السلام عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله..
أطيب التحيات نهديها لكم ونحن نلتقيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج وسؤالنا فيها هو: هل أن الإيمان بالله عزوجل يستلزم الإيمان بالمعاد واليوم الآخر؟
نبحث معاً، مستمعينا الكرام، عن الإجابة في نصوص مناري الهداية، القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت الرحمة المحمدية – عليهم السلام – فتابعونا على بركة الله.
نتدبر أولاً أيها الأعزاء في الآيات الكريمة التي تبين لنا علة وجود اليوم الآخر والحياة الآخرة لكي نعرف هل أنها تقدم لنا الإجابة المطلوبة أم لا؟
فنقرأ أولاً الآيات ۳۳ إلى ۳٦ من سورة القلم وهي تتحدث عن العذاب الدنيوي والأخروي للظالمين وعاقبة المتقين؛ قال عز من قائل:
"كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{۳۳} إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ{۳٤} أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ{۳٥} مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{۳٦}"
ولنتدبر معاً في الآيات ۳۸ إلى ٤۲ من سورة الدخان متأملين في سر الوصف القرآني ليوم القيامة بأنه يوم الفصل، أي الفصل بين الناس وحل إختلافاتهم والقضاء بينهم؛ قال عز من قائل:
"وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ{۳۸} مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{۳۹} إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ{٤۰} يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ{٤۱} إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{٤۲}"
ونتأمل معاً في الآيات ۱٥ إلى ۱۷ من سورة غافر وهي تصرح بأن الهدف من بعثة الأنبياء – عليهم السلام – هو الإنذار تمهيداً ليوم الفصل الذي يظهر فيه العدل الإلهي الشامل؛ قال تبارك وتعالى:
"رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ{۱٥} يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ{۱٦} الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ{۱۷}"
أيها الإخوة والأخوات، بعد أن تلونا الآيات المتقدمة نثبت الدلالات المستفادة منها، فيها يرتبط بموضوع سؤالنا فهي تشير إلى حقيقة وجدانية مشهودة للجميع هي أن الناس ينقسمون إلى طائفتين رئيستين: المسلمين والمجرمين.
هذا في الحياة الدنيا، وطبيعة قوانين هذه الحياة ومحدودية أعمار الناس فيها لا تسمح بأن ينال كل إنسان جزاءه الكامل في الحياة الدنيا، وهذه أيضاً حقيقة وجدانية مشهودة للجميع.
كما أن من الحقائق المشهودة هي أن الظهور الكامل للحق لا يتحقق في الحياة الدنيا، فكم من أجيال من الصالحين والطالحين والظالمين والمظلومين قد بادت وانقرضت دون أن يتحقق بالكامل الإنتصاف للمظلوم من الظالم ويفصل في الإختلاف؛ ودون أن يحصلوا على جزاء أعمالهم، خيراً كانت أو شراً.
وفي المقابل هذه الحقائق الوجدانية فإن الإيمان بالله عزوجل يستلزم الإيمان بصفاته الحسنى ومن أهمها العدل والحكمة، فهو حكيم لا يخلق شيئاً عبثاً وعادل لا يسمح أن يظلم أحد بحضرته ولا ترد ظلامته ولا ينتصف للمظلوم وهو القادر على كل شيء، فتكون النتيجة هي أن الإيمان بعدل الله وحكمته يستلزم الإيمان بوجود حياة أخرى بعد الحياة الدنيا يكون فيه الفصل والقضاء تخلو من الظلم ولا يكون فيها المسلمين كالمجرمين ويرى فيها الناس حصاد أعمالهم وإلا كان خلق البشر عبثاً ولعباً والله تبارك وتعالى منزه عن ذلك سبحانه وتعالى؛ قال الله جل جلاله في الآيتين ۱۱٥ و۱۱٦ من سورة (المؤمنون)؛
"أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ{۱۱٥} فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ{۱۱٦}"
قال مولانا الإمام جعفر الصادق – صلوات الله عليه – في الحديث المروي عنه في كتاب (علل الشرائع) في جواب من سأله لم خلق الله الخلق: "إن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثاً ولم يتركهم سدى، بل خلقهم لإظهار قدرته وليكلفهم طاعته، فيستوجبوا بذلك رضوانه وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرة، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد".
إذن – مستمعينا الأفاضل – فخلاصة ما نستفيده من النصوص الشريفة المتقدمة هو أن الإيمان بعدل الله وحكمته ورحمته وغناه وسائر صفاته الحسنى يستلزم الإعتقاد باليوم الآخر والحياة الأخرى لأن فيها يتجلى العدل الإلهي والرحمة الإلهية في المجازاة وإيصال الخلق إلى النعيم الدائم.
وبهذا ينتهي أيها الأحبة لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، دمتم بألف خير وفي أمان الله.