السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته..
أطيب تحية نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من برنامجكم العقائدي هذا..
نتابع أيها الأفاضل الإجابة عن السؤال الذي عرضناه قبل حلقتين بشأن أدلة إثبات المعاد والحياة الآخرة.
وقد عرفنا في الحلقة السابقة أن من أوضح الأدلة الوجدانية والفطرية هو دليل وجود فطرة النزوع الى الخلود في كل إنسان.
ومن الثابت وجدانياً أن الإنسان لا ينزع بفطرته إلا لما هو موجود، فمثلاً وجود حالة العطش عند الإنسان دليل على وجود الماء وكذلك الحال مع فطرة النزوع الى الخلود، وحيث أن من الثابت وجدانياً أيضاً أن الدنيا ليس هي دار الخلود، فلابد من وجود معاد ودار أخرى تلبي فطرة الخلود عند الإنسان وهذه الدار الآخرة والمعاد والقيامة بمثابة مرحلة الإنتقال إليها، حيث الحياة السرمدية الخالدة.
مستمعينا الأفاضل، ونجد في النصوص الشريفة إشارات الى دليل وجداني ثان ينطلق أيضاً من معرفة الفطرة التي فطر الإنسان عليها.
هذا الدليل ينطلق من ملاحظة أن الإنسان مجبول على فطرة بلوغ الكمال في كل ما يطمح إليه.
فهو يطمح بفطرته الى أن يتمتع بالنعم واللذات المادية والمعنوية بالصورة الكاملة الخالية من جميع أشكال التنغيص والأذى والتعب والسأم والزوال وسائر ما يجعل تنعمه وتلذذه ناقصاً.
ومن الثابت وجدانياً أن ما يطلبه الإنسان بفطرته من لذات ومتع خالية من عوامل التنغيص المذكورة آنفاً لا يجده في الحياة الدنيا مهما أوتي من إمكانات وسلطات، فحتى لمن أوتي ما أوتي قارون مثلاً تبقى قدرته على التمتع ناقصة غير كاملة وبالتالي لا تستجيب لما يطلبه بفطرته السليمة.
إذن فلابد من وجود حياة أخرى في عالم آخر غير عالم الحياة الدنيا تتوفر فيه للإنسان إمكانات الحصول على ما يطلبه بفطرته من متع بصورة كاملة لا يشوبها شيء من عوامل التنغيص.
وهذا العالم الآخر هو الدار الأخروية الباقية والذي هو (دار الحيوان) حسب التعبير القرآني الوارد في سورة العنكبوت في الآية (٦٤) حيث يقول الله عزوجل:
"وما هذه الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون"
أي أن الدار الآخرة هي دار الحياة الحقيقية الباقية التي يتحقق فيها الإنسان كل ما يطلبه من كمالات ومتع ولذائذ معنوية ومادية تخلو من جميع أشكال النقصان.
مستمعينا الأفاضل، والى هذا الدليل الفطري على حتمية وجود الحياة الأخروية أشارت كثير من النصوص الشريفة المبينة لأشكال المحدوديات في الحياة الدنيا من جهة وزوال هذه المحدوديات والنقائص في الحياة الأخرى.
فمثلاً نقرأ في الآية الستين من سورة القصص قول الله تبارك وتعالى:
"وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون"
والمتاع هو كل ما ينتفع به ويتمتع به، ونسبته الى الحياة الدنيا يشير الى إتصافه بقيود الحياة الدنيا وكونها دار فناء فهو تمتع غير كامل، في حين أن ما يطلبه الإنسان بفطرته هو (الخير والأبقى) من المتاع وهو متاع الحياة الأخروية الذي يلبي ما يطلبه الإنسان بفطرته.
روي كما في كتاب (ميزان الحكمة) عن رسول الله – صلى الله عليه وآله – أنه قال: "ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع".
وهذا بيان نبوي لقول الله عزوجل في الآية ۳۸ من سورة التوبة: "فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ".
وهذه القلة تصدق على كيفية وكمية ونوعية المتع الدنيوية مقارنة بالمتع الأخروية، جاء في التفسير الأصفى للفيض الكاشاني قوله – رحمه الله – في تفسير الآية الستين من سورة القصص وما بعدها:
"قوله "وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى" لأنه لذة خالصة وبهجة كاملة أبدية، و[قوله] "أَفَلَا تَعْقِلُونَ" [يعني] فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير... وقوله "كمن متعناه متاع الحياة الدنيا" الذي هو مشوب بالآلام مكدر بالمتاعب، مستعقب للتحسر على الإنقطاع".
وقد نبهت كثير من الأحاديث الشريفة الى عوامل النقص في المتاع الدنيوي نكتفي منها بما روي عن مولى الموحدين الإمام علي – عليه السلام – أنه قال:
"أشهد بالله، ما تنالون من الدنيا نعمة تفرحون بها إلا بفراق أخرى... إن الدنيا.. لذاتها تنغيص.. ومواهبها تغصيص وعيشها عناء وبقاؤها فناء...".
مستمعينا الأطائب، وفي مقابل ذلك فصلت كثير من النصوص الشريفة قرآناً وسنة الحديث عن خلود النعم الأخروية وكمالها وتنزهها عن السأم والملل والأذى والمحدودية وسائر أشكال النقص.
وفي ذلك إشارات الى هذا الدليل الفطري على حتمية وجود حياة باقية تلبي فطرة الإنسان الطامحة الى الكمال في التمتع المادي والمعنوي.
وبهذا نختم أيها الأحبة لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) شاكرين لكم طيب المتابعة ولكم دوماً من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران خالص التحيات ودمتم بألف خير.