بسم الله الرحمن الرحيم
سلامٌ من الله عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة منه وبركات
أزكى تحية نحييكم بها ونحن نلتقيكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج العقائدي نتابع فيها إستنطاق النصوص الشريفة سعياً للحصول على إجوبة أسئلتنا العقائدية.
وسؤال هذه الحلقة هو: ما هي الصفات التي تحلى بها الأنبياء –عليهم السلام فأختارهم الله عزوجل للنبوة؟
سؤال تشتمل إجابته على عظات تربوية مهمة، فنبحث معاً عن إجابته في ثقلي النجاة من الضلالة والفوز بالكرامة.
نبدأ أعزاءنا بالثقل الأول فنجد فيه كثيراً من الآيات الشريفة التي تبين لنا أن صدق التوجه الى الله وتوحيده والإخلاص في عبادته هي من أهم صفات الذين أنعم عليهم بالنبوة، فمثلاً نقرأ في الآيقين ٥۸ و٥۹ من سورة مريم قوله تبارك وتعالى:
"أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً{٥۸} فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً{٥۹}"
فهم –عليهم السلام المحافظون على الصلوات والعبودية لله جل جلاله، وقد تحرروا من عبودية (الأنا) ولذلك عصموا من دعوة الناس لعبوديتهم وتركزت دعوتهم لجعل الناس عباداً مخلصين لله جل جلاله.
قال الله عزوجل عزوجل في الآية ۷۹ من سورة آل عمران "مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ".
والعصمة مستمعينا الأفاضل هي من أهم صفات الأنبياء –عليهم السلام بحكم كونهم سفراء الله الى خلقه ومبلغي أحكامه لعباده، كما يشير لذلك مولانا الإمام الرضا –عليه السلام مبينا البرهان العقلي على ذلك، فقد روى عنه الشيخ الصدوق في كتاب علل الشرائع قوله في الإجابة عن سؤال بشأن علة وجوب معرفة الرسل والإقرار بهم وطاعتهم.
قال –عليه السلام : "لما لم يكن في خلقهم –يعني سائر الخلق وقواهم ما يكملوا به لمصالحهم وكان الصانع متعالياً عن أن يرى وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهراً، لم يكن بدٌ من رسول بينه وينهم معصوم يؤدي إليهم أمره ونهيه وأدبه، ويوقفهم على ما يكون به إحراز منافعهم ودفع مضارهم"
ومن صفات الأنبياء الأساسية الصبر في تحمل أعباء تبليغ الرسالات الإلهية وهداية العباد، والتوكل على الله في ذلك، كما تشير لذلك الآيتان ۱۱ و۱۲ من سورة ابراهيم:
"قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{۱۱} وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ{۱۲}"
ومن صفات الذين إصطفاهم الله عزوجل للنبوة هو (الاحسان) وصنع المعروف وتحليهم بروح إتقان العمل، قال عزوجل في الآية ۸٤ من سورة الأنعام:
"وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{۸٤}"
كما أن كمال العقل والحالة العقلائية في التعامل مع الأمور بعيداً عن الأهواء هما من الصفات الأساسية للذين إختارهم الله للنبوة كما يشير لذلك مولانا الإمام الكاظم –عليه السلام في الحديث المروي عنه في كتاب المحاسن أنه قال:
"ما بعث الله نبياً قط إلا عاقلاً وبعض النبيين أرجح من بعض، وما إستخلف داود سليمان حتى إختبر عقله، وأستخلف داود سليمان وهو ابن ثلاثة عشر سنة".
وفي ذيل هذا الحديث الشريف يشير إمامنا الكاظم –عليه السلام الى عدم تأثير العمر الطبيعي في كمال عقول الأنبياء عليهم السلام فهم قد من الله عليهم نتيجة إستعدادهم وكفاءاتهم بقدرات خاصة نظير ما يشير اليه النبي الأكرم –صلى الله عليه وآله في الحديث المروي عنه في كتاب بصائر الدرجات أنه قال:
"انا معاشر الأنبياء تنام عيوننا ولا تنام قلوبنا ونرى من خلفنا كما نرى من بين أيدينا".
وروي أيضاً في كتاب (المحاسن) عن مولانا الإمام جعفر الصادق –عليه السلام انه سئل: كيف علمت الرسل أنها رسل، فقال : "كشف عنهم الغطاء".
وأخيراً نشير الى أن من صفات الأنبياء –عليهم السلام الإهتمام بالرزق الحلال الطيب وإجتناب الشبهات، بأدق أنواعها، روي في كتاب أمالي الطوسي أن رجلاً قال في حضور الإمام الصادق –عليه السلام: اللهم إني أسألك رزقاً طيباً.
فقال –عليه السلام: "هذا قوت الأنبياء".
ونصل الآن مستمعينا الأفاضل الى تلخيص المستفاد من النصوص الشريفة بأن من أهم صفات الأنبياء التي إصطفاهم بها للنبوة هي: كمال العقل والإخلاص لله والصبر في هداية عباده وتنفيذ أوامره وتبليغ رسالاته والتوكل عليه تبارك وتعالى.
رزقنا الله وإياكم جميل التحلي بهذه الخصال الطيبة ببركة التمسك بولاية محمد وآله الطاهرين –صلوات الله عليهم أجمعين.
اللهم أمين، نشكر لكم ايها الأكارم طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، دمتم بكل خير وفي أمان الله.