موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا ستار العيوب"
نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها: الدعاء الموسوم بـ(الجوشن الكبير) حيث حدّثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه: (يا علام الغيوب يا غفّار الذنوب)، ثم يقول: (يا ستـّار العيوب)، وهذه العبارة مع وضوحها تحتاج الى مزيد من الاضاءة، وهذا ما نبدأ به الآن.
ان العبد - اذا استثنينا المعصومين (عليهم السّلام) وسائر من اصطفاهم الله تعالى لتبليغ رسالته - يظلّ عرضة للذنب وللخطأ. امّا الذنب فيعني صدور المخالفة منه لمبادئ الله تعالى. وامّا الخطأ فهو خطأ التكفير؟ وفي الحالتين فإن صدور المفارقة من العبد يظل موضع الانكار من دون أدني شك. من هنا فان الكثير من الممارسات قد تظهر علانية عند العبد من حيث كونها ذنباً او خطأ. كما ان الكثير منها قد تمارس سرّاً.
ومن الطبيعي، ان المفارقة الصادرة من العبد سرّاً اقل قبحاً من المفارقة العلنية بمعنى ان العبد اذا صدر عنه ذنب او خطأ دون ان يطلع عليه احداً فهو اقل مفارقة من صدورهما علناً. من هنا نتبين اهمية العبارة القائلة: (يا ستار العيوب) وهو امر يحتاج الى المزيد من التوضيح فنقول: ان الله تعالى تسع رحمته كلّ شيء. ان رحمته تعالى لا حدود لها، انها الرحمة المطلقة، وكم هي من الخطورة بمكان حينما نعرف بأنّ الله تعالى مطّلع على العبد في كلّ سلوكه: الظاهر منه والباطن، وكم هي من الخطورة بنحو اشدّ حينما نعرف بأن الله تعالى (يستر) على عبده مفارقاته، سواء اكانت ذنوباً أو خطأ.
ان العبد وإن كان يشترك مع غيره إلاّ المعصوم (عليه السّلام) في الصدور عن الذنب او العيب، إلاّ ان ذلك اذا كان (مخفيّاً) فان السمعة لدى العبد تظل مشرقة لا تمسّ كرامته، وعلى العكس اذا اطّلع الآخرون على عيب الشخص فإنّ موقعه الاجتماعي يتزلزل حتى يصل الى درجة لا تطاق، ولكنّ الله تعالى عبر رحمته التي لا حدود لها (يستر) على العبد عيوبه حتى لا تتشوّه سمعته وموقعه الاجتماعي. وقد وردت النصوص المشيرة الى ان الله تعالى اذا ستر على عبده في الدنيا فانه تعالى يستر عليه عيوبه في الآخرة ايضاً، وهل ثمة عظمة من الرحمة اشدّ من هذا؟
أكثر من ذلك ان الله تعالى لا (يستر) على عبده عيوبه فحسب بل (يظهر) الجميل من سلوك العبد ولذلك ورد في احد الادعية:(يا من اظهر الجميل وستر القبيح)، وهذا هو منتهى ما يمكن تصوّره من سعة رحمته تعالى.
ان الشخصية سواء في الدنيا او الآخرة لا شيء اشدّ عليها من (سوء السمعة)، حتى ان الانسان ليتمنّى الموت ولا يتحمّل السمعة السيئة، وسبب ذلك من الوضوح بمكان كبير، وهو ان الانسان اجتماعي بالضرورة سواء في الدنيا او الآخرة، لذلك فان موقعه الاجتماعي اذا اقترن بالهوان والذلّ والدونية وتحقير الآخرين ايّاه، فإن العيش غير ممكن أن يتحمّله الانسان.
من هنا نعرف عظمة رحمته تعالى في العبارة القائلة: (يا ستّار العيوب)، انه تعالى حينما يستر عيوبنا يجعلنا آمنين غير قلقين من النظرات الاجتماعية التي تقترن بالدونية في النظر الى الشخص، من هنا يتعين علينا ان نحمده تعالى ونشكره ونطلب منه ستر عيوبنا في الدنيا والآخرة انه سميع مجيب.
بعد ذلك تواجهنا عبارة: (يا كاشف الكروب) ثم عبارات يتمّ بها مقطع الدعاء الثاني هي: (يا مقلّب القلوب يا طبيب القلوب يا منوّر القلوب، يا انيس القلوب، يا مفرّج الهموم، يا منفّس الغموم).
ان كلاّ من الاسماء او المظاهر المتقدمة تحتاج الى مزيد من التوضيح وإلقاء الانارة عليها وهذا ما سنتوفّر عليه ان شاء الله تعالى في حلقات مقبلة.
ختاماً نكرر عبارة الدعاء القائلة: (يا ستّار العيوب) سائلين الله تعالى ان يستر عيوبنا، وان يوفّقنا الى الاقلاع عن الذنب ويوفّقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.