موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا قبيل يا مديل يا منيل يا مقيل..."
نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ما تتضمنه من المعرفة العبادية في ميدان العقائد والاخلاق والأحكام ومن ذلك: دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا الى مقطع ورد فيه: (يا مديل يا قبيل يا منيل يا مقيل يا محيل).
هذه الأسماء الواردة في أحد مقاطع الدعاء تتضمن عبارات تحمل دلالتها اللغوية التي يستطيع قارئ الدعاء أن يستخلص منها ما هو جليّ في الذهن مع ملاحظة أنّ بعضها يقترن بشيء من الغموض إلاّ أنه غموض شفاف بمقدور قارئ الدعاء أن يتبينه بعد إمعان الملاحظة فيه.
ونقف أولاً مع عبارة: (يا مديل)، فماذا نستلهم منها؟
(الادالة) أو (الدولة) أصلها هو: دال يديل أي دار وانقلب من حال إلى حال، وعندما ننقل هذه الدلالة الى ساحة الله تعالى المقدسة حينئذ نستطيع أن نستخلص بسهولة معنى الصفة المشار اليها.
إنّ قارئ الدعاء لابدّ وأن يستحضر بذاكرته عبارات متنوعة تشير الى الله تعالى مقّلب الأمور من حال الى حال، سواء كان التقليب من خير الى شرّ أو من حال الى حال غيرها بغضّ النظر عن درجة أو كيفية ذلك، ففي الحالات جميعها مادمنا نعتقد يقيناً بأنّ الله تعالى هو الفعّال لما يريد، هو المدّبر للكون، هو الأول والآخر، هو المهيمن على كلّ ما في الكون، حينئذ فإنّ تحويل الأمر وتدويله من حال الى حال يظلّ واضحاً لا ترديد فيه ولعلّ قارئ الدعاء بمقدوره أن يخلص من هذه السّمة الى جملة أمور، منها: أنّ الله تعالى هو الفاعل والمدّبر للأحول ومنها أنّ الأمور لا تبقى ذات ثبات بل إنّ انقلابها من حال الى حال ينبغي أن يجعل قارئ الدعاء حذراً في سلوكه: كأن لا يأخذه الغرور بصحّته أو ماله أو أمنه، او لا يخيّل إليه أنّ الاستدراج بمنأى عنه، وبالعكس: ألاّ يحزن ويجزع من الشدائد فإنّ تحويل الأمرمن حال إلى حال لا ترديد فيه وهكذا.
بعد ذلك نواجه عبارة: (يا قبيل)، ترى ماذا تعني هذه العبارة؟
بعض المعنيّين بهذا الشأن أي تفسير الأسماء لله تعالى يذهب إلى أنّ المقصود من ذلك (يا كفيل)، إلاّ أنّ هذا الذهاب لا يركن إليه لأنّ المقطع نفسه يتضمن كلمة (يا كفيل) حيث حدثناك عنها.
اذن: ما المقصود من العبارة المتقدمة؟
لا نستبعد أن تكون (يا قبيل) مجانسة لعبارة (يا كفيل) ولكن مع ملاحظة فارق بينهما وقبل ان نحدثك عن الفارق نلفت نظرك الى أنّنا طالما كرّرنا بأنّ النصوص الشرعية سواء كانت نصوصاً قرآنية كريمة او نصوصاً للأربعة عشر معصوماً عليهم السلام من المستحيل أن يرد فيها ما هو مرادف من الكلمات في آن واحد، لأنّ ذلك خلاف البلاغة وخلاف الكمال وخلاف العصمة، لذلك اذا ورد من الكلام ما يظهر من الترادف فلابدّ أن نبحث عن وجوه الفارق ولو بقليل، لذلك نحتمل أنّ عبارة (يا قبيل) تشترك مع (يا كفيل) في معنى هو الكفالة وتفترق في معنى هو: أنّ الفعل (قبل) له جملة دلالات منها: الضمان ومنها: الإلتزام ومنها: مازاد على الإثنين فصاعداً من حيث الدلالة على القبيلة.. الخ بيد أنّ الدلالة الذاهبة إلى أنّ (القبيل) هو: الضامن أقرب من الدلالات الأخرى، وبهذا يتجانس (الضامن) مع (الكفيل) الذي أشار اليه بعض الشرّاح، بيد أنّ ثمة فارقاً بين (الكفيل) و(الضامن) هو: أنّ الآخر أعمّ دلالة من الأوّل، أي أنّ: القبيل أعمّ دلالة من الكفيل، لأنّ القبيل هو الضامن والضامن ينسحب على كل ما يخشى عليه بالنسبة الى العبد.
بعد ذلك تواجهنا عبارة أو فقرة: (يا منيل) والمنيل مأخوذة من الإنالة ومن النّوال، أي: العطاء والمعطي ولكنّ الفارق بين(المعطي).
وبين (المنيل) هو أن: المنيل أوسع دلالة من المعطي لأنّ (المنيل) يتّسع مدى نواله ويمتدّ، ولذلك يقال: إنّ المنيل هو من يعطي مادّاً يده، وهذا تعبير مجازيّ يعني: أنّ الله تعالى يقترن عطاؤه بمزيد من الّلطف والرأفة على عبده.
ختاماً نسأله تعالى أن ينيلنا من عطاياه وأن يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.