السلام عليك يا ابا عبد الله، السلام عليك يا ابن رسول الله، اشهد انك اقمت الصلاة وآتيت الزكاة، وامرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، ودعوت الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، واشهد ان الذين سفكوا دمك واستحلوا حرمتك، ملعونون معذبون، على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
ربما يتساءل متساءل: من قتل الامام الحسين؟ او من كان وراء قتل الامام الحسين، ومن امر بذلك؟ وهنا لابد ان نهرع الى الروايات، واتماماً للحجة نرجع الى مصادر اهل السنة.
وامعاناً في الانصاف تأخذها من مصادر القوم المترددين في الاجابة الصريحة.
نأتي اولاً الى كتاب كنز العمال للمتقي الهدى، وهو من علماء السنة ومحدثيهم المشهورين فنقرأ على الصفحة 223 من الجزء السادس هذا الخبر الذي اسنده الى النبي صلى الله عليه وآله انه قال في حديث له: لا بارك الله في يزيد الطعان، اللعان!
ثم قال: اما انه نعي اليَّ حبيبي حسين، واوتيت تربته، ورأيت قاتله.
قال المتقي الهندي: اخرجه ابن عساكر الدمشقي في تاريخ دمشق عند عبد الله بن عمر.
كذا اخرجه ابن حجر الهيتمي الشافعي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج9 ص190 عن معاذ بن جبل ان النبي صلى الله عليه وآله قال في حديث له: يزيد.. لا بارك الله في يزيد.
ثم ذرفت عيناه بالدموع فقال: نعي الي الحسين واوتيت تربته، واخبرت بقاتله ثم قال: واهاً لفراخ آل محمد من خليفة مستخلف، مترف، يقتل خلفي وخلف الخلف!
ونأتي الى الخوارزمي - وهو حنفي المذهب - فنقرأ في كتابه مقتل الحسين ج1 ص163-164، وابن اعثم الكوفي في الفتوح ج4 ص216-219 عن ابن عباس يقول: لما اتت على الحسين سنتان من مولده، خرج النبي صلى الله عليه وآله في سفر له، فلما كان في بعض الطريق وقف فاسترجع أي قال: انا لله، وانا اليه راجعون، ودمعت عيناه، فسئل عن ذلك فقال: هذا جبرئيل يخبرني عن ارض بشاطئ الفرات يقال لها كربلاء يقتل بها ولدي الحسين ابن فاطمة فقال نفر: من يقتله يارسول الله؟!
فقال صلى الله عليه وآله: رجل يقال له يزيد، لا بارك الله في نفسه... وكأني انظر الى مصرعه ومدفنه بها، وقد اهدي رأسه!
الى ان قال صلى الله عليه وآله: فلعنة الله على قاتله، وخاذله الى آخر الدهر.
ونبقى مع المصادر المتسالم عليها عند القوم، لنتعرف بوضوح على قاتل سيد شباب اهل الجنة، وريحانة رسول الله، وسيد الشهداء، ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه، وكيف ورد اسمه في الروايات الموثقة، وما حاله فيما بعد مرة اخرى نعود الى المتقي الهندي لنقرأ هذه المرة على الصفحة 39 من الجزء السادس ـ من مؤلفه الشهير كنز العمال، لنراه كتب ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال يوماً: انا محمد النبي، اوتيت فواتح الكلم وخواتيمه، الى ان قال: يزيد لا بارك الله في يزيد نعي الي الحسين، واوتيت بتربته واخبرت بقاتله.
قال الهندي: اخرجه الطبراني في معجمه عن معاذ بن جبل.
اما الهيتمي ابن حجر وهو شافعي المذهب فقد نقل الخبر عن معاذ في مؤلفه المعروف مجمع الزوائد ومنبع الفوائد الصفحة 189 من الجزء التاسع انه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: انا محمد النبي، حتى قال: تناسخت النبوة فصارت ملكاً، رحمه الله من اخذها بحقها، وخرج منها كما دخلها. امسك يا معاذ واحص، قال معاذ بن جبل فلما بلغت خمساً قال: يزيد لا بارك الله في يزيد.
