السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أهلاً بكم أيها الأكارم في حلقة اليوم من برنامجكم العقائدي هذا ولازلنا معكم نعرض على النصوص الشريفة المرتبطة بشأن النبوة والدعوات النبوية؛ كأحد أصول الدين الحق.
وسؤالنا في هذه الحلقة هو: ما هو موقف الدعوات النبوية من الإستكبار وبالتالي ما الذي نستفيده في حياتنا المعاصرة من هذا الموقف النبوي.
نبحث معاً عن الإجابة في نصوص مناري الهداية الإلهية، فتابعونا على بركة الله.
نفتح المصحف الكريم فنجد كثيراً من الآيات الكريمة التي تصرح بأن الله عزوجل بعث الرسل لمواجهة المستكبرين والدفاع عن المستضعفين، ولذلك كان المستكبرون هم الواجهة الأولى في محاربة الدعوات النبوية.
بل ويستفاد من الآيات الكريمة أن البراءة من الإستكبار هو الركن الثاني للتوحيد الخالص، فمثلاً نقرأ في الآية السادسة والثلاثين من سورة النحل المباركة قوله عزوجل:
"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ{۳٦}"
ويستفاد من الآيات الكريمة أن من أهم أهداف الدعوات النبوية هو تحرير الناس من أسر الطواغيت والمستكبرين لكي يفتحوا أمامهم آفاق الحياة الكريمة الطيبة؛ قال عزمن قائل في الآيتين ۱۷ و ۱۸ من سورة الزمر:
"وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ{۱۷} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ{۱۸}"
وتصرح الآيات الكريمة أن الله تبارك وتعالى بعث كليمه موسى – على نبينا وآله وعليه السلام – لتحرير بني إسرائيل من طغيان فرعون، فمثلاً قال تبارك وتعالى في الآيات الثالثة إلى السادسة من سورة القصص:
"نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{۳} إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ{٤} وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{٥} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ{٦}"
ويبين لنا مولانا الإمام الصادق – عليه السلام – أن الله عزوجل أمر أنبياءه بالمزيد من التواضع لكي يكسروا شوكة التكبر في النفوس فيتعلم الناس منهم البراءة من المستكبرين؛ روي عنه – عليه السلام – في كتاب إرشاد القلوب أنه قال:
"كان سليمان – عليه السلام – مع ما فيه من الملك يلبس الشعر، وإذا جنه الليل شد يديه إلى عنقه فلا يزال قائماً حتى يصبح باكياً وكان قوته من لفائف الخوص يعملها بيده، وإنما سأل الملك ليقهر ملوك الكفر".
وفي خطبة غراء في نهج البلاغة، يحدثنا مولانا الإمام أميرالمؤمنين – عليه السلام – عن نماذج لمحاربة الأنبياء – عليهم السلام – للإستكبار بصورة عملية لكي ينقذوا عباد الله منه بجميع أشكاله.
قال – عليه السلام: "لو رخص الله في الكبر لأحد من عباده لرخص فيه لخاصة أنبيائه وأوليائه، ولكنه سبحانه كره إليهم التكابر ورضي لهم التواضع، فألصقوا بالأرض خدودهم... وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين".
وفي جانب من هذه الخطبة يشير أميرالمؤمنين – عليه السلام – إلى المكافحة العملية لروح الإستكبار في نفوس المستكبرين من خلال إظهار الأنبياء للتواضع والعزة في آن واحداً مستشهداً بما جرى مع فرعون.
قال – عليه السلام -: "إن الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم، ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون – صلى الله عليهما – على فرعون، وعليهما مدارع الصوف وبأيديهما العصي، فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه ودوام عزه".
ثم يتابع – عليه السلام – كلامه مشيراً إلى سعي فرعون لمواجهة تأثير موقفهما – عليهما السلام – على قومه "فقال – فرعون - : ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز وبقاء الملك وهما بما تمرون من حال الفقر والذل فهلا ألقي عليهما أساور من ذهب؟"
ويخلص – صلوات الله عليه – إلى النتيجة العامة في بين هذه السيرة النبوية بقوله: "..ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنىً".
مستمعينا الأطائب وخلاصة ما تقدم هي أن مجاهدة الإستكبار والبراءة منهم وتحرير نفس الإنسان منه وإنقاذ المجتمع من حكمه هو من أهم أركان الرسالات النبوية جميعاً.
وبهذه الخلاصة ننهي لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
تقبل الله منكم حسن الإصغاء والمتابعة ودمتم في رعاية سالمين.