سلام من الله عليكم أيها الأطائب ورحمة وبركات..
طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير وأهلاً بكم في حلقة اليوم من برنامجكم العقائدي هذا نتابع فيها إستنطاق النصوص الشريفة إستكمالاً للإجابة عن سؤال عرضناه قبل حلقات هو: ما هي واجباتنا تجاه حبيبنا المصطفى أو ما هي حقوقه – صلى الله عليه وآله – علينا.
وقد عرفنا في الحلقات السابقة أربعة منها هي:
- حق الطاعة والإتباع.
- وحق التحاكم إليه – صلى الله عليه وآله – وإلى أولي الأمر من خلفائه المعصومين عليهم السلام.
- وحق المودة له.
- وحق الصلاة عليه كلما ذكر صلى الله عليه وآله الطاهرين.
فما هو الحق الخامس أو الواجب الخامس من واجباتنا تجاهه صلى الله عليه وآله؟
للإجابة عن السؤال المتقدم ننطلق، مستمعينا الأفاضل، من الآيات الخمس الأوائل من سورة الحجرات المباركة وفيها تأديب من الله عزوجل لعباده بشأن أدب التعامل مع سيد الخلائق – صلى الله عليه وآله – قال تبارك وتعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{۱} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{۲} إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ{۳} إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ{٤} وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{٥}"
قبل أن نتطرق إلى الآداب المستفادة من هذه الآيات الكريمة، نشير إلى حقيقة هدانا إليها مولانا الإمام جعفر الصادق – عليه السلام – تبين أن الإلتزام بهذه الآداب في التعامل مع الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وآله – وسيلة للفوز بزيارته ومجاورته في الآخرة.
أجل فقد روى الشيخ الصدوق رضوان الله عليه في كتاب ثواب الأعمال عن الصادق عليه السلام أنه قال: "من قرأ سورة الحجرات في كل ليلة أو في كل يوم كان من زوار محمد صلى الله عليه وآله".
أيها الأحبة، المستفاد من الأحاديث الشريفة ومن التدبر في هذه الآيات الكريمة نفسها أن الأدب المحوري الذي تدعونا له هو توفير النبي الأكرم وتعظيمه – صلى الله عليه وآله – وتبين ذلك من خلال نهي الله فيها عن بعض الأعمال التي تتنافى مع ذلك.
وقد روي في تفسير علي بن إبراهيم رضوان الله عليه أن سبب نزول هذه الآيات الكريمة هو أن وفد بني تميم كانوا إذا قدموا على رسول الله – صلى الله عليه وآله – وقفوا على باب حجرته فنادوا يا محمد اخرج إلينا.
وكانوا إذا خرج – صلى الله عليه وآله – تقدموه في المشي، وإذا كلموه رفعوا أصواتهم فوق صوته ويقولون: يا محمد ما تقول في كذا وكذا كما يكلمون بعضهم بعضاً فأنزل الله الآية.
وظاهر الآية الأولى أن التقدم على رسول الله – صلى الله عليه وآله خلاف التقوى كما هو واضح من قوله عزوجل في آخرها"واتقوا الله إن الله سميع عليم" وقد ذكر المفسرون أن التقدم على رسول الله – صلى الله عليه وآله – يشمل كل سبق له في قول أو فعل، كما أنه أدب يجري في حياته وبعد وفاته.
ولذلك نهت الأحاديث الشريفة عن إستدبار قبره الشريف – صلى الله عليه وآله – مطلقاً، وحكمت ببطلان الصلاة أمام قبره بحيث يكون المصلي مستقبلاً القبلة مستدبراً لمضجعه الشريف – صلى الله عليه وآله – بل وحتى إذا لم يستدبره بالكامل بل كان متقدماً عليه على نحو المحاذاة عن يمين القبر أو عن شماله.
مستمعينا الأطائب وأما قوله تبارك وتعالى " وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ" ففيه إشارة إلى توقير النبي وإحترامه في لغة الخطاب معه – صلى الله عليه وآله – كما تشير لذلك أيضاً الآية الكريمة ٦۳ من سورة النور حيث يقول عزوجل: "لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً".
وقد روي في تفسير علي بن إبراهيم عن إمامنا الباقر – عليه السلام – أنه قال في معنى هذه الآية: "يقول تعالى: لا تقولوا يا محمد ولا يا أبا القاسم لكن قولوا يا نبي الله ويا رسول الله".
والمراد أن لا يذكر إسمه – صلى الله عليه وآله – مجرداً على صفة النبوة أو الرسالة، وليس المقصود النهي عن ذكر إسمه الشريف أو كنيته مطلقاً.
وفي أحاديث أهل البيت – عليهم السلام – تصريح بالنهي عن رفع الأصوات عند رسول الله – صلى الله عليه وآله – في حياته وبعد مماته عند قبره الشريف.
وقد استشهد مولانا الإمام الحسين – عليه السلام – بقوله عزوجل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ"وقوله: "إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى" نقول: إستشهد بهذه الآية الكريمة في محاجة الذين منعوا من أن يجدد بجنازة أخيه الحسن – عليه السلام – العهد بقبر جده صلى الله عليه وآله.
وقد صرح – عليه السلام – في هذا الإحتجاج المروي في كتاب الكافي بأن هذه الآداب تجري بعد وفاة النبي أيضاً وقال: "إن الله حرم من المؤمنين أمواتاً ما حرم منهم أحياءً".
أيها الأكارم، وخلاصة ما تقدم هي أن الحق الخامس من حقوق الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وآله – على الناس توقير وتعظيمه بعدم التقدم عليه وعدم رفع الأصوات في حضرته ومخاطبته بألقاب النبوة والرسالة وغير ذلك من مصاديق التكريم.
وهذا الأدب في التعامل معه – صلى الله عليه وآله – يجري بعد رحيله وأثناء زيارة قبره الشريف كما كان يجري في حياته الدنيوية.
وبهذه الخلاصة ننهي حلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، لكم منا دوماً خالص الدعوات ودمتم بألف خير.