ثم ذرفت عيناه ثم قال: نعي الي الحسين.
وذكر المناوي الشافعي في كتابه فيض القدير في شرح الجامع الصغير هذا الخبر باختصار، وختمه بقوله: اخرجه ابن عساكر عن سلمه بن الاكوع وفي الشرح قال: ورواه ابو نعيم الاصفهاني في حلية الاولياء، والديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب.
فيما روى ابن عباس كما نقل ابن اعثم الكوفي في الفتوح ص219 والخوارزمي في مقتل الحسين ج1 ص164 ان النبي صلى الله عليه وآله بعدما نقل من سفر له وكان مغموراً، قال وقد حمل الحسن والحسين هذا أطايب عترتي، وخيار ذريتي وارومتي، ومن اخلفهم في امتي، اللهم وقد اخبرني جبرئيل بان ولدي هذا ـ واشار الى الحسين ـ مقتول مخذول.
اللهم بارك له في قتله، واجعله من سادات الشهداء، انك على كل شيء قدير، اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله! فبكى الصحابة، فقال لهم النبي اتبكون ولا تنصرونه؟!
الى ان قال: الا وان جبرئيل قد اخبرني بان امتي تقتل ولدي الحسين بأرض كرب وبلاء الا لعنة الله على قاتله وخاذله الى اخر الدهر.
والان .. وقد تعرفنا على قاتل الامام الحسين .. فلنتعرف على مصيره، لنرى هل اصبح آية في التأريخ مشيرة الى ذلك المصاب المفجع في عاشوراء كربلاء؟!
كتب الشيخ ابو اسحاق برهان الدين محمد بن ابراهيم بن يحيى وهو من علماء السنة في كتابه غرر الخصائص الواضحة على الصفحة 276 من طبعة مصر قال: ويقال انه لما حمل رأس الحسين رضي الله عنه الى يزيد بن معاوية ووضع بين يديه، خرجت كفُّ يدٍ من الحائط فكتبت في جبهة يزيد:
اترجو امة قتلت حسيناً
شفاعة جده يوم الحساب؟!
ونطالع في تأريخ ابن كثير الدمشقي والمسمى بـ"البداية والنهاية ج8 ص436" فنقرأ هذه العبارة: واشتهر يزيد بالمعازف وشرب الخمور والغناء والصيد، واتخاذ القيان والكلاب، والنطاح بين الاكباش والدباب والقرود، وما من يوم الا ويصبح فيه مخموراً وقيل: ان سبب موته انه حمل قردة وجعل ينقزها فعضته، (ينقزها ـ أي يوثبها ويرقصها!).
فيما كتب البلاذري على الصفحة الثانية من الجزء الرابع من كتابه انساب الاشراف ان سبب موت يزيد انه حمل قردة على الاتان، وهو سكران، ثم ركض خلفها فسقط، فاندقت عنقه او انقطع في جوفه شيء! وعن ابن عياش، والكلام ما زال للبلاذري انه قال: خرج يزيد يتصيد بـ حوارين وهو سكران، فركب وبين يديه اتان وحشية أي حمارة وحشية قد حمل عليها قرداً، وجعل يركض الاتان ويقول:
ابا خلف احتل لنفسك حيلة
فليس عليها - ان هلكت – ضمان
فسقط واندقت عنقه!
اجل .. ودفن بدمشق فاصبح قبره مزبلة يتزاحم عليها الذباب، وتتهاوى عليه اللعنات الالهية تترى ولا تنقطع، بعد ان بات سكران وهلك مغافصة بلا مهلة، واصبح متغيراً كأنه مطلي بالقار النفط الاسود كما قال عبد الرحمان الغنوي أليس ذلك اية شاخصة ماثلة على كرامة الامام الحسين عند الله عز وجل، واستجابة دعوات الرسول صلى الله عليه وآله ولعناته على قاتليه وخاذليه!
*******