موضوع البرنامج:
التقية وحفظ الدين في عصر الغيبة
معنى كون الغيبة من أمر الله وسره
حكاية عنوانها (وخشع النمر)
خليفة رب العالمين على الورى
تضيء الدنا من نور طلعته الغرا
سمي رسول الله من ولد حيدر
لقد أنجبته الطهر فاطمة الزهرا
تجمع فيه كل فضل وسؤدد
أتته معالي الخلق كلهم طرا
فديت إماماً ووعد الله يرقبه
هو النصر معقود برايته الكبرى
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله الهداة الى الله..
السلام عليكم مستمعينا الأطائب وطابت أوقاتكم بكل خير ورحمة وبركة..
معكم في لقاء جديد من هذا البرنامج ندعوكم لمرافقتنا فيه عبر المحطات التالية:
الأولى وقفة عند أهم واجبات المؤمنين في عصر الغيبة تحت عنوان: التقية وحفظ الدين في عصر الغيبة
ثم إجابة عن سؤال الأخ عبدالله الكويتي عن: معنى كون الغيبة من أمر الله وسره
والمحطة الثالثة حكاية موثقة فيها تعريف لطيف للخصال المهدوية عنوان الحكاية هو: وخشع النمر
تابعونا على بركة الله بدءً بالفقرة الخاصة بواجبات عصر الغيبة وعنوانها في لقاء اليوم هو: التقية وحفظ الدين في عصر الغيبة
روى الشيخ الصدوق في كتاب كمال الدين وتمام النعمة بسنده عن الإمام أبي الحسن الرضا – صلوات الله عليه – أنه قال:"لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، إن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية، فقيل له: يا بن رسول الله، الى متى؟ قال: الى يوم (الوقت المعلوم) وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا.
مستمعينا الأفاضل، الحديث الرضوي المتقدم صريح في أن العمل بالتقية هو من أهم واجبات المؤمنين في عصر غيبة المهدي المنتظر – عجل الله فرجه – ولا يسقط وجوبه الى أن يظهر – عليه السلام -.
ومعلوم أن مبدأ التقية قرآني أصلته عدة من الآيات الكريمة خاصة التي نزلت في شأن الصحابي الجليل عمار بن ياسر – رضوان الله عليه – والذي أكره على التلفظ بكلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان كما ورد في الروايات الشريفة المروية في المصادر المعتبرة عند مختلف الفرق الإسلامية.
كما أن مبدأ التقية هو مبدأ عقلي كوسيلة لحفظ النفس ودفع الضرر الماحق في موارد الضرورة التي ليس فيها ما يدعو للتضحية بالنفس، فهو من هذه الجهة التزام بالنهي القرآني عن إلقاء النفس في التهلكة، ولذا قال الإمام علي – عليه السلام – في المروي عنه في تفسير علي بن إبراهيم:"التقية من أفضل أعمال المؤمن يصون بها نفسه وإخوانه من الفاجرين".
وسر أفضليتها يكمن في استجابتها للأوامر الإلهية بحفظ النفس وكأمانة إلهية عند المؤمن لا ينبغي أن يقدمها إلا لهدف مقدس، ولذلك كان الإلتزام بالتقية من مقتضيات الإيمان الصادق بالله عزوجل وحكمته في تدبير شؤون عباده وإكرامه للمؤمنين، ولذلك فإن غير الملتزم بالتقية في موارد وجوبها فاقد الإيمان إذا كان عدم التزامه عن عمد وإنكار لوجوبها، ولذلك قال الإمام الرضا – عليه السلام – في الحديث المتقدم: "لا إيمان لمن لا تقية له".
أيها الأفاضل، إن حقيقة الورع هي اجتناب السقوط في المعاصي والفتن المضلة، ولذلك قال الإمام الرضا – عليه السلام – "لا دين لمن لا ورع له"، والعمل بالتقية يحضن المؤمن في عصر الغيبة المليء بالفتن من تعريض نفسه لأذى الأعداء الذي يؤدي به إما الى القتل البدني والتصفية الجسدية وإما الى القتل المعنوي بأن ينهار بسبب أذى الأعداء فيصير تابعاً لهم فيفقد دينه بارتكاب إحدى المعاصي الكبيرة وهي معصية الركون للظالمين وإعانتهم على ظلمهم.
