سلام من الله عليكم إخوة الإيمان ورحمة منه وبركات..
أهلا بكم ومرحباً في حلقة اليوم من برنامجكم العقائدي هذا نعرض فيها على مناري الهدى الإلهي – القرآن والعترة – السؤال التالي:
ما هي علامة صدق الإيمان بالله واليوم الآخر؟
سؤال مهم وذو أثر تربوي، لنبحث معاً عن إجابته تابعونا على بركة الله.
أيها الإخوة والأخوات، نفتح كتاب الله المجيد فنلمح في الآيات الأولى من سورة البقرة جواباً جامعاً على سؤال هذه الحلقة، من خلال ما ذكره الله تبارك وتعالى من صفات المهتدين بهدية من المتقين، وهم الذين يصرح في هذه الآيات بأنهم المفلحون أيضاً، يقول عزمن قائل في الآيات الخمس الأوائل من هذه السورة؛
"الم{۱} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{۲} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{۳} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{٤} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{٥}"
وفي بداية سورة الأنفال نجد أن الله تبارك وتعالى يشهد وكفى به شهيداً لطائفة من الناس بأنهم المؤمنون حقاً وفي ذلك أبلغ الإشارة إلى صدق إيمانهم قال عزمن قائل في الآيات الثانية إلى الرابعة من سورة الأنفال؛
"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{۲} الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{۳} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{٤}"
أيها الإخوة والأخوات، تلاحظون أن هذه الآيات الكريمة ونظائرها كثيرة في القرآن الكريم تهدينا إلى علامة محورية لصدق الإيمان بالله واليوم الآخر، هذه العلامة هي التي تتجسد في العمل الصالح بمقتضى ذلك الإيمان، ولهذا العمل ركنان أساسيان نشير إليهما بعد قليل فابقوا معنا مشكورين.
الركن الأول هو – أيها الأفاضل – هو ما يظهر في سلوك المؤمن بالله عزوجل وعلاقته مع ربه تبارك وتعالى، وهذا ما يشير إليه تعبير "يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ" المذكور في كلا المقطعين القرآنيين المتقدمين، والصلاة هي عمود الدين ومركز الإرتباط بالله ومنطلق التخلق بأخلاقه.
ونجد في آيات سورة الأنفال تفصيل لآثار الإرتباط بالله جل جلاله وتحقق حقيقة الصلاة في قلب المؤمن.
وهذه الآثار تتمثل بالخشية الإيجابية منه عزوجل "إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ" وهذه الخشية هي جوهر التقوى التي تحصن المؤمن من إرتكاب ما يغضب الرب الجليل جل جلاله.
كما تتمثل بزيادة ذكر الله لإيمان المؤمن من خلال دوام تفكره في آيات الله في الآفاق والنفس، فتترسخ باستمرار حقائق الإيمان في قلبه وتظهر في عمله وتتمثل آثار الإرتباط بالله عزوجل ثالثاً في التوكل على الله عزوجل والإستمداد منه والرضا بقضائه والتسليم لأمره وطاعته تبارك وتعالى.
أيها الأحبة، أما الركن الثاني للعمل الصالح الذي يجسد صدق الإيمان بالله واليوم الآخر فهو المشار إليه بقوله عزوجل "وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" والإنفاق في سبيل الله هو من أوضح مصاديق الإيمان بالدار الآخرة التي يثيب فيها الله تبارك وتعالى الإنسان ويعوضه عما أنفقه في سبيل الله في الحياة الدنيا.
وفي هذه يشير مولانا الإمام الحسن العسكري – سلام الله عليه – كما هو المروي عنه في تفسير (كنز الدقائق) وهو يعلق على قوله عزوجل في الآيات الأولى من سورة البقرة "وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ" قال عليه السلام: " بالدار الآخرة بعد هذه الدنيا يوقنون، لا يشكون فيها أنها الدار التي فيها جزاء الأعمال الصالحة بأفضل مما عملوا الأعمال السيئة بمثل ما كسبوه".
وقال مولانا مولى الموحدين وأمير المؤمنين علي – عليه السلام – في بعض فقرات خطبته الشهيرة في وصف المتقين: "المتقون هم أهل الفضائل.. غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم.. عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها فهم منعمون.. أرادتهم الدنيا فلم يريدوها.."
مستمعينا الأطائب والذي نخلص إليه من النصوص الشريفة المتقدمة هو أن علامة صدق الإيمان بالله واليوم الآخر تظهر في العمل الصالح بركنيه الإرتباط الوثيق بالله عزوجل وطاعته وخدمة خلقه بالإنفاق وغيره إعماراً للدار الآخرة التي فيها تكون الحياة الخالدة.
وفقنا الله وإياكم للعمل الصالح وابتغاء مرضاة الله ببركة التمسك بعروته الوثقى كتابه المجيد وعترة نبيه الكريم صلى الله عليه وآله الطاهرين....
آمين.. إنتهى أحباءنا لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم وفي أمان الله.