سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات...
تحية الإسلام مفعمة بالرحمة من الله والبركات نهديها لكم في مستهل لقاء اليوم من برنامجكم العقائدي هذا وهو من الحلقات الخاصة بأصل المعاد من أصول العقائد.
في الحلقة السابقة عرفنا فقدان منكري المعاد لأي دليل مهما كان في إنكارهم للبعث بعد الموت والحياة الآخرة.
وكان ذلك مقدمة للدخول في الإجابة التفصيلية عن الشطر الأول في سؤال الحلقة السابقة وهو:
ما هي أدلة إثبات المعاد والحياة الأخروية؟
نرجع معاً الى نصوص مناري الهداية بحثاً عن الإجابة فتابعونا مشكورين.
نلاحظ أولاً أيها الأحبة أن القرآن الكريم يصف المعاد بأنه مما لا شك فيه فيقول مثلاً في الآية السادسة والعشرين من سورة الجاثية:
"قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون".
ولعل نفي الشك في حتمية المعاد والقيامة يرجع الى قوة ووضوح أدلته من جهة، ومن جهة ثانية الى إرتكازه الى فطرة الإنسان التي لا تبديل لها وهذا من الأدلة الوجدانية على حتمية المعاد يمكن أن نسميه بالدليل الفطري، ونجد في النصوص الشريفة إشارات عدة إليه.
ولتوضيحه نقول: إن الإنسان يتطلع بفطرته الى الخلود، والفطرة السليمة تأبى الفناء، وهذا أمر وجداني مشهود لكل إنسان، وغاية الأمر أن الإختلاف في الإهتداء للطريق الذي يضمن للإنسان الخلود مقروناً بالحياة السعيدة.
وهذه الحقيقة تقرها النصوص الشريفة فمثلاً في الآية الكريمة ۱۲۹ من سورة الشعراء قوله عزوجل: "وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ"
فهذه الآية تشير بوضوح إلى أن حتى المترفين يسعون لبناء القصور في الدنيا برجاء أن يخلدوا فيها، قال العلامة الطباطبائي في تفسير هذه الآية الكريمة:
"المصانع على ما قيل [هي]: الحصون المنيعة والقصور المشيدة والأبنية العالية.. وقوله (لعلكم تخلدون) في مقام التعليل لما قبله، أي تتخذون هذه المصانع بسبب أنكم ترجون الخلود، ولو لا رجاء الخلود ما عملتم مثل هذه الأعمال التي من طبعها أن تدوم دهراً طويلاً لا يفي به أطول الأعمار الإنسانية".
مستمعينا الأفاضل، والحقيقة المتقدمة تؤكدها أيضاً الأحاديث الشريفة المصرحة بأن الإنسان خلق للبقاء والخلود وليس للفناء وإن الموت يعني نهاية حياة الإنسان في عالم الدنيا وليس فناءه.
جاء في كتاب (الإعتقادات) للشيخ الصدوق قول رسول الله – صلى الله عليه وآله -: "ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء وإنما تنقلون من دار الى دار".
وروي في علل الشرائع عن إمامنا الصادق – عليه السلام – قال: "خلقنا للبقاء إنما نتحرك من دار الى دار".
وروي في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد ضمن خطبة لأمير المؤمنين قوله – عليه السلام -: "أيها الناس، إنا خلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء، لكنكم من دار الى دار تنقلون، فتزودوا لما أنتم صائرون إليه وخالدون فيه".
فهذه الأحاديث الشريفة ونظائرها تصرح بأن خلق الإنسان جاء على أساس البقاء والخلود وليس الفناء، وهذا الأمر مركوز في فطرته في أصل الخلقة، ولعل الشعور بهذه الفطرة هو أحد أسباب كراهة الإنسان للموت خشية من قمعه للتطلع الفطري نحو الخلود، ولذلك جاءت الأحاديث المتقدمة للتنبيه الى حقيقة أن الموت إنما هو نقلة من دار الى دار، وبالتالي هداية الخلق الى التعبير عن النزعة الفطرية للخلود بإعمار دار الخلود وهي الدار الآخرة والتزود لها واجتناب عبودية الدنيا والعمل لأجلها لأنها ليست دار الخلود.
أيها الإخوة والأخوات، وعلى أساس الإدراك الوجداني لحقيقة أن حب البقاء والخلود من الغرائز الفطرية الملازمة لخلقة الإنسان، نتوصل الى الجزم القاطع بلزوم وجود حياة يكون فيها بقاء الإنسان وخلوده.
ومن الثابت وجدانياً أيضاً أن الدنيا ليست دار هذه الحياة لأن الناس يموتون فيها، فلابد إذن من بعث ومعاد الى الحياة في دار يكون خلود الإنسان.
إذن فالدليل الفطري على حتمية المعاد والدار الآخرة هو من سنخ الإستدلال على وجود الماء بملاحظة وجود حالة العطش في الإنسان.
فالله عزوجل أجل وأحكم من أن يجعل الإنسان محتاجاً للماء أو الطعام بغريزته ولا يوفر له ما يلبي هذه الحاجة الفطرية.
كذلك الحال مع غريزة حب البقاء والخلود، فمادام الإنسان يجدها في فطرته ونفسه فلابد من وجود ما يلبي هذه الحاجة والغريزة الفطرية وذلك بالبعث بعد الموت والخلود في الحياة الأخرى.
وبهذا نصل أحباءنا الى نهاية حلقة أخرى من برنامج (أسئلتنا وأجوبة الثقلين).
في الحلقة المقبلة نتابع بإذن الله الأدلة الأخرى على حتمية المعاد وحياة الخلود.. شكراً لكم على طيب المتابعة ودمتم بكل خير.