وعليه يتضح أن المقصود بالتقية هو مساعدة المؤمن على حفظ دينه الحق والتمسك به وبالولاية الحقة من خلال تجنب ما يثير الأعداء ضده ويدفعهم الى الكيد له وعرقلة عمله الإصلاحي الذي يساهم به في التمهيد لظهور المهدي المنتظر – عجل الله فرجه -.
والى هذه الآثار المهمة للتقية في حفظ دين المؤمن يشير مولانا الإمام الصادق – عليه السلام – في الحديث المروي عنه في كتاب أصول الكافي أنه قال: "اتقوا على دينكم فأحجبوه بالتقية، فإنه لا إيمان لمن لا تقية له، إنما أنتم في الناس، كالنحل في الطير، لو أن الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شيء إلا أكلته، ولو أن الناس علموا ما في أجوافكم أنكم تحبونا أهل البيت لأكلوكم بألسنتهم ولنحلوكم – أي سعوا في إبادتكم – في السر والعلانية، رحم الله عبداً منكم كان على ولايتنا".
وهذا الهدف هو نفسه – مستمعينا الأفاضل – هو المراد من شدة تأكيد أئمة العترة المحمدية على أحد أهم مصاديق التقية وهو المعبر عنه في الأحاديث الشريفة بتعبير (كتمان أسرار آل محمد صلى الله عليه وآله) أي كتمان كل ما يؤدي كشفه الى عرقلة عمل المؤمنين في التمهيد لظهور المهدي – عجل الله فرجه – قال الإمام الباقر – عليه السلام – في حديث مروي عنه في أمالي الشيخ الطوسي "ليعين قويكم ضعيفكم وليعطف غنيكم على فقيركم ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه، واكتموا أسرارنا ولا تحملوا الناس على أعناقنا".
له غيبة طولى لمصلحة بها
ويظهر إذا ما شاء العلى جهرا
يقوم على اسم الله ينشر عدله
وأعداء الله يبترهم بترا
ويهدي الى الدنيا السلام فكلها
سلام، ولا تلقى بها أبداً شرا
ويصلحها عن كل شين ومنقص
ويبعد عنها النصر والجهل والفقرا
نتابع أيها الإخوة والأخوات تقديم حلقة اليوم من برنامجكم (شمس خلف السحاب) تستمعون لها مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
من الأخ عبدالله من الكويت ورد للبرنامج سؤال عن معنى وصف الأحاديث الشريفة لغيبة المهدي المنتظر – عجل الله فرجه – بأنها (أمر من أمر الله وسر من سر الله).
نستمع معاً لإجابة النصوص الشريفة عن هذا السؤال من أخينا الحاج عباس باقري
باقري: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم أيها الأكارم وسلام على أخينا عبد الله من الكويت.
