين الناس همهمة فصلى بعضهم وتفرق البعض الاخر.
هذا ما نقله الموفق الخوارزمي الحنفي المذهب في كتابه الشهير مقتل الحسين عليه السلام وينقل آية اخرى من آيات المصاب الحسيني الفجيع فيكتب عن الرئيس ابي الفتح حدثنا ابو العباس احمد بن الحسين الحنفي ويتسلسل مع من يثق من الرواة حتى يبلغ الى عبد الله بن عمرو الخزاعي عن هند بنت الجون هكذا وقد سماها الزمخشري في كتابه ربيع الابرار بـ هند بنت الجون، وقالت هند: تلك نزل رسول الله صلى الله عليه وآله بخيمة خالتي ام معبد ومعه اصحاب له، وكان اليوم قائضاً شديداً فلما قام من رقدته دعا بماء فغسل يديه فانقاهما ثم مضمض فاه ومجه في عوسجة أي شجرة كانت الى جنب خيمة خالتي ثلاث مرات واستنشق ثلاثاً وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً، ثم قال: ان لهذه العوسجة شأناً ثم قام فصلى ركعتين.
قالت هند: فعجبت انا وفتيات الحي من ذلك وما كان عهدنا بالصلاة ولا رأينا مصلياً قبله فلما كان من الغد اصبحنا وقد علت العوسجة حتى صارت كأعظم دوحة عالية وابهى، وقد خضد الله شوكتها أي قطع شوكتها فوشجت عروقها وكثرت افنانها واخضر ساقها ثم اثمرت بعد ذلك فاينعت بثمر كان كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس المسحوق ورائحة العنبر وطعم الشهد، والله ما اكل منها جائع الا شبع وظمآن الا روي، ولا سقيم الا برئ، ولا ذو حاجة وفاقة الا استغنى ولا اكل ورقها بعير ولا ناقة ولا شاة الا سمنت ودر لبنها فرأينا النماء والبركة في اموالنا منذ يوم نزل صلى الله عليه وآله واخصبت بلادنا وامرعت فكنا نسمي تلك الشجرة المباركة وكان ينتابنا من حولنا من اهل البوادي يستظلون بها ويتزودون من ورقها في الاسفار ويحملون معهم للارض القفار.
ثم ماذا كان يا ترى ولماذا؟ نبقى مع هند بنت الجون لتحدثنا بعد هذه الوقفة القصيرة.
تقول هند: فلم نزل كذلك وعلى ذلك حتى اصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمارها، واصفر ورقها فاحزننا ذلك وفزعنا من ذلك فما كان الا قليل حتى جاء نعي رسول الله صلى الله عليه وآله فاذا هو قد قبض ذلك اليوم فأقامت على ذلك نحو ثلاثين سنة، فلما كان ذات يوم، اصبحنا واذا بها قد شاكت من اولها وآخرها وذهبت نضارة عيدانها، وتساقط جميع ثمارها، فما كان الا يسير حتى وافى خبر مقتل امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام فما اثمرت بعد ذلك، لا قليلاً ولا كثيراً، ولم نزل نحن ومن حولنا نأخذ من ورقها، ونداوي به مرضانا، ونستشفي به من اسقامنا، فأقامت على ذلك برهة طويلة، ثم اصبحنا ذات يوم فاذا بها قد انبعث من ساقها دم عبيط، واذا باوراقها ذابلة تقطر دماً كماء اللحم فقلنا قد حدثت حادثة عظيمة! فبتنا ليلتنا فزعين مهموسين نتوقع الحادثة فلما اظلم الليل علينا سمعنا بكاءاً وعويلاً من تحت الارض، وجلبة شديدة ورجة وسمعنا صوت نائح يقول:
ايا ابن النبي ويا ابن الوصي
بقية ساداتنا الاكرمينا
وكثر الرنين والاصوات فلم نفهم كثيراً مما كانوا يقولون، فاتانا بعد ذلك خبر قتل الحسين عليه السلام ويبست الشجرة وجفت وكسرتها الرياح والامطار فذهبت ودرس اثرها.
نقل ذلك الحاكم في اماليه حسب ما رواه عنه ابن شهر آشوب في مناقب آل ابي طالب وبعض كتب المناقب المعتبرة عن الحافظ ابي منصور الديلمي مضيفين على ما ثبته الخوارزمي الحنفي في كتابه مقتل الحسين ان عبد الله بن محمد الانصاري قال: لقيت دعبل بن علي الخزاعي في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله فحدثته بهذا الحديث فلم ينكره وقال دعبل حدثني ابي عن جدي عن امه سعدى بنت مالك الخزاعية انها ادركت تلك الشجرة واكلت من ثمرها على عهد علي بن ابي طالب عليه السلام، وانها سمعت ليلة قتل الحسين عليه السلام نوح الجن فحفظت منهم هذين البيتين:
يا ابن الشهيد ويا شهيداً عمه
خير العمومة جعفر الطيار
عجباً لمصقول اصابك حده
في الوجد منك وقد علاك غبار
*******