السلام عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله وبركاته.
أطيب تحية نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من برنامجكم هذا نعرض فيها معاً على مناري الهدى الإلهي، السؤال التالي:
هل إن الإيمان بالله يستلزم بالنبوة مثلما إستلزم الإيمان بالمعاد؟
نبحث معاً عن الإجابة في النصوص الشريفة فتابعونا على بركة الله.
نتدبر أولاً مستمعينا الأفاضل في الآيات الكريمة ۱٦۲ إلى ۱٦٥ من سورة النساء وفيها يجيبنا الله تبارك وتعالى على السؤال المتقدم بالإشارة إلى قضية إتمام الحجة الإلهية على العباد بإرسال الرسل؛ قال جل جلاله:
"لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً{۱٦۲} إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً{۱٦۳} وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً{۱٦٤} رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً{۱٦٥}"
وإلى جانب هذه الآيات الكريمة نتأمل معاً – مستمعينا الأفاضل – في الآيتين ۱۳۳و۱۳٤ من سورة (طه) وفيها إشارة إلى بطلان إحتجاج مشركي قريش على النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – واللطف بهم إذ بعث فيهم رسولاً تتم به الحجة الإلهية عليهم.
قال تبارك وتعالى: "وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى{۱۳۳} وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى{۱۳٤}"
وثمة إشارة قرآنية أخرى تبين لنا أن من رحمة الله عزوجل بعباده إرسال الأنبياء إليهم، نقرأ في الآيتين ٤٦و٤۷ من سورة القصص قوله عزوجل: "وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ{٤٦} وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{٤۷}"
وكما تلاحظون، مستمعينا الأفاضل، فإن الآيات الكريمة تربط بين الإيمان بالله عزوجل وبنجاة الخلق في اليوم الآخر وبين بعثة الأنبياء فما الذي نستنتجه من ذلك؟
أيها الإخوة والأخوات، إن الذي يتضح من التدبر في النصوص القرآنية المتقدمة أن الله العزيز القادر على كل شيء والحكيم الذي يضع كل شيء في مكانه المناسب والرحيم الذي يلطف بعباده ويوفر لهم جميع أسباب الهداية إلى ما ينجيهم من الذل والخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة؛ هذا الرب الأكرم لا يمكن أن يترك عباده دون أن يبعث إليهم من يعلمهم ما به تحقق له الحياة السعيدة في الدارين كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
كما أن مثل هذا الرب لا يمكن أن يترك عباده سدىً دون منذر لهم يحذرهم من أن يوقعوا أنفسهم في المصائب بأيديهم، ويدعوهم إلى التفكر وتذكر ما أوعده الله في فطرتهم من حب الخيرات وإجتناب الموبقات ليكمل بذلك إيمانهم الفطري.
وهذا ما يبينه مولانا أميرالمؤمنين – عليه السلام – في الخطبة الأولى من نهج البلاغة، حيث تحدث فيه عن علة بعث الرسل ودورهم في حياة الناس، مشيراً إلى الحقائق القرآنية المتقدمة، ومبيناً مصداق إكتمال الحجة البالغة على الخلق بإرسال الأنبياء إليهم.
قال – عليه السلام -: "فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول ويروهم آيات القدرة.. ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل أو كتاب منزل أو حجة لازمة أو محجة قائمة"
وروي في كتاب الكافي عن مولانا الإمام الكاظم – عليه السلام – قال: "إن لله حجتين ظاهرة وباطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام، وأما الباطنة فالعقول".
أيها الأطائب، أما النتيجة التي نصل إليها من التأمل في النصوص الشريفة المتقدمة وغيرها فهي أن الإيمان برحمة الله وحكمته ولطفه بعباده يستلزم الإيمان بالنبوة بما تعنيه من إرساله – عزوجل – لمن يبلغون عباده رسالاته الهادية لهم إلى طريق النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة.
فله الحمد والمجد من رب كريم رحيم تبارك وتعالى رب العالمين.
وبهذا ينتهي لقاؤنا بكم أيها الأعزاء في حلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران؛ لكم جزيل الشكر ودمتم في رعاية الله.