لم يحدث أن مارس محتلٌ عاتٍ في تاريخنا الحديث ما تقترفه قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة في قطاع غزة المحاصر منذ عام 2007، وإذ وصل الأمر بالصلف الإسرائيلي المجرم إلى حد قطع الماء عن الناس، يذكّر الميادين نت بالحصار وإقفال ميناء غزة، في محاولة من المحتل لخنق شعبٍ كامل برّمته.
ما لا يعرفه كثيرون عن ميناء مدينة غزة هو أنه كان من أهم موانئ فلسطين، و هو يقع غرب القطاع على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ، وقد ورد ذكره في العديد من النصوص التاريخية القديمة وكان يُعدُّ ميناءً محوريّاً في طرق تجارة القوافل في العالم القديم.
يبلغ عمقه حوالى 970 متراً، ومساحته 48 ألف متر مربع، وتم اكتشاف مجموعة من الأعمدة التيجان الرخامية القديمة والتي يعود تاريخها إلى عام 335 بعد الميلاد في ميناء غزة، ويبلغ طول الأعمدة من 3 إلى 4 أمتار، ويُعتقد أنّ الأعمدة التي تم العثور عليها تعود إلى العصر الروماني، في زمن الإمبراطور قسطنطين.
وأطلق على هذه المنطقة اسم "قسطنطيا" أو "ميوماس"، وعُرف أن ميناء ميوماس كان من أهم الموانئ خلال الفترة الرومانية.
ويمتد طول الأعمدة إلى 700 متر من الشمال إلى الجنوب على طول امتداد الساحل وعرضها من الشرق حتى ساحل البحر يصل إلى 500 متر وتمد تحت سطح البحر مسافة لا تقل عن 400 متر.
فرضت قوات الاحتلال حصاراً بحريّاً كاملاً على الميناء والمدينة في عام 2007. وأحبطت قوات الاحتلال محاولات كثيرة لرفع هذا الحصار عن طريق البحر حيث مُنعت السفن من الرسو في الميناء، باستثناء سفينتين كانتا تحملان نشطاء وبعض المساعدات.
الميناء كان الطريق الوحيد لكسر الحصار من خلال القوافل المتضامنة مع القطاع. ومن الأمثلة على هذه القوافل (أميال من الابتسامات) (أسطول الحرية).
وقد صرّح المفوض السامي لحقوق الإنسان في الامم المتحدة نافينثم بيلاي، أن هذا الحصار هو انتهاك لحقوق الإنسان والقوانين الإنسانية. كما ان دليل سان ريمو بشأن القانون الدولي المطبق في النزاعات المسلحة في البحار يقر بانه إذا لم تصلهم الاحتياجات الرئيسية اللازمة لاستمرار حياتهم فانه يجب على الطرف الذي يقوم بالحصار ان يزودهم بهذه الاحتياجات.
بدورها، أشارت لجنة الامم المتحدة لتقصي الحقائق في نزاع غزة في تقرير جولدستون إلى أن الطرف الذي يفرض الحصار يحرم الفلسطينيين من حريتهم في التنقل والعمل والسكن وحتى حقهم في المياه.
ولا يزال الميناء يُشكّل ملجأً لألاف الصيادين الغزّيين العاملين رغم المخاطر التي يتعرضون لها من قوات الاحتلال البحرية، لجهة الاعتداءات اليومية وتقييد المساحة المتاحة للصيد.
أهمية تفعيل ميناء غزة:
في الحديث عن أهمية هذا الميناء الحيوي يعدد الخبير الاقتصادي الفلسطيني أمين أبو عيش عدة نقاط تفرد لمناحيه الايجابية على الفلسطينيين:
1. ميناء غزة البحري وسيلة للتبادل التجاري بصنفيه السلعي والخدماتي بين قطاع غزة والعالم الخارجي.
2. ميناء غزة وسيلة لتسهيل وتيسير تحركات الأفراد والمسافرون بين قطاع غزة من جهة والعالم الخارجي من جهة أخري ما يختصر الوقت والتكلفة بنوعيها المحاسبي والاقتصادي.
3. يشكّل حلقة الوصل والربط بين قارتين هما أفريقيا ممثلة بمصر وبلاد الشام ممثلة بآسيا وبالمجمل كما كان قطاع غزة عبر التاريخ.
4. يعد ميناء غزة هو أقصر الطرق لعمليات النمو والتنمية الاقتصادية فهو يعمل على سرعة إدخال المواد الخام ومستلزمات الإنتاج وبشكل سريع .
5. الميناء في غزة هو الضمان الوحيد لعدم ممارسة الاحتلال وغيره لنوع من القرصنة والمتمثل ذلك في خطر المنع أو التأخير أو الإعاقة أو الإغلاق ما ينتج عنه خسائر مالية مهولة بشكل مباشر وغير مباشر .
6. هو محطة خصبة لإمكانية استغلال المورد الاقتصادي الذي ما زال خارج متناول أيادينا ألا وهو الغاز الطبيعي ففي بحرنا أكثر من 33 مليار وربما 33 تريليون متر مكعب من الغاز في حقلي مارينا غزة 1 و 2 والواقع على بعد حوالى 36 كيلو متر غرب غزة.
7. الميناء سيكون الحضن الدافئ لموردنا الضائع وكنزنا المفقود والمتمثل بكميات كافية من الثروة السمكية تسد حاجات القطاع والضفة الغربية وتسمح لنا بالتصدير والتصنيع .
8. ميناء غزة سيعمل على تخفيض معدلات البطالة المستوحشة في قطاع غزة لأكثر من الثلث للتساوي مع الضفة الغربية من 45% ألان إلى 25% حيث ستعمل الميناء على إضافة حوالي 40000 وظيفة جديدة للمنظومة الاقتصادية بشكل مباشر وغير مباشر .
9. الميناء سيعمل على تحسين المستوي الاقتصادي للدخل الفرد الفلسطيني والمقدر ألان بحوالى 600 دولار أميركي سنوياً وبالتالي تحسين إجمالي الناتج المحلي بالمجمل .
10. سيوجد نظاماً ضريبياً وجمركياً مستقلاً وتحديداً بما يتعلق بضريبة المشتريات أو ما يعرف مجازاً بضريبة القيمة المضافة التي يفرضها الكيان الصهيوني وبنسب متساوية على تجارنا في ميناء أسدود مما سيعمل ذلك إن تم على خفض كلفة المشتريات للتاجر الفلسطيني وبالتالي انخفاض السعر للمستهلك النهائي وسيوجد ذلك قاعدة لاستقلال نقدي ومقدمة لإمكانية صك نقد وعملة مستقلة فيما بعد.
11. سيوفر لـ "الدولة الفلسطينية" وقطاع غزة تحديداً بعداً استراتيجياً وسيعمل على تحقيق وفرات اقتصادية داخلية وخارجية ، كان ميناء اسدود في الماضي يستنزف الكثير من عناصر منظومتنا الاقتصادية من خلال ربط الاستيراد فقط بميناء اسدود وما نتج عنه ذلك من ارتفاع تكاليف الاستيراد والإنتاج سواء في الضفة الغربية أو القطاع.
12. وأخيراً فإن ميناء غزة ليس ضرورياً فقط للقطاع فحسب، بل هو أكثر إلحاحاً للمحافظات الشمالية التي تعتمد في أنشطتها التجارية وحركة الاستيراد على المؤانى الإسرائيلية، وكذلك التصديرية وما يعنيه ذلك من قيود وإجراءات أمنية وتكاليف وضرائب وبنود أخرى.
-------------------------
*عبد الله ذبيان- الميادين