السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته..
نحييكم بأطيب تحية ونحن نلتقيكم في حلقة اليوم من برنامجكم العقائدي هذا.
حديثنا فيها سيكون بإذن الله عن الدليل الرابع من أدلة إثبات المعاد والحياة الآخرة، وهو الدليل الذي يمكن أن نسميه بدليل العدل.
وفي ذلك متابعة لما بدأناه قبل أربع حلقات من البحث عن إجابات ثقلي الهداية عن سؤالنا المحوري وهو: ما هي أدلة إثبات المعاد والقيامة والحياة الآخرة الخالدة.
وقد عرضنا في الحلقات السابقة لدليلين منطلقهما معرفة فطرة الإنسان، وثالث ينطلق من الإيمان بأن الله حكيم لا يفعل شيئاً باطلاً ولا عبثاً تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
والدليل الرابع من الإيمان بأن عزوجل عادل لا يظلم أحداً قيد أنملة ولمعرفة تفصيلات هذا الدليل تابعونا مشكورين.
مستمعينا الأفاضل، أشارت كثير من الآيات الكريمة الى دليل (العدل الإلهي) لتنبيه القلوب الى حتمية المعاد والحياة الأخرى، نتدبر معاً ببعض نماذجها ونبدأ بالآيتين (۲۷و۲۸) من سورة (ص)، فبعد أن تذكر الآية السابقة لهما الأمر الإلهي لداوود النبي – عليه السلام – بالعدل في القضاء يقول جل جلاله:
"وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ{۲۷} أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ{۲۸}"
وكما تلاحظون – أيها الأحبة – فإن الآية الأولى تشير الى دليل الحكمة في إثبات المعاد والذي فصلنا الحديث عنه في الحلقة السابقة.
أما الآية الثانية فهي تشير الى دليل العدل الإلهي، وكأنها تقول إن الله تبارك وتعالى هو الأولى بالعدل الذي أمر به نبيه داوود – عليه السلام – في الآية السابقة لهذا النص.
وفي ذلك تنبيه أن كل عقل سليم يقضي بلزوم العدل في القضاء بين الناس وإنصاف الظالم في القضاء، وهذا الأصل ينبغي أن يجري في إطاره الأوسع مع جميع سلوكيات البشر في الحياة الدنيا، وهذا ما تشير إليه الآيتان ۳٥و۳٦ من سورة القلم وهي تؤنب منكري المعاد، قال عزوجل: "أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ{۳٥} مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{۳٦}"
إذن فنفي المعاد والحياة الأخرى وما تشتمل عليه من الثواب والعقاب، أمر يخالف العقل السليم الذي يوجب العدل في إطاره الأوسع.
من هنا فقد نصت كثير من الآيات الكريمة على وصف يوم القيامة والمعاد بيوم الفصل، وتصرح بعضها بأن إقرار الجزاء العادل هو علة وجود المعاد والحياة الأخروية، قال عزوجل في الآية (۱٥) من سورة (طه):
"إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى".
إن من الثابت وجدانياً أن كثيراً من الجناة والظالمين إرتكبوا على مدى التأريخ أبشع الجرائم دون أن ينالوا العقاب في الحياة الدنيا، أو أن العقاب الذي نالوه لا يتناسب مع الجرائم التي إرتكبوها.
وفي المقابل فإن كثيراً من الصالحين قاموا بأعمال خيرية بمختلف أشكالها ولم يحصلوا على ثمارها وجزائها العادل في النشأة الدنيوية بسبب محدوديات الحياة الدنيا.
ولا يخفى على أحد أن كثيراً من المظلومين بمختلف أشكال الظلم، لم ينتصف لهم من ظالميهم ولم يحصلوا على حقوقهم المغصوبة في الحياة الدنيا.
وأوضح من ذلك الملايين من البشر الذين قتلوا ظلماً وحرمهم الظالمون من حق الحياة، فكيف ينتصف لهم وقد إنتهت الحياة الدنيا؟
ولا يشك عاقل بأن تجاهل كل هذه الموارد ونظائرها الكثيرة أمر خلاف العدل، فلابد من وجود عالم آخر غير عالم الدنيا يتحقق فيه العدل الإلهي وتجازى فيه كل نفس بما كسبت وينتصف للمظلوم من الظالم.
ونلاحظ أيها الأحبة في الآية الكريمة الرابعة من سورة يونس إشارة صريحة الى أن تحقيق العدل والقسط الإلهي هو أحد الأهداف الرئيسة من المعاد والحياة الأخرى، لنتدبر في قوله عزوجل في هذه الآية بعد ذكر خلق الله الخلائق وتدبيره لأمورهم:
"إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ".
وعلى ضوء هذه التوضيحات القرآنية المؤيدة بأحكام العقل السليم بلزوم العدل يتضح أن إيماننا بأن الله عزوجل هو العدل المطلق المنزه عن جميع أشكال الظلم يستلزم القول بحتمية وجود المعاد والحساب والثواب والعقاب تحقيقاً لمبادئ العدل الشمولي.
إذ أن من الثابت وجدانياً أن النشأة الدنيوية المحدودة لا يمكن أن تكون وعاءً مناسباً لإقرار العدل الإلهي الشمولي.
فلابد من وجود عالم آخر يتحقق فيه ذلك بالصورة التي تناسب الإحاطة الإلهية بجميع موارد الظلم والإجرام والإفساد في الأرض من جهة وجميع موارد الإحسان والإصلاح والصلاح من جهة ثانية.
في الحلقة المقبلة بإذن الله سنتناول الدليل الخامس من الأدلة التي تثبت حتمية المعاد والحياة الأخرى وهو دليل (الوعد والوعيد).
وبهذا ننهي حلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) شاكرين لكم طيب المتابعة لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران أصدق الدعوات وفي أمان الله.