السلام عليكم مستمعينا الأطائب...
أطيب تحية نحييكم بها في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج وسؤالنا فيه هو: لقد ذكر القرآن الكريم أن الله أرسل النبي الخاتم لكي يظهر دينه الحق على الدين كله، فكيف يكون ذلك ورسول الله توفي والإسلام لم يتغلب على كل الأديان؟
سؤال يثار بين الحين والآخر، فما هو جوابه؟ نبحث عنه معاً في النصوص الشريفة فتابعونا مشكورين.
أيها الأكارم، الوعد المشار إليه ورد ثلاث مرات في القرآن الكريم، الأولى في الآيتين ۳۲و۳۳ من سورة التوبة حيث يقول تبارك وتعالى؛
"يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ{۳۲} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ{۳۳}"
وهذا المورد جاء في سياق آيات البراءة من المشركين في الجزيرة العربية بعد فتح مكة المكرمة واستقرار دولة النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – والأمر بأخذ الجزية من أهل الكتاب، أما المورد الثاني فهو قد جاء قبل ذلك في سياق الآيات النازلة بعد صلح الحديبية الشهير، فقد قال تبارك وتعالى في الآيتين ۲۷و۲۸ من سورة الفتح بشأن عمرة المسلمين بعد هذا الصلح وقبل فتح مكة؛
"لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً{۲۷} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً{۲۸}"
أما المورد الثالث فهو ما جاء في الآيتين ۸و۹ من سورة الصف وهما شبيهتان في ألفاظهما بآيتي سورة التوبة، وقد جاءتا في سياق حث المؤمنين على الجهاد في معركة أحد.
قال عز من قائل في آيتي سورة الصف:
"يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ{۸} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ{۹}"
فما الذي نستفيده من نص آيات هذا الوعد الإلهي في الإجابة عن سؤال هذا اللقاء؟
مستمعينا الأفاضل، من خلال التدبر في نصوص الآيات الكريمة المتقدمة وظروف نزولها يمكن أن نحصل على إجابة محورية هي أن إظهار الدين المحمدي على جميع الأديان فرع الوعد الإلهي بإتمام نوره أي إكمال نعمته في توفير أسباب الهداية للعالمين وهذا الأمر غير مرتبط بحياة النبي الأكرم فما حققه الله عزوجل على يديه – صلى الله عليه وآله – من إنتصارات هو من باب الفتح القريب كما في سورة الفتح، والفتح القريب هو مقدمة للنصر الإلهي الكامل وتحقق الوعد الإلهي مهما كانت مجريات الأمور وظواهرها ولذلك إستشهد النبي الأعظم – صلى الله عليه وآله – بهذا الوعد الإلهي في خضم هزيمة المسلمين في معركة أحد.
أجل فقد روي في تفسير العياشي عن الإمام الصادق – عليه السلام – قال: "لما إنهزم الناس عن النبي – صلى الله عليه وآله – يوم أحد نادى رسول الله – صلى الله عليه وآله - : إن الله قد وعدني أن يظهرني على الدين كله، فقال له بعض المنافقين: لقد هزمنا وتسخر منا؟"
أيها الإخوة والأخوات، وعندما نرجع إلى نصوص الثقل الثاني نجد أن الأحاديث الشريفة تصرح بكل وضوح أن تحقق هذا الوعد الإلهي الصادق يكون في زمن ظهور خاتم الأوصياء المحمديين الإمام الثاني عشر المهدي الموعود عجل الله فرجه.
فمثلاً روي في تفسير العياشي مسنداً عن مولانا الإمام محمد الباقر – عليه السلام – أنه قال في تفسير قوله عزوجل: "ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" يكون أن لا يبقى أحد إلا أقر بمحمد – صلى الله عليه وآله - ... وليظهره الله في الرجعة.
وعن الإمام الصادق – عليه السلام – قال في تفسيره هذه الآية: "إذا خرج القائم لم يبق مشرك بالله العظيم إلا كره خروجه".
وروى السيد شرف الحسيني في كتاب تأويل الآيات بسنده أن أمير المؤمنين – عليه السلام – تلا هذه الآية ثم قال: "أظهر ذلك بعد؟ كلا والذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بكرة وعشياً".
وفيه عن الإمام الكاظم – عليه السلام – قال في هذه الآية: "هو أمر الله ورسوله بالولاية لوصيه والولاية هي دين الحق... يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم".
وهذا المعنى مروي عن مجاهد عن إبن عباس ورواه الحافظ الكنجي الشافعي في كتاب البيان عن سعيد بن جبير أنه قال في تفسير هذه الآية: "هو المهدي من عترة فاطمة – عليه السلام -".
مستمعينا الأفاضل، ونلخص الإجابة المستفادة من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة المتقدمة بما يلي:
أن الوعد بإظهار النبي الخاتم – صلى الله عليه وآله – ودينه الحق على الدين كله تحقق في زمان حياته بصورة (الفتح القريب) الذي يمهد لتحقق هذا الوعد بالكامل.
وتحقق هذا الوعد بالكامل يكون بولاية أوصيائه الإثني عشر إلى ختامهم المهدي – عجل الله فرجه – فيظهر الإسلام عند قيامه في كل قرية.
كما أن إظهار النبي الأكرم بالكامل يكون برجعته – صلى الله عليه وآله – أي إحياء الله عزوجل في الدولة المحمدية بعد ظهور سليله المهدي عجل الله فرجه.
وهذا ما تحدثت عنه أحاديث كثيرة نتناولها بإذن الله في الحلقة المقبلة من برنامج (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران نجدد لكم خالص التحيات مقرونة بأزكى الدعوات ودمتم بألف خير.