بالنسبة لسؤال الأخ الكريم وهو ايضاً سؤال مهم. قضية الحكمة من الغيبة، لعل هذا النص الذي ذكره هذا الأخ الكريم هو من أجمع النصوص المبينة للحكمة والعلة من الغيبة "امر من أمر الله وسر من سر الله" هذا ورد في حديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لجابر الأنصاري عندما سأله عن قضية غيبة المهدي سلام الله عليه بعدما أخبره صلى الله عليه وآله بذلك. امر الله تبارك وتعالى هو ما يرتبط بتدبير الله تبارك وتعالى لشؤون عباده، هذا الجانب الأول من السؤال يعني غيبة الامام المهدي سلام الله عليه إجراء اقتضته ربوبية الله عزوجل لتدبير شؤون عباده. العباد فيما يرتبط بتلقي الرحمات الالهية الخاصة يحتاجون الى نوع من الإعداد الالهي والاستعداد الذاتي، امر الله تبارك وتعالى يرتبط بهذا الجانب لذلك الغيبة من جهة اخرى ومن أحدى الزوايا يمكن النظر اليها كرحمة من رحمات الله تبارك وتعالى، من رحمات الله الخاصة لعباده والى هذا يشير المحقق الطوسي في كون أن وجود الامام سلام الله عليه لطف يعني حتى في الغيبة هو لطف من الله تعالى، ينتفع به ولكن الاشارة هنا الى قضية اخرى، قضية أن الغيبة بحد ذاتها هي وسيلة الهية لكي يستعد ويتأهل الناس لظهور المهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف. المحقق الطوسي يشير الى غيبة الامام منا يعني هنالك نقص، يعني هنالك علة إقتضت الغيبة، من جهة الربوبية الله تبارك وتعالى من أمر الله الى تدبير شؤون العباد وإعدادهم الى الدولة المهدوية العادلة الكبرى يستعدون لها. من جهة اخرى سر من سر الله تبارك وتعالى يرتبط بالناس أنفسهم، ينبغي أن يعلموا أنهم لو كانوا مستعدين لظهور الامام سلام الله عليه لظهر الامام، هذا الأمر يرتبط بهم، كلما تأهلوا، كلما إجتهدوا في الاستعداد لظهور المهدي سلام الله عليه فقد مهدوا بذلك لظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف. هذا فيما يرتبط بالجانب الثاني "سر من سر الله" تبارك وتعالى. فيما يرتبط بهذا الجانب ايضاً هنالك عدة أقوال للعلماء في بيان معنى كونه سر من سر الله تبارك وتعالى يعني هناك مصالح معينة، هناك غايات معينة من الغيبة يحتاج إدراكها الى نمط اعلى ومرتبة اعلى. لعل الى ذلك يشير الامام زين العابدين سلام الله عليه عندما يؤكد أن مؤمني عصر الغيبة هم اعلى مرتبة من مؤمني باقي العصور لأن الله اعطاهم من الأفهام، مفهوم مولانا الامام زين العابدين "ماصارت الغيبة عندهم كالعيان" يعني يفتح الله أمامهم تبارك وتعالى ابواب الاطلاع على ما غيب من أسراره عن عموم عباده لعدم استعدادهم لها. وفقنا الله وإياكم لكل خير وأن نكون من خيار أنصار مولانا المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في غيبته وأنصاره ايضاً في ظهوره.
نشكر أخانا الحاج عباس باقري على هذه التوضيحات وندعوكم أعزاءنا المستمعين الى المحطة الأخيرة من البرنامج وحكاية لقاء اليوم التي اخترنا لها عنوان:
وخشع النمر
الحكاية التالية هي من الحكايات التي وثقها العلامة الزاهد آية الله الشيخ محمود الميثمي في كتابه المهدوي القيم (دار السلام)ن وقد نقلها عن العالم الفاضل والثقة العادل الشيخ عيسى الطهراني عن والده العارف الكامل والثقة العادل الفاضل والعلامة المولى الشيخ جعفر الطهراني كما وصفهما في مقدمة الحكاية؛ في توثيقه لهما. والحكاية تحمل مصداقاً جميلاً لتجليات الرأفة المحمدية الغراء في خاتم الأوصياء إمام زماننا المهدي – أرواحنا فداه – ننقل لكم ترجمة هذه الحكاية بعد قليل فابقوا معنا مشكورين...
قال آية الله العارف العلامة الشيخ جعفر الطهراني – قدس سره الشريف -:
(كنت في أيام صباي وقبل عمر البلوغ في مدرسة (دار الشفاء) الدينية في طهران لتعلم العلوم الدينية تبعاً لوالدي العالم – رضوان الله عليه – وذات يوم أرسلني والدي الماجد لشراء الفحم للتدفئة، فخرجت من المدرسة الى السوق فرأيت الناس وقد ازدحموا بالقرب من المدرسة على شكل حلقة كبيرة، ولما سألت عن سبب هذا الإجتماع الحاشد أخبروني أن بعض المروضين جاء بنمر فاجتمع الناس لرؤيته.. فاقتربت من تلك الحلقة الحاشدة، فرأيت هذا النمر مغلولاً بأصفاد عدة وهو أشد إرعاباً من حالة الأسد والفهد حتى أن بعض المجتمعين كانوا يتجنبون النظر إليه خاصة عندما كان يطلق صرخاته المرعبة، فكانوا يبتعدون عنه بتدافع شديد.. وفجأة ظهر فارس ذو هيبة وجلالة أذهلت الناس عن النمر وصرخاته.. لقد استغربت كثيراً من ذلك المشهد وازداد تعجبي عندما شاهدت النمر قد سكت وهدأ وهو ينظر الى ذلك الفارس المهيب).
