هذه الردود لم تُفشل الهجمات فحسب، بل أثبتت أن أي اعتداء يمكن أن يترتب عليه ثمن أكبر وغير قابل للتوقع بالنسبة للإسرائيليين. ومنذ اللحظة الأولى، غيّر الرد الإيراني مسار الحرب من «هجوم لفرض الضغط» إلى «مواجهة مكلفة ذات تبعات واقعية».

اثنا عشر يوماً من النار والردع
دخل الاحتلال الإسرائيلي مع الساعات الأولى للحرب متوهماً أنه يستطيع عبر ضربات خاطفة داخل الأراضي الإيرانية فرض نوع من التفوق العملياتي والنفسي. وكان محللون إسرائيليون يتوقعون في الأيام الأولى أن تردّ إيران في إطار معادلة الردع التقليدية. لكن لم تمضِ ساعات حتى تبيّن أن قواعد الاشتباك قد تبدلت بالكامل.
ففي اليوم الثالث، استهدف الاحتلال مقر قيادة «فراجا» في محاولة لإضعاف منظومة الأمن الداخلي الإيرانية. غير أن الرد الإيراني كان مباشراً ودقيقاً، إذ أصابت قوات الجو-فضاء التابعة للحرس الثوري مقار حساسة تابعة لـ«موساد» و«أمان» في تل أبيب، رغم وجود أنظمة دفاع متطورة وحقيقة أن مواقع هذه المراكز كانت توصف بأنها سرية وغير معلنة.
وفي سياق التصعيد، استهدف العدو منشآت اقتصادية وبنى تحتية، من بينها الهجوم على مستودع نفط في منطقة شهران، لكن الرد الإيراني جاء أقوى وأكثر تأثيراً، إذ وُضع مجمع مصفاة حيفا الحيوي تحت نار الهجمات. وهو مستوى غير مسبوق من المواجهة، إذ لم يكن الاحتلال يتوقع رداً يهز ركائز اقتصاده بهذه الصورة.
بعد ذلك، حاولت إسرائيل تعطيل القدرات اللوجستية لإيران عبر قصف مطار الشهيد مدني في تبريز، وردت إيران باستهداف مطار بن غوريون، في رسالة واضحة مفادها: إذا تجاوزت التهديدات مستوى العمليات، فإن الرد الإيراني سيتجاوز إلى المستوى الاستراتيجي. وقد تلقّت عواصم المنطقة، وحتى واشنطن، هذا الإنذار بجدّية بالغة.
ردود مضاعفة وتغيير في المعادلة
أظهرت الوقائع خلال 12 يوماً أن كل ضربة إسرائيلية كانت تُقابل برد إيراني أشد وأدق وأكثر تأثيراً. هذا الفارق بين فعل ارتجالي وآخر محسوب هو ما أعاد رسم ميزان القوى: فالتوازن لا يُقاس بحجم النار، بل بجودتها ودقتها.
وفي الداخل الإيراني، تشكلت حالة واسعة من الوحدة والدعم الشعبي للقوات المسلحة، وهو ما اعتبره بعض الخبراء جزءاً من عناصر القوة الصلبة، إذ رأى الناس في العدوان تهديداً لكرامتهم الوطنية وأمنهم اليومي.
مرحلة جديدة ... وتداعيات مفتوحة
يتفق أغلب المحللين الأمنيين اليوم على أن «هذه الجولة كانت مختلفة». فقد بات واضحاً أن أي خطأ جديد في الحسابات الإسرائيلية قد يواجه برد إيراني غير متكافئ وقد لا يكون محدوداً، قد أدركت إسرائيل أنها فقدت زمام المبادرة وأن أي هجوم جديد قد يفتح سلسلة من الردود قد تعجز عن السيطرة عليها.
إن الحرب الأخيرة دشّنت مرحلة جديدة من الردع الواضح، مرحلة تؤكد أن أي اعتداء سيحمل تكلفة مباشرة وفورية ومتزايدة. ويبقى استمرار هذا المسار مرهوناً بقرارات الاحتلال؛ لكن كل مرة يخطئ فيها الحساب، ستُعاد المعادلة بطريقة أشد قوة ووضوحاً.