سلام من الله عليكم مستمعينا الأطائب..
أطيب تحية نحييكم بها ونحن نلتقيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج.
والسؤال الذي نبحث عن إجابته فيها هو:
ما هي البراهين والأدلة التي تثبت المعاد والحياة الآخرة وما هي أدلة منكري ذلك؟
هذا السؤال ينثار في الذهن بعد أن عرفنا أهمية الإيمان بالمعاد واليوم الآخر وشدة تأثيره على حياة الإنسان وسلوكياته.
وقد تناولنا في ثلاث حلقات سابقة النصوص الشريفة التي تهدينا الى عظمة ثمار وآثار الإعتقاد الصادق بالمعاد، وحجر الزاوية الذي يستند إليه هذا الإعتقاد هو معرفة أدلته.
فمعرفة هذه الأدلة هي التي ترسخ الإعتقاد بالحشر والحياة الأخروية في القلوب وتجعل الإنسان يتحرك بما يقتضيه هذا الإعتقاد.
إذن فلنشرع بعون الله في البحث عن إجابة السؤال المتقدم في إنارات ثقلي الهداية الربانية القرآن الكريم والعترة الطاهرة.
مستمعينا الأحبة نبدأ بالشطر الثاني من السؤال، فنلاحظ في الآيات الكريمة إشارة لطيفة الى حقيقة عقائدية مهمة هي أن من المحال إثبات عدم وجود المعاد والحياة الآخرة لا بديل عقلي ولا وجداني وتجريبي.
ولذلك فإثبات المعاد لا يحتاج الى نقض أدلة منكريه ومناقشتها إذ لا توجد أدلة عندهم سوى الإستحسان الناتج عن الهوى وهذا لا اعتبار له.
والى هذه الحقيقة أشار القرآن الكريم في الآيات ۲٤ الى ۲۷ من سورة الجاثية، حيث يقول الله أصدق القائلين متحدثاً عن منكري المعاد وجوابهم:
"وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ{۲٤} وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{۲٥} قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{۲٦} وَلَلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ{۲۷}"
تشتمل هذه الآيات – مستمعينا الأفاضل – على التنبيه لأكثر من حقيقة بشأن الإعتقاد بالمعاد، الأولى هي التي أشرنا إليها من كون منكري المعاد إنما ينكرونه عن غير علم – أي بدون دليل – وإتباعاً للظن الذي لا يغني من الحق شيئاً.
ونتيجة لفقدان منكري المعاد أي دليل على إنكارهم نراهم يعمدون الى المغالطة وهذه هي الحقيقة الثانية التي تشير إليها الآيات الكريمة المتقدمة، فعندما تعرض عليهم الآيات البينات والأدلة الواضحة المثبتة للمعاد والحياة الآخرة يتهربون من مناقشتها بطلب عودة آبائهم الى الحياة الدنيا.
وهذه مغالطة واضحة لأن إثبات المعاد يعني إثبات الحشر والحياة الآخرة وليس الإحياء في هذه الحياة الدنيا.
فهو يوم الحساب الأخروي على أعمال الإنسان في الحياة الدنيا وتخليد الصالحين في الجنان والطالحين في النيران أعاذنا الله وإياكم منها على أن القرآن الكريم رد هذه الشبهة في آيات أخرى متعددة أثبت فيه القدرة الإلهية على إحياء الموتى كما في قصة إبراهيم الخليل – عليه السلام – وقصة نبي الله عزير – عليه السلام – وغير ذلك.
إذن فحتى هذه الشبهة ناتجة عن الجحود للحق واتباع الهوى بعيدة عن التعقل والتحقيق، والى هذا المعنى يشير مولانا الإمام الصادق في حديث عن أنواع الجحود مروي عنه في كتاب الكافي وجاء فيه قوله عليه السلام:
"فأما كفر الجحود فهو الجحود بالربوبية وهو قول من يقول: لا رب ولا جنة ولا نار وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم الدهرية يقولون [وما يهلكنا إلا الدهر] وهو دين وضعوه لأنفسهم بالإستحسان على غير تثبت منهم ولا تحقيق لشيء مما يقولون".
أيها الأعزاء، أما الحقيقة الثالثة فهي التي يشير إليها قوله عزوجل في الآية الأخيرة من النص القرآني المتقدم "ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون".
ففي هذه الآية إشارة الى أن إنكار المعاد والحياة الآخرة يعني تعريض الإنسان نفسه لخطر محتمل على الأقل عند المنكر للمعاد ويقيني عند المثبت له، وهذا أمر ترفضه العقول السليمة.
وهذه الحقيقة بينها أئمة العترة المحمدية – عليهم السلام – في عدة من إحتجاجاتهم مع الزنادقة، نختار منها نموذجاً من كتاب (ميزان الحكمة) جاء ضمن مناظرة الإمام الصادق مع أحد منكري المعاد، حيث قال – عليه السلام – له: أرأيت إن كان القول قولك – أي لا وجود للمعاد – فهل يخاف علي شيء مما أخوفك به من عقاب الله؟
فأجاب المنكر: لا، باعتبار أنه منكر للمعاد أساساً فلا خوف على أحد من عقاب الله.. فقال الإمام – عليه السلام -: أفرأيت إن كان كما أقول – يعني إثبات المعاد – والحق في يدي ألست قد أخذت فيما كنت أحاذر من عقاب الخالق بالثقة وأنك قد وقعت بجحودك وإنكارك في الهلكة؟
فأجاب المنكر: بلى، فقال – عليه السلام -: فأينا أولى بالحزم وأقرب للنجاة؟ فأذعن المنكر قائلاً: أنت.
وقال الإمام الكاظم – عليه السلام – لأحد منكري المعاد: "إن يكن الأمر كما تقول – وليس كما تقول – نجونا ونجوت، وإن يكن الأمر كما نقول – وهو كما نقول – نجونا وهلكت".
وخلاصة ما تقدم أيها الأحبة هو أن من المحال إثبات عدم وجود المعاد والحياة الآخرة في حين أن في إنكار المعاد تعريض النفس لحظر محتمل على الأقل يأباه العقلاء وهذه مقدمة للبحث عن الأدلة التي عرضتها النصوص الشريفة لإثبات المعاد وهذا ما نتناوله في الحلقة المقبلة بإذن الله من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) نشكر لكم طيب المتابعة وفي أمان الله.