أيها الإخوة والأخوات، لقد انطبع هذا المشهد بدقة في ذهن هذا العالم الجليل بحكم صغر سنه يومذاك، لذلك حفظ تفصيلاته بدقة وهو ينقلها قائلاً:
(ثم نزل الفارس من فرسه وتقدم باتجاه النمر وبقي الفرس في مكانه لم يتحرك وكأن قوائمه دقت في الأرض ولم يضطرب لإضطراب الناس وتحشدهم كما هي يحدث للأفراس عادة، وعندما وصل ذلك الفارس الى النمر أخذ يلاطفه ويمسح بيده على رأسه وظهره بحنان فطأطأ النمر رأسه وأخذ يمسحه كقطة أليفة على قدم الفارس الذي كان يهمس بكلمات وكأنه يحادث النمر في سؤال وجواب.. ثم توجه بخطابه الى المروضين قائلاً:
هداكم الله، ما ذنب هذا الحيوان المسكين لكي تحبسوه وتقيدوه بهذه الأصفاد؟
وكان المروضون يستمعون لكلامه في دهشة دون أن يتمكن أي منهم على أن يتحرك أو أن يكلم الفارس، أو أن يقترب منه، حتى عاد وركب فرسه وذهب.. وعندها عاد الناس الى حالتهم الطبيعية وأخذوا يتساءلون عن هويته ومن أين أتىن سألوا المروضين فقالوا:
نحن مثلكم لا نعرفه وقد دهشنا لما فعله وشعرنا بأن قدرتا الحركة والنطق سلبتا منا.. لكننا لا نشك أنه ليس رجلاً عادياً، فالرجل العادي لا يجرأ على الإقتراب من هذا النمر، كما أن النمر لا يخضع بهذه الصور لبشر عادي!!
مستمعينا الأفاضل، وكان من بركة خلو ذهن الأطفال أن حفظ آية الله الشيخ جعفر الطهراني شمائل هذا الفارس المهيب وتفاصيل وجهه بدقة لكي ينقلها لوالده العالم عندما عاد الى المدرسة، قال – رحمه الله – في تتمة الحكاية:
(تركت ذلك الجمع الحاشد في ذهولهم وتعجبهم وأسئلتهم الحائرة وذهبت الى السوق واشتريت الفحم وعدت به الى الوالد المكرم الى المدرسة فسألني عن سبب تأخري، فأخبرته بما جرى في هذه الواقعة، فسألني عن شمائل الفارس فذكرتها له فقال:
إن هذه الشمائل وطريقة التعامل مع النمر والناس التي تذكرها تنبئ أن هذا الفارس هو بقية الأئمة الأطهار وحجة الله صاحب الزمان – روحي فداه – قال ذلك وقام مسرعاً وخرج الى ذلك الجمع الحاشد وسألهم عن تفصيلات ما جرى وشمائل الفارس، فلما أخبروه بما وافق قولي تمنى أن يكون حاضراً برؤية الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة لمولاه ثم قال باطمئنان: إنه بلا شك حجة الله وبقية الأطهار روحي فداه).
إلهي عجل في ظهور وليك
المغيب وأشدد منه يا ربي الأزرا
له قسمات الوجه مثل محمد
وصولته كالمرتضى حينما كرى
له عصا موسى وكف مسيحها
وعمر طويل فيه يشبه الخضرا
تكون له النيران برداً كجده
الخليل لما أرادوا به الضرا
تقبل الله منكم أيها الأفاضل جميل متابعتكم وحسن إصغائكم لحلقة اليوم من برنامجكم (شمس خلف السحاب) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران .. شكراً لكم وفي أمان الله.