لكن ما يقوم به ترامب مع السعودية قد يفوق تعاملاته مع الاخرين حتى وان ذكرنا كلامه عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووصفه اياه "بالقاتل ال...." بحسب ما نقل عنه الصحافي الموثوق "بوب ودوورد" .
ترامب ومنذ انطلاق حملته الإنتخابية وجه كلاما قاسيا للسعودية وصولا الى الإهانة الإخيرة التي تحدث فيها عن المال السعودي والحماية المهينة الاميركية للرياض. تخلل ذلك تصريحات عن عدم قدرة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز على حماية ملكه اسبوعا واحدا لولا واشنطن اضافة الى تصريحاته حول زيارته للسعودية عام 2017 وتقبيل الملك السعودي يد ميلانيا ترامب ثلاث مرات قبل تدخل ترامب وايقافه.
الرد السعودي على كل هذه الاهانات لم يكن الا تاكيدا على الأسباب التي دفعت وتدفع ترامب لإهانة النظام السعودي وهي ان هذا النظام لا يهتم لصورته امام العالم ولا امام شعبه طالما الاهانات تؤمن له حماية واشنطن والتي بدورها تجعله محتفظا بسطوته على بعض الانظمة العربية.
فحين تحدث ترامب عن عجز النظام السعودي عن حماية نفسه اسبوعا بدون واشنطن خرجت الرياض بمسؤوليها وجيشها الالكتروني والاعلامي لتقول انه لا ضير من بعض المزاح بين الحلفاء.
كما اننا نشاهد حاليا الصمت المطبق على الاعلام السعودي وجيشه الالكتروني في موضوع الاهانة الاخيرة.
هذه الوقائع تشير الى قاعدة قديمة منذ اكتشاف النفط في ارض الحجاز.
حيث فرض على نظام ال سعود التعامل بالدولار في تجارة النفط وكانت هذه الإهانة الاولى لهذا النظام.
وعبر الحقبات اللاحقة تكررت هذه الاهانات وصولا الى دونالد ترامب الذي قرر توجيه الاهانات بشكل مباشر وليس بالغمز واللمز كما فعل سابقوه.
وهذه الطريقة ليست غريبة على ترامب الذي يعمل على قاعدة الربح والخسارة حتى مع حلفائه، وهنا يحضر كلام مبعوثيه نقلا عنه مع رئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الاستيطان حيث قالوا له لا تكن كالخنزير في موضوع الاستيطان.
اما مع السعودية فقد كان الرؤساء السابقون لا يهينون السعوديين بالعلن ولا يطلبون المال على الملء، بينما ترامب يهين علنا ويطلب جهرا. ويبدو الامر مفاجئا للنظام السعودي الذي تعود على الاهانات من الأميركي في الغرف المغلقة وبعيدا عن الاعلام واحيانا كان يظهر بعض المواقف الصدامية على اعتبار انه يدافع عن كرامته في وجه الاهانات.
لكن ترامب قلب كل ذلك وهو ما يظهر بكلامه الاخير حيث اخبره الملك السعودي انه لم يقل له هذا الكلام احد من قبل فرد ترامب"انا اقوله لك الان".
وهنا يمكن للمرء ان يتساءل لماذا يقبل النظام السعودي بهذه الإهانات؟ هل هو في موقع حرج يضطره لقبول الاهانات مقابل الحفاظ على وجوده في ظل السجل السيء لحقوق الانسان والوضع الداخلي المتأزم اقتصاديا؟ هل قدم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نفسه بطريقة انبطاحية لدونالد ترامب حتى قبل انتخابه لكي يؤمن حماية وتغطية لسياساته خارجيا لاسيما في اليمن والعداء لإيران والتطبيع؟ وداخليا من خلال التطهير السياسي لمنافسيه والقتل والتقطيع لمنتقديه والاعدام للمطالبين بحقوقهم؟؟
هل شجعت هذه الانبطاحية ترامب على التعاطي بهذا الاسلوب المهين والبعيد عن الاحترام مع السعوديين لانه وجدهم على استعداد لتقديم اي شيء مقابل البقاء في السلطة؟؟
مهما يكن نحن على يقين بأن المواطن السعودي لا يقبل هذه الاهانات التي جلبها نظامه له وانه في السعودية كثيرون لا يقبلون سياسات العائلة الملكة وتحديدا بن سلمان.
لكن ما وقع قد وقع. وبين دول تفرض نفسها واحترامها رغم الحروب الاقتصادية والسياسية ضدها ورغم التحريض الاعمى ضدها، وبين دول تضحك للإهانة وتعتبرها مزاحا من حليف.(على قاعدة الذي قالوا له لقد بصق في وجهك فقال كلا.. انها تمطر). يبدو الفرق شاسعا لأنك حين ترتهن لمن يهينك ويذكرك بانه سبب بقائك فانك لن تستطيع الخروج من هذا الواقع الا بسيناريو وحيد شاهدناه كثيرا في السنوات والعقود الماضية... والعبرة لمن يعتبر.
حسين موسوي - قناة العالم